الثلاثاء 19 آذار , 2024 02:52

الشهيد المبحوح: كسر الحصار عن شمالي غزة فقتلته إسرائيل

اللواء فايق المذبوح

في عملية لا يُمكن وصفها إلا بـ"الجريمة الإرهابية"، قام جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال معركة طوفان الأقصى في الـ 18 من أذار / مارس 2024، باغتيال مدير العمليات المركزية للشرطة الفلسطينية في غزة، الشهيد اللواء فايق المبحوح، بعد 16 ساعة تخللها عملية كوماندوس وحصار واقتحام مجمع الشفاء الطبّي، ليلحق بشقيقه الشهيد القائد محمود المبحوح الذي استشهد بالاغتيال أيضاً بعملية نفذها جهاز الموساد الإسرائيلي في أحد فنادق دبي خلال شهر كانون الثاني / يناير عام 2010.

والشهيد المبحوح "أبو العزّ"، كان هو الهدف الرئيسي من عملية عسكرية إسرائيلية في منطقة شمالي غزة، في سعي إسرائيلي للقضاء على أفراد قوة الشرطة الفلسطينية في القطاع، الذين يأدون دورا رئيسيا في منع وقوع الفوضى الأمنية خلال الحرب، من خلال حراسة قوافل المساعدات الدولية ومنع وقوعها في خطر النهب من قبل العصابات الإجرامية (وهو ما تريده إسرائيل كثيراً). وهذا الدور الذي يؤكّد عليه الجمعيات الإنسانية وحتى المسؤولين الأمريكيين، حيث أنه منذ انسحاب عناصر وقادة الشرطة من عملية تسليم المساعدات خلال شباط / فبراير 2024، بعدما بدأت إسرائيل في استهدافهم، فإن ذلك جعل توصيل المساعدة للعائلات التي تعاني من المجاعة في الشمال، أمراً مستحيلاً.

وفي السياق نفسه، كان الشهيد المبحوح قبل 3 أيام من استشهاده، هو الذي أشرف على صياغة ورعاية اتفاق مع الأمم المتحدة والعشائر وعدد من التجار، لكي يتم السماح بموجبه بدخول شاحنات المساعدات إلى شمالي القطاع، لأول مرة منذ أكثر من 120 يوماً. بحيث استطاع حينها بعد جهد دام أسابيع، من اجتراح آلية آمنة لا تتسبّب بحرج لأيٍّ من الأطراف، وكانت نتيجتها دخول دفعتين من شاحنات البضائع والمساعدات إلى مدينة غزة وشمالها (15 شاحنة مساعدات)، والتي وُزّعت حمولتها على آلاف الأسر، فكسرت حينها لأول مرة من حدّة المجاعة وحالة العوز والغلاء الفاحش، بعد 4 أشهر من تعطيل الاحتلال دخولها.

فما هي أبرز وأهم المحطات في مسيرة وجهاد القائد المبحوح؟

_ من مواليد الـ 18 كانون الأول / ديسمبر 1968، وعاش طفولته في مخيم جباليا بقطاع غزة، الذي هاجر اليه والده عام 1948 من بلدة بيت طيما القريبة من عسقلان.

_ درس المرحلتين الابتدائية والإعدادية في مدارس وكالة الأونروا في غزة، أما المرحلة الثانوية فأكملها في مدرسة الفالوجة بالقطاع.

_ حين بدأت الانتفاضة الأولى كان فايق في المرحلة الثانوية، فشارك في المظاهرات مع طلاب المدارس، وانضم إلى المقاومة الإسلامية حماس في بداية العام 1988 مع بدء تأسيسها. وكان العمل في صفوف الحركة حينها مقسما على لجان مختلفة، منها من تقوم بمهمات مثل كتابة الشعارات على الجدران، والمشاركة في المواجهات مع قوات الاحتلال، سواء بالحجارة أو بالزجاجات الحارقة.

_ في السنة التالية انتظم في مجموعة أمنية تتولى مسؤولية مكافحة العملاء والمشبوهين وتجار المخدرات. وفي العام 1991، انتظم في أول مجموعة عسكرية في كتائب عز الدين القسام التي كان اسمها مجموعة الشهداء. وقد عمل مع الشهيد القائد عماد عقل في كتائب القسام، وشارك في تنفيذ عمليات عسكرية ضد الاحتلال، ومن أشهر العمليات التي نفذها بالتعاون مع الشهيد القائد عقل عملية معبر كارني التي قُتل فيها جنديين إسرائيليين على الأقل من "المسافة صفر".

_في العام 1991 اعتقلت قوات الاحتلال 3 من مقاومي مدينة رام الله كانوا قد عملوا مع الشهيد عماد عقل، وفور علم بقية أعضاء المجموعات بذلك اختفوا عن الأنظار لمدة 18 يوما. وبعد أن هدأت الأجواء عاد المبحوح إلى بيته، لكن قوات الاحتلال باغتته بمداهمة منزله حيث كان وحيدا أعزل، فاعتقلته واقتادته إلى سجن غزة المركزي - "سجن السرايا".

