لا تزال حادثة سقوط مروحية الشهيد الرئيس إبراهيم رئيسي تثير جدلاً حول دقّة ما حصل في ذلك اليوم (الاحد 20-5-2024)، سنستعرض في هذا المقال الرواية الكاملة للحادثة التي استشهد فيها الرئيس الإيراني ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان و6 من الوفد المرافق لهما. وهي الرواية الأكثر موثوقيّة والأدق، بالاستناد إلى الهلال الأحمر الإيراني والتلفزيون الإيراني ورواية رئيس مكتب رئيس الجمهورية، غلام حسين إسماعيلي وتقرير هيئة الأركان العامة الإيرانية ومصادر خاصة للخنادق.
الرواية بالتفاصيل
عصر الأحد، قرابة الساعة 1:10 ظهراً بتوقيت طهران، انطلق الموكب الرئاسي الايراني من منطقة سد "قيز قلعة سي" الحدودية مع آذربيجان الى مدينة تبريز، وقرابة الساعة 1:40 أي بعد مرور نصف ساعة على الرحلة وقعت طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم قرب قرية اوزي في نواحي مدينة جلفا الواقعة على الحدود مع أذربيجان. وقال وزير الداخلية أحمد وحيدي للتلفزيون الرسمي: إنّ المروحية نفّذت "هبوطاً صعباً". وعند الساعة 3:30 بتوقيت طهران بدأ التداول في وسائل الإعلام أن هناك حادثاً خطيراً متعلّقاً بموكب الرئاسة.
بداية الرحلة
توجه موكب الرئاسة يوم الأحد 20 أيار عند الساعة 6:00 صباحاً إلى نهر آراس الحدودي مع أذربيجان وغادروا طهران متوجهين إلى تبريز، وصلوا الساعة 8 صباحا الى أطراف قرية "كلالة" التي تبعد عن مدينة تبريز حوالي 160 كم لمعاينة طريق الترانزيت بين إيران وأذربيجان حيث توقف قرابة نصف ساعة استمع فيها الرئيس الإيراني الى تقرير عن ممر آراس، وتحدث مع الناس وأجرى آخر مقابلة له مع التلفزيون الايراني، ومن هناك اي قرابة الساعة 9 توجهوا إلى مكان مشروع السد بطائرات مروحية حيث التقى الرئيس الإيراني مع نظيره الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف في افتتاح سد "قيز قلعة سي" عند وصولهم مباشرةً عند الساعة 10:10 صباحاً.
يقع سد "قيز قلعه سي" على بعد 245 كم شمال شرق مدينة تبريز، وتجدر الإشارة إلى أن الرحلة من تبريز إلى موقع السد لا يمكن عبورها إلا بطائرة مروحية نتيجة عدم وجود مطار مدني اليها، وان المسافة براً تستغرق 4 ساعات وبما ان برنامج الرئيس كان مزدحما بالمواعيد تقرر العودة الى تبريز جواً بطائرات الهليكوبتر حيث تستغرق الرحلة نحو ساعة و15 دقيقة. في هذا السياق، أشار غلام حسين إسماعيلي رئيس مكتب رئيس الجمهورية، الذي كان في إحدى المروحيات الثلاث التي تقل المسؤولين الإيرانيين إلى إن "الطقس كان صافيًا عند انطلاق الرحلة، وتوجّهوا مباشرة نحو مدينة تبريز من مكان السد الذي افتتحوه". في تلك الساعة كانت الأجواء صافية فيما الأرصاد الجوية كان توقعت هطول امطار في عصر ذلك اليوم الأحد
العودة من أذربيجان
غادر موكب الرئاسة منطقة سد "قيز قلعة سي" بعد صلاة الظهر الساعة 13:10 وأكّد إسماعيلي كما أسلفنا أن الطقس كان صافياً وواضحاً. ولفت إسماعيلي إلى أنهم سافروا لمدة نصف ساعة تقريباً في المنطقة المجاورة لمنجم سونغون للنحاس، وأنهم واجهوا كتلة سحاب في الوادي الملاصق للمنطقة.
