الجمعة 26 تموز , 2024 11:44

السياسة الخارجيّة الإيرانيّة بين نهج "رئيسي" وكفاءة "بزشكيان"

الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان

منذ تولّي آية الله "رئيسي" رئاسة الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة ‏(3 آب/ أغسطس 2021 - 19 أيّار/مايو 2024)، اتّبع نهجًا دبلوماسيًّا يتّفق مع رؤية "الإمام الخامنئي" الذي أوصى الرئيس المنتخب "مسعود بزشكيان" باتباعه.

كانت السياسة الخارجيّة للسيّد رئيسيّ وحكومته قد اتّسمت بالهمّة العالية حيث دأبت بشكلٍ متزايد على تمتين الروابط نحو الشراكات الشرقيّة، لا سيّما مع روسيا والصين، وتحسين العلاقات مع الجوار، وتعزيز إمكانيّة التعاون الإقليميّ، والابتعاد عن الانخراط الدبلوماسيّ مع الغرب في ظلّ موقف المواجهة الجاري، والحفاظ على النفوذ الإقليميّ لإيران، والالتزام بدعم محور المقاومة، إلى الحدّ الذي أُطلق على وزير خارجيّته "حسين أمير عبد اللهيان" بعد الحرب على غزّة "وزير خارجيّة جبهة المقاومة".

من جانب آخر، شدّد الإمام الخامنئيّ خلال لقائه أعضاء مجلس الشورى الإسلاميّ الإيرانيّ (21 تمّوز/يوليو 2024)، بحضور الرئيس الإيرانيّ المنتخب "مسعود بزشكيان"، على أنّ "نجاح الرئيس المنتخب وتحقيقه التقدّم في مجال العلاقات الدوليّة والاقتصاد والثقافة هو نجاح وانتصار للجميع"، منوّهًا بالحثّ على التعاون بين رئاسة الجمهوريّة ومجلس الشورى.

وبذلك يكون الإمام الخامنئي قد منح دعمه المطلق والمبكّر للاستمرار بنهج السيّد رئيسيّ معوّلًا على كفاءة الرئيس المنتخب -قبيل حسمه حكومته- والتعاون المتبادل بين سائر مؤسّسات الجمهوريّة الإسلاميّة واتجاهاتها المجتمعيّة السياسيّة. راسمًا قاعدة حاسمة: "يجب أن يُسمع صوت واحد من بلدنا من أجل إحباط من يسعى لبثّ الخلاف والنزاع داخله". وفي ملاقاة هذا الخطاب أكّد بزشكيان في لقائه مع أعضاء الجمعية العامة لجبهة الإصلاح الإيرانية، "ليس لدينا الحق في تجاهل حقوق بعض الأشخاص أو الجماعات في البلاد وليس من الممكن القيام بذلك، ولا يمكن السير في هذا الطريق بمفردنا، علينا أن نتكاتف ونحل الخلافات الداخلية، ومن ثم نتواصل مع جيراننا والدول الأخرى، وليس علينا أن ننحني مهما كان المطلوب منا لأن الإنسان الحر لا يقع تحت وطأة القوّة، وإيران هي لكلّ أبناء البلاد وعلينا أن نستخدم قدرات جميع الإيرانيّين".

في مسألة رفع العقوبات، ذكّر "الإمام الخامنئي" مجلس الشورى الإيرانيّ والرئيس المنتخب بضابطة أساسيّة أنّه "بالاستطاعة تحييد العقوبات أو إحباطها بوسائل مشرَّفة؛ وهناك طرق جيّدة لإحباطها. منبّهًا بقوله "قلتُ مرارًا إن رفع العقوبات ليس في أيديكم، فهذا الأمر في يد الطرف الآخر، وإنما عليكم تدبير الحلول".

كانت حكومة السيّد رئيسي قد قدَّمت مشروع قانون بعنوان "مكافحة العقوبات" كآليّة استشاريّة وعملانيّة جديدة. وقد حاز هذا التوجّه على تنويه "الإمام الخامنئي" مؤخّرًا، بقوله: "حضور البرلمان في القضايا السياسيّة والدوليّة مهمّ جدًّا ومن الأمثلة الجيّدة على ذلك قانون العمل الاستراتيجيّ لإلغاء العقوبات". بعد أن ركّزت حملة "بزشكيان" الانتخابيّة على ضرورة التعامل مع الغرب، بما يشمل القضية النوويّة، للحصول على تخفيف العقوبات وتحسين الظروف الاقتصاديّة للبلاد، فضلًا عن تجنّب الحرب الإقليميّة.