وخلال فترة الاعتقال، تعرض للتحقيق والتعذيب بالضرب والخنق والحرمان من النوم والراحة والإهمال الطبي، ووجهت إليه اتهامات بإطلاق نار على مركز قوات الاحتلال في مخيم جباليا وبملاحقة العملاء. وقد نقل بعد ذلك إلى معتقل النقب، حيث قضى سنتين من المحاكمة والتأجيل إلى أن صدر حكم بسجنه 15 عاما أواخر سنة 1994، فرُحِّل إلى معتقل عسقلان وقضى فيه 3 سنوات، ثم نقل الى معتقل نفحة الذي قضى فيه 7 سنوات، وحبس انفراديا في معتقل إيشيل لمدة شهر ونصف، قبل أن يُنقل إلى معتقل أوهالي كيدار حيث قضى 3 سنوات.

وفي المعتقل التقى بعدد من قادة في المقاومة، كإسماعيل أبو شنب والشيخ صلاح شحادة والدكتور عبد العزيز الرنتيسي والشيخ صالح العاروري ومحيي الدين الشريف وفوزي أبو القرع وإياد البيك ويحيى السنوار وروحي مشتهى وتوفيق أبو نعيم وحسن المقادمة.

وقد أفرج عنه عام 2007 وكان عمره آنذاك 38 عاما تقريبا.

_تزوج بعد خروجه من المعتقل، ورزق بولدين هما عز الدين ومحمود وبنتين هما يارا وجوري.

من جهة أخرى، بعد خروجه من المعتقل التحق بجهاز الشرطة في قطاع غزة (دون أي ارتباط مع كتائب القسام)، وتدرج في المناصب إلى أن رقّي لرتبة لواء، وأصبح القائد العام للشرطة في مدينة غزة، ثم المدير العام للعمليات المركزية في وزارة الداخلية والأمن الوطني بالقطاع.

_ بالرغم من اندلاع المعركة ظلّ يتحرّك ويمارس مهامه بشكل علني، في ضبط الأمن ومكافحة عصابات السرقة المنظمة، كما بذل جهوداً كبيرة لتأمين ساحة العشائر التي اجتمع معها مراراً. وكان آخر منجزاته تشكيل قوة التأمين الأهلية التي تولّت مهمة نقل المساعدات إلى شمالي القطاع، وأيضاً التواصل مع التجار والبحث معهم عن أرضية توافقية تراعي مصالحهم من دون استغلال حاجة الناس وعوزهم.

_ كان لديه حضور أهلي وعشائري متميّز، حيث انتُخب بالإجماع مختاراً لعائلة المبحوح، عقب وفاة شقيقه الأكبر محمد. ويشهد له محيطه الأهلي بعلاقاته المتميزة، واستعداده الدائم لخدمة الناس. لذلك أثار استشهاده حالة من الحزن الشديد في مناطق القطاع كافة.

عملية الاغتيال

قبيل فجر الـ 18 من آذار / مارس 2024، اقتحمت قوات الاحتلال شقته السكنية في عمارة شمس غرب مجمع الشفاء الطبي (تبعد الشقة حوالي 700 متر)، بشكل متزامن مع اقتحام مجمع الشفاء، تحت غطاء ناري كثيف جداً، بمواكبة من عدد كبير من طائرات الـ "كواد كوبتر"، لتحلّق حول المجمع من كل الجهات، قبل أن تندفع عشرات من الدبابات وتضرب حصاراً كاملاً على مربع الشفاء وشارعَي الوحدة والنصر. وعندما لم يجده عناصر الاحتلال في الشقة، انتقموا من أفراد عائلته بطردهم من المنزل، وخرجت زوجته وأطفاله إلى إحدى مدارس اللجوء.

أما خلال محاصرة مجمع الشفاء، فقد طلب من جميع المتواجدين داخله بالخروج لتسليم أنفسهم في ساحة المجمع، وكان الشهيد اللواء بصحبة شقيقه نافذ وإثنين من أبناء شقيقه محمد. فخرج الجميع ورفض أبو العز تسليم نفسه ليشتبك مع قوات الاحتلال بمسدسه الشخصي حتى الشهادة، بعد أن تمكّن من قتل ضابط في جيش الاحتلال وإصابة عدد آخر من الجنود.

وقد شدّد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة في بيان له، أن الاستهداف الإسرائيلي للشهيد "يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأنه يسعى بكل قوة إلى نشر الفوضى في قطاع غزة، وإلى منع تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى مئات آلاف الجوعى في محافظتي غزة والشمال".

من جهتها، اعتبرت حركة حماس في بيانها، أنّ "هذه الجريمة الإرهابية، عبر استهداف الشرطة المدنية المحمية بموجب القانون الدولي الإنساني، هي دليل إضافي على سعي العدو النازي لنشر الفوضى، وضرب السلم المجتمعي في القطاع، وإدامة حالة المجاعة التي يعانيها أهلنا، تنفيذاً لمخطط حرب الإبادة وتهجير شعبنا عن أرضه". مؤكّدةً على مواصلة الشعب الفلسطيني وأجهزته الأمنية "ضرب مخططات العدو الخبيثة، الذي لن يفلح في مسعاه لنشر الفوضى والفلتان في مجتمعنا الصامد المرابط".


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور