ينظّر المدير التنفيذي لمعهد دراسات الأمن القومي (INSS) الجنرال احتياط تامير هايمان (كان رئيساً لشعبة المخابرات في جيش الاحتلال الإسرائيلي من 2018 إلى 2021)، في هذا المقال الذي نشرته صحيفة "ذا جيروزاليم بوست" الإسرائيلية والذي ترجمه موقع الخنادق، لأهمية تحلّي الكيان المؤقت بـ"الصبر الاستراتيجي" أمام حزب الله. وأنه لا ينبغي لإسرائيل أن تخوض حرباً مع الحزب إلا بعد معالجة إخفاقاتها الحالية، وتثبيت استقرار قيادتها، وتحسين "مكانتها الإقليمية والدولية". مضيفاً بأن على إسرائيل تقييم التحديات وتنفيذ الدروس عند صياغة ردها.
النص المترجم:
على الرغم من الإنجازات الأخيرة، مثل محاولة الاغتيال التي استهدفت القائد العسكري لحركة حماس محمد ضيف، لا تزال إسرائيل تواجه تحديات استراتيجية، ليس فقط في غزة ولكن أيضًا في الشمال حيث لا يزال هناك إجلاء لأكثر من 60 ألف ساكن، وحيث أصبحت الصواريخ حدثًا يوميًا، والاقتصاد في حالة تدهور. ومن أجل التصدي لتهديد حزب الله وتأمين الحدود الشمالية لإسرائيل، فمن الأهمية بمكان أن نفهم سياقات صنع القرار الدولية والمحلية.
إن تحليل الدروس المستفادة من الحرب الحالية في غزة، أمر بالغ الأهمية لتحقيق أهداف إسرائيل في الشمال، مع تقليل الوقت والتكاليف.
وفي السياق الدولي، تتضاءل مكانة إسرائيل الإقليمية وسمعتها العسكرية، مصحوبة بتصاعد عالمي في معاداة السامية وعزلة عالمية متزايدة للدولة اليهودية.
وفي الوقت نفسه، تضغط إيران وحلفاؤها على إسرائيل من خلال حزب الله. وفي حين يظل الدعم التكتيكي الأميركي قوياً، فإن الدعم الدبلوماسي يبدو أقل تأكيداً، وهو ما يعكس التصدعات المحتملة في العلاقات الأميركية الإسرائيلية بالنسبة لأولئك الذين يراقبون من الخطوط الجانبية.
في السياق الداخلي، هناك مؤشرات على وجود أزمة في القيادة داخل إسرائيل؛ التعب بين جنود الاحتياط، وزيادة انعدام الثقة في الحكومة؛ وتآكل الثقة في القيادة العسكرية الإسرائيلية وقدراتها الاستخباراتية، والشعور بتقلص قدرة الردع ــ وكلها قضايا بالغة الأهمية، وخاصة في حالة نشوب حرب شاملة في الشمال.
وفي الوقت نفسه، هناك حاجة ملحة لاستعادة السلامة والحياة الطبيعية لسكان شمال إسرائيل. لذلك، قبل شن حرب واسعة النطاق ضد حزب الله في لبنان، يتعين على إسرائيل تقييم التحديات وأهميتها والدروس الضرورية التي يتعين عليها تنفيذها عند صياغة الرد.
التحديات التي تواجهها إسرائيل
التحدي الأول هو العزلة والقلق من فقدان الدعم الأميركي.
وعلى المستوى الدولي، تواجه إسرائيل أزمة مماثلة للأزمة التي تواجهها روسيا ــ حيث يُنظر إليها باعتبارها المعتدي ــ في حين يُنظر إلى أوكرانيا والفلسطينيين باعتبارهما ضحايا.
ولا يغير هجوم حماس ضد إسرائيل هذه الرواية، وحتى أنصار إسرائيل ينتقدون ردها العسكري "غير المتناسب" ضد حماس، ويدعون إلى إنهاء الحرب.
الأهمية: إن اعتماد إسرائيل على سلاسل التوريد العالمية أمر بالغ الأهمية لاقتصادها ومجهودها الحربي، وقد تؤدي الاضطرابات إلى تعريض كليهما للخطر. إن ضمان استقرار سلاسل التوريد، وخاصة بدعم الولايات المتحدة، أمر حيوي.
