يحاول نتنياهو تقديم ما حصل على أنه رد على مجدل شمس حتى لا يقول الجمهور الإسرائيلي أنها عملية استدراج إلى الحرب، وتزيد الضغوط عليه مع عدم إنهاء الحرب على الجبهات داخل فلسطين. طوال فترة الحرب، اعتمد المماطلة ورمي الكرة باتجاه الملعب الآخر ليخفف عن كاهله عبء تحمّل المسؤولية والتفلّت من المحاسبة. جاء الاعتداء الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية واستهداف القائد الحاج فؤاد شكر، السيد محسن، منتهكًا للقوانين الدولية ومتجاوزًا لقاعدة التناسب في الحرب، فقد كسر الخطوط الحمراء وكسر القواعد القائمة في الخطوط التالية:
- المستوى القيادي للشخصية المستهدفة
- مكان الاستهداف، الضاحية تحديدًا
- استهداف المدنيين
وتشير التصريحات العبرية إلى أن الكيان يعتقد أن الاستهداف حشر حزب الله في الزاوية لجهة الرد وتحميله مسؤولية تدحرج التصعيد إلى حرب، باعتبار أن الإسرائيلي أعلن أنه لا يريد التصعيد وأن الضربة انتهت. الحسابات الإسرائيلية الأمريكية لا تحدد مسار المقاومة ولا تفرض عليها أي قرار، وهي صاحبة الحق في تحديد وقت وطبيعة الرد، خاصة بعد التصعيد الأخير للاحتلال الإسرائيلي في سلم الردع. فالمقاومة لن تقبل أو تسمح بمعادلة الضاحية مقابل مجدل شمس، التي سبق أن نفى الحزب مسؤوليته عنها. قد يكون من الأهمية بمحل قراءة السياقات المحيطة بقرار الاستهداف ومنها التحديات والظروف في سياق تحليل مشهد الذهاب نحو التصعيد بهذا المستوى.
التحديات على الكيان
- الشمال: معضلة جبهة الشمال وتهديدات حزب الله والمنطقة الآمنة للحزب داخل فلسطين.
- الضغوط: مجموعة من الضغوط الأمريكية والدولية والداخلية (الصفقة، اليوم التالي للحرب على غزة، تحرير الرهائن، عودة المستوطنين)
- الردع: الفشل التراكمي وعلى أكثر من مستوى وبأكثر من اتجاه، خاصة مع ما كشفته رسائل الهدهد من اختراق للاستخبارات الإسرائيلية، ومع مسيرة يافا وتهديد تل أبيب.
- وقف الإسناد: شكلت جبهات الإسناد معضلة وتحد للكيان سعى خلال الأشهر العشرة للفصل بين الجبهات
- تحسين حياة سكان الشمال: هذا هدف أساسي بالنسبة للكيان. وقد شكّلت إعادة المستوطنين هاجسًا وتحدّيًا لدى الكيان، خاصة مع تبعات الموضوع اقتصاديًّا واجتماعيًّا وامنيًّا ومعنويًّا ونفسيًّا.
الظروف والعوامل المحيطة
محدودية الفائدة: يعاني الكيان من محدودية الفائدة ومحدودية فعالية الإنجازات حتى اليوم، سيما على مستوى الردع.
تخفيف الضغط: تحرر نتنياهو من الضغوط الأمريكية مع انسحاب بايدن وموقف هاريس الداعم لحماية الكيان في سياق النقاط الانتخابية في مقابل ترامب غير المبالي بدوره. تخفيف الضغط نجم عنه مساحة حركة لنتنياهو يتجاوز فيها الخطوط الحمر. يعتقد نتنياهو أن تفريغ الضغوط الداخلية عليه أو معالجتها تحصل من خلال استهداف أهداف نوعية للمقاومة. سوء التقدير الذي سيظهر في ازدياد مستوى الضغوط، مشكلة الشمال لن تُحلّ، مشكلة استعادة الردع ستزداد عمقًا، وغيرها من التحديات التي ستبقى عالقة وترتفع خطورتها في مسار التهديد.
لا تغيير في مجال استعادة الردع: طوال أشهر الحرب، تراكم الفشل، بل لم تشهد كل الخطط والإجراءات والسياسات أي تغير إيجابي لجهة استعادة أو حتى ترميم الردع، وعلى العكس شكّل العامل الزمني واستمرار الحرب بهذه الوتيرة وفي ظل محدودية النتائج عامل تهديد نحو المزيد من الخسائر والانهيارات. والمنعطف الذي تشكّله حادثة الاعتداء على الضاحية واغتيال القائد الحاج شكر سينجم عنه المزيد من التغيرات في معادلة الردع.