وذكر أن قاع الوادي كان ضبابياً لكن الطقس كان صافيًا، مضيفًا: "كانت هناك سحب في جزء صغير من هذه المنطقة، لكن من حيث الارتفاع كنّا على نفس مستوى هذه السحب أو حتى أقل قليلاً".
وأوضح أن قائد سرب المروحيات، طيار المروحية التي تقل رئيسي أعطى أمراً للمروحيتين الأخريين بالارتفاع ومتابعة المسير فوق السحب. وقال "ارتفعت المروحيات فوق السحب. كانت طائرتنا المروحية رقم 3، وكانت المروحية التي في المنتصف تقل الرئيس، وكانت هناك مروحية أخرى أمامنا".
وأضاف "وبعد 30 ثانية، أدرك طيارنا أن المروحية الرئيسية (التي تقل رئيسي) ليست معنا. كانت الظروف طبيعية وعادية تماماً ولم يكن هناك أي موقف صعب". ولفت إلى أنه تحدث اهتزازت حتى في بعض الرحلات الجوية، "لكن على هذا المسار كان كل شيء طبيعياً واختفت الغيوم على الفور". وأردف: بعدها كنا في جو لا يوجد فيه غيوم تحتنا، وكان بإمكاننا رؤية خط القمم (الجبلية) تحت أقدامنا، وكان هناك بالقرب منها منجم سونغون للنحاس".
وأوضح إسماعيلي أن قائد المروحية التي كان على متنها عاد للبحث عن المروحية التي تقل الرئيس. وأضاف: "سألت مساعد الطيار لماذا تعودون؟ فقال من الممكن أن إحدى المروحيات لم تأت وأجرت هبوطا اضطرارياً، لأنه مهما حاولنا النداء ينقطع اتصالنا اللاسلكي ولا يتم الرد علينا". ولفت إسماعيلي إلى أن الطيار أخبره أن الاتصال مع تلك المروحية كان قائما قبل دقيقة و30 ثانية.
كان رئيس الجمهورية الإسلامية السيد إبراهيم رئيسي في طريق العودة بالمروحية، برفقة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ومحافظ أذربيجان الشرقية مالك رحمتي وخطيب جمعة تبريز آية الله علي آل هاشم، والوفد المرافق: قائد قوات وحدة الحماية الرئاسية السيد مهدي الموسوي، الطيار الرئيسي العميد الطيار السيد طاهر مصطفوي، مساعد طيار رحلة الرئيس العميد الطيار محسن دريانوش والطاقم الفني العميد بهروز قديمي.
لفت اسماعيلي إلى أنه ومنذ لحظة الإعلان عن انقطاع الاتصال اللاسلكي بطائرة الرئيس، بدأت محاولات للاتصال بالحرس الشخصي للرئيس، ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، وإمام جمعة تبريز ومحافظ تبريز، دون تلقي أي رد منهم.
وتابع بأنهم تمكنوا من إجراء أول اتصال على الهاتف المحمول لطيار مروحية رئيسي الساعة 2:18 دقيقة ( بتوقيت طهران)، لكن بدلاً من الطيار أجاب إمام جمعة مدينة تبريز علي آل هاشم قائلا: "إنني لست بخير، سقطنا في الوادي". وأوضح أنه تحدث إلى آل هاشم وسأله أين هم؟ ليرد الأخير بالقول "لا أعرف.. أنا بين الأشجار". وأفاد أنه سأله عن حال البقية، فأجابه: "لا أرى أحداً وأنا وحدي ولا أعلم ما حدث ولا يوجد أحد حولي".
