قبل أن يبدأ التحالف الأمريكي البريطاني بشن غاراته على اليمن في 11 كانون الثاني الماضي في محاولة لكسر الحصار اليمني المفروض على السفن الإسرائيلية أو الذاهبة إلى "إسرائيل"، كانت أهم العقبات التي تقف أمام التحالف الأمريكي البريطاني بتنفيذ ضربات على أهداف داخل الأراضي اليمنية لشل حركة القوات المسلحة اليمنية، تتمثل بغياب المعلومات الاستخباراتية لدى تحالف "حارس الازدهار" حول الأهداف العسكرية التابعة لصنعاء، وهذا ما أكدته صحيفة "فايننشال تايمز" عن مصادرها في بداية مارس المنصرم، حيث قالت :" أن الأميركيين والبريطانيين يفتقرون إلى المعلومات الاستخبارية في حملتهم ضد الحوثيين في البحر الأحمر"، مضيفةً أنه :" ليس لدى الخبراء العسكريين الأميركيين معلومات حول القدرات التي يتمتع بها الحوثيون".
ضعف المعلومات أفشل تحالف "حارس الازدهار"
كانت واشنطن خلال فترة ما قبل العدوان قد أهملت الجانب الاستخباراتي في اليمن إلى حدٍ ما، بسبب انشغالها بملفات وجبهات أخرى وهذا ما أثّر بشكل كبير على أداء عمليات التحالف الأمريكي البريطاني وأوجد مخاوف لديهم من مدى تأثير الضربات على قدرات القوات المسلحة اليمنية التي تطورت بشكل لافت خلال السنوات القليلة الماضية، ووفق "فايننشيال تايمز"، فإنه تم التعبير عن بعض هذه المخاوف علناً في الفترة الأخيرة، إذ قال دان شابيرو، كبير مسؤولي البنتاجون في الشرق الأوسط، خلال جلسة استماع سرية في الكونجرس، في نهاية فبراير الماضي، إنه في حين أن "الجيش الأميركي لديه انطباع جيّد بما حقّقه، إلا أنه يجهل مصدر ترسانة "الحوثيين" قبل بدء الحملة العسكرية في يناير الماضي".
وبحسب تقرير لصحيفة إزفيستيا الروسية للكاتبة كسينيا لوجينوفا في 6 مارس الماضي فإن "مصادر أميركية أعلنت لوسائل إعلام دولية أن سعي الولايات المتحدة لوقف الهجمات من اليمن على الملاحة في البحر الأحمر تعرقله قلة المعلومات الاستخباراتية عن ترسانة "الحوثيين" وكامل قدراتهم العسكرية".
وأضافت لوجينوفا أن "البنتاغون يجهل حجم الضرر الذي ألحقه بـ "الحوثيين" عبر تلك الضربات التي نفذها في اليمن، إذ لم يكن لديه في السابق معلومات تفصيلية عن حجم الترسانة للحوثيين".
وهنا فإن التحالف الأمريكي البريطاني قبل وأثناء تنفيذه ضربات على اليمن ونظراً للفقر المعلوماتي عن طبيعة الأهداف المستهدفة، اتخذ عدة مسارات لتفعيل وتكثيف عمل أدواته التجسسية والاستخباراتية لجمع المعلومات ورصد المواقع والتحركات العسكرية التابعة لقوات صنعاء، وكانت هذه المسارات كالتالي:
الأقمار الصناعية التجسسية
في نهاية شهر أبريل الماضي نشر المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، عدة صور من الأقمار الصناعية لمواقع عسكرية تابعة لصنعاء وعلّق عليها بالقول: "تظهر الصور أن الحوثيين يحفرون وينشئون منشآت عسكرية جديدة وكبيرة تحت الأرض، التي يمكن أن تعزز من حمايتهم في حالة نشوب صراع في المستقبل".
وبحسب تحليل المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية للصور التي نشرها فإن "الصور أظهرت إن "الحوثيين" في الآونة الأخيرة سعوا إلى استخدام منشآت أكبر بكثير، حيث قاموا بتحديث أنظمة أنفاق الجيش اليمني قبل الحرب، وبناء منشآت جديدة تماما تحت الأرض"، ما يعني أن صنعاء اتخذت احتياطاتها خلال السنوات الماضية وعملت على إخفاء كل ما قد تستطيع كشفه الأقمار الصناعية التجسسية، وبالتالي فإن المهمة صارت أكثر صعوبة، إذ أن المواقع الحساسة صارت بعيدة عن الأعين.
الطيران التجسسي
في الأشهر الماضية ـ بعد إعلان صنعاء الدخول في معركة طوفان الأقصى ـ استطاعت الدفاعات الجوية اليمنية أن تسقط 5 طائرات نوع MQ9، آخرها أُسقطت يوم 21 من مايو في محافظة البيضاء وهو ما يعني أن صنعاء استطاعت تحييد الطيران التجسسي الأمريكي بشكل كبير وبالتالي فقدان أمريكا لأهم عيونها التجسسية في اليمن.
الراصدون أو الجواسيس على الأرض
في اليمن فعّلت "أمريكا وإسرائيل" مؤخراً أحد أخطر أذرعها الاستخباراتية "عمار عفاش" ابن أخ الرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح وهو مسؤول سابق في الأمن القومي اليمني ومتهم بعدد من القضايا تتعلق بالاغتيالات والتجسس في اليمن، وقد تم تفعيله مؤخراً لنشر شبكة من الجواسيس المحليين في مناطق سيطرة قوات صنعاء، إلا أن مهمته فشلت بعد أن استطاعت الأجهزة الأمنية والاستخباراتية التابعة لصنعاء بالقبض على عدد من عناصر الشبكة المسماة بقوة "400" وتفكيكها، وهذا النجاح التي حققته صنعاء يأتي في السياق النجاح التكاملي في المعركة التي يخوضها اليمن إسناداً للمقاومة الفلسطينية في غزة.
ومن خلال اعترافات عناصر شبكة "قوة 400" التجسسية، التي نشرها الإعلام الأمني بصنعاء بداية شهر مايو، فإن مهام الشبكة يتمثل بتنفيذ عمليات تخريبية واغتيالات، ورفع إحداثيات مواقع إطلاق الصواريخ والمسيّرات التي تنطلق لضرب السفن الإسرائيلية، وكذلك رصد المواقع والثكنات التابعة لأنصار الله، وكل ما يتعلق بالقوات المسلحة اليمنية وبالخصوص القوات البحرية.
ومن خلال الإحصائية التي أعلنتها الأجهزة الأمنية بصنعاء في مارس 2024، والتي أوضحت فيها إنه تم خلال السنوات الـ 9 من العدوان على اليمن، ضبط ألف و782 خلية تعمل لصالح العدوان، فإن هذا الرقم الكبير يدل على أن صنعاء أصبحت لديها الخبرة الكافية في التعامل مع الخلايا والشبكات التجسسية التابعة لجهات أجنبية.
الخلاصة:
إن نجاح صنعاء في جبهة الاستخبارات وجعل تحالف" حارس الازدهار" في حالة فقر معلوماتي عن كل ما يخص القوات المسلحة اليمنية وفقأ كل الأعين التي تحاول الرصد أو التتبع، أدى إلى فشل هذا التحالف وبنفس الوقت حقق انتصار عريض للقوات المسلحة اليمنية في هذه المعركة.
الكاتب: رضوان العمري