دخول تل أبيب في نطاق الاستهداف: عدّ المراقبون الإسرائيليون يوم مسيرة يافا اليمنية التي ضربت تل أبيب بمثابة "طوفان الأقصى 2". كذلك حدّدت معادلة حزب الله ضرب تل أبيب مقابل ضرب بيروت. وهذا التهديد كان يتزايد يومًا بعد يوم مع عدم القدرة على الضبط في الردع والتصعيد بالتوازي مع استمرار الحرب على غزة وتمسّك حزب الله بموقفه من إنهاء الحرب على جبهة الجنوب اللبنانية عندما تتوقف الحرب على غزة.
إنجاز على صعيد الصورة: يعاني الكيان من مشكلة استراتيجية معقدة لا يستطيع الخروج منها، ويحاول معالجتها بحلول تكتيكية ذات قيمة إعلامية ومعنوية. يحاول الخروج بصور نصر إعلامية؛ يلجأ فيها إلى الحملات الإعلامية والدعائية للترويج لقصة الكيان ويدفع الشعب الإسرائيلي للتصديق بها، كحادثة مجدل شمس التي رفضت تحقيق الأمم المتحدة، (الأندوف) في الحادثة، وذلك لإخفاء القرائن والأدلة الميدانية وللظهور بمظهر المنتقم. وفي حادثة اغتيال القائد الحاج شكر، ركّز الإعلام العبري على تقديم صورة الاغتيال وكأنها خدمة للأمريكي الذي يسعى وراء الشهيد منذ سنين.
خلاصة تحليل المشهد
طوال الفترة الماضية، حذّر المحلّلون والسياسيون من عدم وجود ضمانات تحول دون تدحرج الحرب إلى الحرب الشاملة نتيجة التصعيد الجاري والتدرّج في مستويات تبادل الردود. زعم الأمريكي أنه يرفض الحرب الواسعة وأنه يضغط للتوصل إلى صفقة في غزة، لكن دون أن يوقف دعم الكيان بالسلاح والتمويل والغطاء في أي اعتداء. واليوم، درجة المخاطرة التي ذهب إليها نتنياهو وفريقه، تعكس مدى وعمق وتعقيد المعضلة الاستراتيجية الناتجة عن المبادرة الهجومية التي بدأت في السابع من اكتوبر. فقد وقع الإسرائيلي، والأرجح الأمريكي من خلفه، في سوء التقدير ويعاني من اشتباهات إدراكية وتقديرية، كما حصل في استهداف القنصلية الإيرانية في سوريا. لقد تزايدت درجة الضغط الداخلي والخارجي على الكيان المحتل بشكل هائل خلال الأشهر العشرة الماضية، واليوم تشهد المنطقة آثار هذه الضغوط ورد الفعل الإسرائيلية عليها. ومن الواضح أن نتنياهو اتخذ مسارًا جديدًا في وجهة الحرب وسقف المواجهة وشكلها ونطاق جغرافيتها وأماكنها وطبيعة الأهداف فيها ونوع الأسلحة. وهذا مؤشر على حجم المعركة القادمة ومدى جدية وخطورة المرحلة، على أن الحرب طويلة وهي على مراحل. ويمكن القول إن نتنياهو بهذا الفعل لن يستعيد الردع، ولن يحمي الكيان، ولن يغير في دور جبهات الإسناد. على العكس تماماً، الفعل في مكان والنتائج في مكان آخر.
حزب الله بمختلف مستويات القيادة حذّر من تجاوز الخطوط الحمراء، ووضع معادلة تل أبيب مقابل بيروت، والمطار بالمطار، والميناء بالميناء؛ أي معادلة الرد المتكافئ والمتوازي مع أي عدوان. يمتلك حزب الله حق الرد على الاعتداء وتغيير المعادلات وقد أكد على حتمية الرد في حال الاستهداف، وطرح مجموعة خيارات عسكرية في حيفا وقاعدة رامات دايفيد وغيرها. لقد دخلت الحرب مستوى جديد ومسار جديد في الحرب، وفتحت مجالًا لتغيير ثقل المعادلة وأعطت دفعًا لتغيير الموازين ربما في مناطق جديدة كالجليل الأعلى والأسفل ومنطقة حيفا. المؤكّد هو الثبات على المقاومة ووحدة مصير لبنان وغزة وفلسطين. المقاومة ستستفيد من الأزمات التراكمية لدى الكيان ومن المعضلة الاستراتيجية لديه الناجمة عن الخلل في التقدير والنتائج والمعالجة، في اختيار نوع الرد على الاعتداء والضغط على الكيان وتحقيق الأهداف من الحرب، حتى لو على مستوى التصعيد التدريجي في الحرب وعدم الذهاب إلى الحرب الواسعة. إذ قد ترتأي المصلحة لدى قيادة المحور في الحفاظ على أهداف الحرب والاستمرار في المسار التصاعدي للتصعيد ومواصلة بناء النقاط التراكمية لكن بوتيرة ذات قفزة نوعية في شكل المواجهة.