وأردف إسماعيلي "عند ذلك، اتضح لنا على الفور بأن مروحية السيد رئيسي تعرضت لحادث، وحددنا مهمتنا بشأن الوصول بسرعة إلى موقع الحادث، وبدء عمليات الانقاذ والإغاثة".
كان آية الله علي آل هاشم في هذه الأثناء يتكلّم بصوت خافت ويلفظ أنفاسه الأخيرة قبل استشهاده، بعد أن استشهد الجميع من في الطائرة قبله. وهذا ما أكد عليه إسماعيلي حيث أنه أشار إلى أن الرئيس وشهداء آخرين استشهدوا على الفور في الحادثة، لكن السيد آل هاشم استشهد بعد ساعات قليلة. وكان آخر اتصال معه الساعة 17:16 دقيقة عصراً (بتوقيت طهران).
لفت إسماعيلي إلى أن "الطريق من تبريز إلى أقبند ومن أقبند إلى سد قيز قلاسي وفي طريق العودة، كانت الظروف طبيعية، وفي طريق العودة في الوادي لاحظنا كتلة السحب. وبعد حوالي ساعة من هبوطنا في منجم سونغون للنحاس، كان الطقس مناسباً، ولكن عندما ذهبنا إلى موقع الحادث، تشكلت الغيوم وبدأ هطول الأمطار وانقشع الضباب، ومن الساعة 15:00 فصاعداً، كان الطقس في المنطقة مختلفاً تماماً. وقد كشف تقرير مصور للتلفزيون الايراني أن الطائرة الرئاسية لم تخرج عن المسار المحدد لها.
بعد سقوط الطائرة
سقطت الطائرة في جبال منطقة فارسكان، التي تبعد نحو 49 كيلومترًا عن مكان السد، بدرجة حرارة تقدّر بحوالي 10 إلى 15 تحت الصفر، وبارتفاع 2000 متر عن سطح البحر، كما تجدر الإشارة أن أقصى ارتفاع للطائرة هو 5273 متراً. والمروحية هي من طراز "بيل 212"، متوسطة الحجم ذات شفرتين، ومزودة بمحركين، يمكنها التحليق بمحرك واحد، وهي من صنع شركة "بيل تيكسترون" الأميركية، بدأت الطيران عام 1968، بيعت لإيران قبل الثورة الإسلامية عام 1979، تتمتّع بسرعة 260 كلم/ساعة، وأقصى مدى لها 460 كيلومتراً. أما سعتها فهي 15 مسافراً (قائد طيار و14 شخصاً) بحمولة تصل لـ2268 كيلوغراماً.
عند الساعة 3:30، بالتوقيت المحلي بدأ التداول في وسائل الإعلام الإيرانية أن هناك حدثا خطيرا متعلّقاً بموكب الرئيس، وبدأ معهم التخبّط الإعلامي العالمي وإطلاق سرديات غير موثّقة. قبل ذلك نشطت الاتصالات من القيادة الإيرانية السياسية، ومن الوزراء برئيس الجمهورية ووزير الخارجية من دون تلقي أي إجابة. وعقب هذه التوترات قال السيد الخامنئي في لقاء مطمئناً: "لا ينبغي للشعب الإيراني أن يقلق، فلن يكون هناك أي خلل في عمل البلاد".
وفور الإعلان عن الحادث، انطلقت عملية بحث ماراتونية. وبحسب وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا"، شارك 73 فريقاً في عمليات البحث والإنقاذ، مستخدمين الكلاب المدرّبة والطائرات المسيّرة.
وقد صعّبت تضاريس المنطقة الجبلية عمليات البحث، حيث قال الهلال الأحمر الإيراني إن طبيعة الجغرافيا المليئة بالغابات والظروف الجوية السيئة تبطئ عمليات الإنقاذ. كما كان الضباب الكثيف يحجب الرؤية، حيث كانت تقدّر أقصى مسافة للرؤية أفقيًا بـ 5 أمتار. وجنّدت جمعية الهلال الأحمر الإيراني 40 فريقاً للبحث في الاتجاهات كافة للعثور على المروحية.