وفي حين أن العمليات المحدودة في لبنان قد لا تؤدي إلى إجهاد هذا الترتيب، إلا أن الصراع الموسع سوف يستلزم دعماً مضموناً مقدماً.
التحدي الثاني هو "الإرهاق الاستراتيجي للمعركة". وتواجه إسرائيل ضغط حرب طويلة الأمد بعد اشتباك طويل بالفعل.
إن الصراع مع غزة، والذي تم التخطيط له على أنه حرب طويلة، ينحرف عن العقيدة الأمنية الإسرائيلية المتمثلة في دورات القتال القصيرة. واعتبر هذا ضروريًا لتحقيق الأهداف الطموحة على الرغم من القيود العسكرية.
ولكن على النقيض من الولايات المتحدة، فإن إسرائيل ليست قوة عظمى عالمية، بل هي دولة صغيرة ذات قوات عسكرية احتياطية تشكل أيضاً أهمية بالغة لاقتصادها.
ستتطلب الحرب في لبنان تعبئة جماعية لجنود الاحتياط، مما يؤثر بشدة على الاقتصاد وربما يؤدي إلى أزمة داخل جيش الدفاع الإسرائيلي.
الأهمية: يجب على إسرائيل ضمان انتهاء أي حرب بسرعة، إما باستخدام أقصى قدر من القوة في أقل وقت ممكن مع هجوم مفاجئ، أو من خلال تحديد أهداف حرب متواضعة.
عسكرياً، الخيار الأول هو الأفضل؛ ومن الناحية الدبلوماسية، فإن الخيار الثاني هو الأكثر قابلية للتطبيق. كلاهما لهما عيوب: الحملات المحدودة يمكن أن تتوسع بشكل لا يمكن السيطرة عليه، مما يترك المشاعر العسكرية والعامة مريرة بسبب الفرص الضائعة كما رأينا بعد حرب لبنان الثانية.
وعلى العكس من ذلك، فإن استخدام أقصى قدر من القوة وتحقيق الأهداف الطموحة قد يؤدي إلى سقوط عدد كبير من الضحايا بين المدنيين وإلحاق أضرار جسيمة بالبنية الأساسية، فضلاً عن الاتهامات بالافتقار إلى الشرعية الدولية.
أما التحدي الثالث فهو تحقيق النصر المتزامن على جبهتين. فعقيدة الجيش الإسرائيلي تتمثل في الدفاع عن إسرائيل على جميع الجبهات، مع إعطاء الأولوية لهزيمة أعدائها وفقًا لمستوى التهديد، حيث أن شن حرب على جبهتين يؤدي إلى تقسيم الموارد وهو أمر غير مرغوب فيه. وفي ظل الحرب المستمرة ضد حماس، قد يحتاج جيش الدفاع الإسرائيلي إلى التحرك في الشمال قبل أن ينتهي في غزة، مما يخاطر بالفشل في تحقيق انتصارات حاسمة ويؤدي إلى حروب استنزاف طويلة الأمد على كلا الجبهتين.
الأهمية: لتحقيق نصر حاسم على إحدى الجبهات، يجب على إسرائيل أن توقف القتال على الجبهة الأخرى إما عن طريق تسريع تحقيق نصر حاسم في غزة - ربما من خلال تعبئة احتياطيات إضافية أو استعادة غزة وفرض الأحكام العرفية لهزيمة حماس بشكل حاسم - أو إنهاء حرب غزة، وإعلان كفاية الإنجازات الحالية مع التفاوض على اتفاق لإطلاق سراح الرهائن.
وإذا لم يكن بوسع الحكومة الإسرائيلية أن تختار، فيتعين عليها أن تتجنب شن حرب ضد حزب الله في الشمال. وفي مثل هذه الحالة، فإن حرب الاستنزاف، أقل من الحرب الشاملة، هي أهون الشرين.
يتم خوض الحرب على الجبهتين العسكرية والدبلوماسية.
فيما يتعلق بالحرب في غزة، كان هناك جدل حول ما إذا كان يجب تحديد واقع ما بعد الحرب قبل المناورة البرية. فقد شعر عامة الناس أن الوقت سابق لأوانه، ويبدو أن الحكومة وافقت على ذلك، مع التركيز على تفكيك حماس قبل اتخاذ القرار بشأن نهاية الحرب.