وبذلك يكون "الإمام الخامنئي" قد أطلق شرارة العمل الداخليّة بدلًا من اعتمال السجالات المحليّة إثر الانتخابات، ووجّه البوصلة والأولويّات ضمن الإطار العام الحاضن لتكامل المؤسّسات مصوّبًا التباينات إلى منطقة الاعتدال والتوازن.

رسم "بزشكيان" في مقالين نشرهما، منهجيّته في السياسة الخارجيّة، متحدّثًا عن رؤيته تجاه العلاقات الإقليميّة والدوليّة على حد سواء، عبر توسيع التعاون مع الجيران، والحفاظ على توطيد العلاقات معها، والارتقاء بالعلاقات الثنائيّة معها على أساس الاحترام المتبادل للسيادة الوطنيّة ووحدة أراضي الدول"، داعيًا إلى "إنشاء نظام تعاون وأمن جماعي بين الدول المتجاورة على مختلف الأصعدة والمجالات. من خلال الحوار العميق والبنّاء والهادف لتأسيس التعاون مع "تركيا، السعودية، سلطنة عمان، العراق، البحرين، قطر، الكويت، الإمارات والمنظّمات الإقليميّة، بهدف توطيد العلاقات الاقتصاديّة وتعزيز العلاقات التجاريّة والارتقاء بالاستثمارات المشتركة ومواجهة التحدّيات القائمة، والتحرّك نحو تشكيل إطار إقليمي شامل للحوار يتّسم بالكفاءة". وثمّة تقديرات تقول بأنّ الرئيس الإيراني لديه مؤهّلات تتيح له المبادرة لإنشاء"منظمة التعاون لغرب آسيا".

وتبديدًا للأوهام عن أيَّ تغيَّر في السياسة الخارجية لإيران تجاه المقاومة ومحورها، رد "بزشكيان" على رسالتيّ التهنئة لأمين عام حزب الله  السيّد حسن نصر الله، ورئيس المكتب السياسيّ لحركة المقاومة الإسلاميّة-حماس إسماعيل هنيّة، مؤكّدًا بأنّ "نهج الدفاع عن المقاومة متجذّر في السياسات المبدئيّة لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران"، ومشدّدًا على أنّ "طهران مستمرّة في دعمها الشامل للشعب الفلسطينيّ حتى تحقيق جميع أهدافه واسترداد حقوقه وتحرير القدس". وسبق أن أعدّ "بزشكيان" برفقة جمع من البرلمانيّين في العام 2008 مشروع قانون عاجل يُلزم الحكومة بالدعم الشامل لشعب فلسطين. وردًّا على خطاب نتنياهو في الكونغرس الأميركيّ 24 تمّوز/يوليو 2024، غرّد الرئيس الإيراني المنتخب، بأنه لا يمكن تجاهل جريمة قتل الأبرياء والأطفال المشرّدين ولا يمكن تطهير المجرم عبر التصفيق له، والدم البريء لن يترك الظالم.

بمقولة "يجب أن نجعل إيران الدولة الأولى في المنطقة" يستهلّ الرئيس الإيرانيّ "بزشكيان" الدورة الرئاسيّة الرابعة عشر قبيل تنصيبه مع حكومته، مستجيبًا لنداء الإمام الخامنئي. وبين نهج "رئيسي" وكفاءة "بزكشيان وحكومته" وتعاون المؤسّسات وتكاملها تمضي الجمهوريّة الإسلاميّة باقتدار في خارطتها الاستراتيجيّة نحو التقدّم وحلّ المشكّلات ومعالجة التحدّيات ومواجهة مشاريع الهيمنة والاحتلال والعدوان في العالم.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب:

د.عبد الله عيسى

باحث في الاجتماع السياسيّ والشؤون الإيرانيّة




روزنامة المحور