الطائرة التركية
لم تطلب إيران المساعدة من دولة معينة كما يروّج في وسائل الإعلام، فبالاستناد إلى إعلان هيئة الأركان العامة للقوات المسلّحة الإيرانية التي وضّحت أن "دول صديقة أعلنت عن استعدادها لتقديم المساعدة ووافقنا على مقترح أقرب دولة وهي تركيا". ومن أبرز الدول التي أعلنت المساعدة هي روسيا والصين، لكن الطائرات الروسية وصلت بعد أن اكتشفت القوات الإيرانية مكان الحادث. في هذا السياق، ادعت واشنطن زيفاً أن إيران طلبت المساعدة منها وهو ما نفته الجمهورية الإسلامية الإيرانية فيما بعد.
بالإضافة إلى ذلك، أعلنت هيئة الأركان، في بيانها، أنّ "الطائرة المسيرة التركية كانت مجهزة بكاميرات استطلاع ليلية وحرارية، لكنها لم تكن مزودة بنظام رصد ما تحت الغيوم، ولذلك لم تتمكن من تحديد موقع سقوط مروحية الرئاسة الإيرانية، حيث استشهد الرئيس الايراني ورفاقه، وفي النهاية عادت الطائرة إلى تركيا". وأضاف البيان أن المسيرات الإيرانية هي من كشفت مكان حطام المروحية" وذلك بين قريتي اوزي وطويل. وقد قشلت الطائرة التركية في مهمتها، وأعلن التلفزيون الإيراني ان الإحداثيات والبيانات والصور التي اعطتها المسيّرة التركية تبين لاحقاً أنها خاطئة.
خاتمة
فجر الإثنين عند الساعة 5 صباحاً، أعلنت السلطات الإيرانيّة العثور على المروحيّة التي كانت تقلّ الرئيس إبراهيم رئيسي. بمساعدة طائرات بدون طيار إيرانية. وأعلنت قيادة الاركان في الجمهورية الإسلامية عن تشكيل لجنة تحقيق بدأت تحقيقاتها فوراً لمعرفة ملابسات الحادثة.
أصدرت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، مساء الخميس (23/5،2024)، تقريراً أولياً عن حادث المروحية، وجاء منسجماً مع الرواية المطروحة فأكدت هيئة الأركان العامة التالي:
- لم يتم ملاحظة آثار الرصاص أو ما شابه ذلك في باقي مكونات المروحية المنكوب.
- نظرا لتعقيد المنطقة والضباب وانخفاض درجة الحرارة امتدت عملية الاستطلاع حتى الليل واستمرت طوال الليل، وفي صباح يوم الاثنين (الساعة 5 صباحا) بمساعدة طائرات بدون طيار (إيرانية) تم تحديد موقع الحادث الدقيق للقوات البرية التي كانت تقوم بعملية استطلاع وموجودة في تلك المرحلة.
- في محادثات برج المراقبة مع طاقم الرحلة لم يتم ملاحظة أي حالات مشبوهة.
بناءً على ذلك، يبدو مرجحاً أن تحطم الطائرة كان سببه الطقس وهي الرواية الأقرب إلى الحقيقة، مع ذلك لا ننفي بشكل كامل فرضية عملية الاغتيال، لكن نعتقد أن احتمال صحتها ضئيل جداً ولا أدلة أو مؤشرات تدل على ذلك.
وعليه، يبقى "عامل الطقس" هو سبب حصول حادثة سقوط الطائرة الرئاسية الإيرانية بنسبة عالية، وأي نظريات أخرى تبقى في خانة فرضيات لا دلائل عملية أو ميدانية يمكن الركون إليها وبحاجة إلى إثباتات بانتظار نتائج لجنة التحقيق.
الكاتب: غرفة التحرير