كان هذا خطأ. لقد أضاعت إسرائيل فرصة ذروة نجاحها العسكري (احتلال مدينة غزة) وفشلت في الحصول على ميزة دبلوماسية. والآن أصبح وضعها العسكري أضعف من أن تتمكن من تحقيق إنجاز دبلوماسي بالغ الأهمية.
قبل شن حرب شاملة ضد حزب الله، يتعين على إسرائيل أن تحدد النتيجة النهائية: ما الذي قد يجبر حزب الله على قبول وقف إطلاق النار، وتحت أي ظروف، وما هي الأعمال العسكرية التي قد تحقق هذا الهدف؟
ومن غير الواضح أيضاً ما إذا كانت حرب واسعة النطاق في لبنان ستؤدي إلى شروط وقف إطلاق نار أفضل من تلك التي توسطت فيها فرنسا والولايات المتحدة بالفعل، والتي تشمل إنهاء العمليات العسكرية، وسحب قوات حزب الله لمسافة 10 كيلومترات من الحدود، واستئناف المفاوضات الحدودية بين إسرائيل ولبنان.
وخلافاً للحرب في غزة، لا تستطيع إسرائيل أن تخطط للمرحلة الأولى فحسب وأن تتكيف مع تطورها. فهذا النهج يؤدي إلى قتال طويل الأمد دون تحقيق نصر واضح.
ويتعين على قادة إسرائيل أن يتفقوا على خطة حرب شاملة وينفذوها، ويسمح لهم بالمرونة على أساس الظروف المتغيرة.
القيادة والوحدة هما مفتاحا النجاح: بعد إخفاقات السابع من تشرين الأول/أكتوبر، ألهم التعافي الأولي للقادة العسكريين الإسرائيليين، الوحدة الوطنية والثقة العامة في القيادة. وكان هذا أمراً بالغ الأهمية، حيث يرى أعداء إسرائيل أن الانقسامات الاجتماعية والسياسية هي نقطة الضعف الرئيسية في الدولة.
ومع ذلك، فقد تفككت هذه الوحدة منذ ذلك الحين: فالقيادة العسكرية في أزمة، وانسحب فصيل الوحدة الوطنية من الائتلاف، ولم تعد حكومة الحرب موجودة، والثقة في القيادة السياسية منخفضة، والاحتجاجات آخذة في الارتفاع، وثقة الجمهور في الجيش في تضاؤل.
هل الحرب في لبنان مفيدة؟
ومن غير المرجح أن تؤدي الحرب في لبنان إلى معالجة هذه الانقسامات.
لذلك، قبل شن مثل هذه الحرب، لا بد من إصلاح القيادة العسكرية والسياسية في إسرائيل لاكتساب الشرعية اللازمة لمواجهة هذا التحدي.
وعلى الرغم من الفوائد المحتملة للقضاء على تهديد حزب الله من خلال حرب شاملة، فإن مثل هذا الصراع سيكون له عواقب وقيود كبيرة.
ورغم أن النصر من شأنه أن يضمن الأمن للمجتمعات الشمالية في إسرائيل ويحسن موقعها الاستراتيجي، فإن الفشل من شأنه أن يجعل إسرائيل في وضع أسوأ مما هي عليه اليوم.
ولذلك فإن التوقيت أقل أهمية من ضمان النصر.
ومن دون التعلم من الحرب الدائرة في غزة ومعالجة تحدياتها، فإن إسرائيل تخاطر بالمزيد من تآكل الردع، والأضرار الاقتصادية، والتحول إلى دولة منبوذة، وتوتر العلاقات مع الدول العربية. ولذلك يتعين عليها أن تتحلى بالصبر الاستراتيجي.
سيأتي يوم حزب الله، ولكن ليس الآن.
ولا ينبغي لإسرائيل أن تخوض حرباً مع حزب الله إلا بعد معالجة الإخفاقات الحالية، وتثبيت استقرار قيادتها، وتحسين مكانتها الإقليمية والدولية.
المصدر: جيروزاليم بوست
الكاتب: غرفة التحرير