في أعقاب الحرب الجارية على قطاع غزة، وفي ظل الخلافات التي تعصف بالأطياف السياسية الإسرائيلية، حدثت نقطة اتفاق نادرة بين المكونات السياسية، وهي تجنيد اليهود من طائفة "الحريديم" مثل بقية المواطنين. ما يكشف الحاجة الملحّة لزيادة عدد الجنود داخل جيش الاحتلال وأثارت أنباء قرب إصدار قرار من المحكمة العليا يقضي بتجنيدهم حالة غضب شديدة بين صفوف "الحريديم"، ووصلت ذروة الغضب إلى أن الحاخام الشرقي الأكبر لإسرائيل، يتسحاق يوسف، هدّد، بمغادرة اليهود المتدينين البلاد إذا أجبروا على أداء الخدمة العسكرية، قائلاً إن تفرّغ طلاب المعاهد الدينية لدراسة التوراة "يمنح الحماية للجيش". في هذا السياق نشرت صحيفة هآرتس مقلاً ترجمه موقع "الخنادق" يتحدّث عن خطاب الحاخام يتسحاق يوسف الذي ينبئ بتصادم داخل المجتمع الإسرائيلي.
النص المترجم للمقال
في جملة، يجسد الحاخام الأكبر غطرسة الحريديم تجاه احتياجات المجتمع الإسرائيلي في زمن الحرب. في السنوات الـ 11 التي شغل فيها يتسحاق يوسف منصب كبير حاخامات السفاردي في إسرائيل، لم يترك أي بصمة على المجتمع الإسرائيلي. لم يصدر أي أحكام تتصف بالشجاعة أو شرع في رحلة لتقريب الجماهير الإسرائيلية من اليهودية.
لا يهم حقاً من هو الحاخام الرئيسي. إنه يجسّد أحد أكثر الأدوار غير الضرورية في إسرائيل. لا يستخدم اليهود العلمانيون حاخاماً رئيسياً، بينما لدى المتدينين حاخامات خاصون بهم. لكن الآن، في نهاية فترة ولايته، دخل يتسحاق يوسف أخيراً التاريخ الإسرائيلي. في خطبته الأسبوعية في كنيس يزديم بالقدس (منصب آخر ورثه عن والده) ليلة السبت، دخل يوسف في الجدل حول إعفاء طلاب المدرسة الدينية 66000 من الخدمة العسكرية.
وقال "إذا أجبرونا على الذهاب إلى الجيش، فسنذهب جميعاً إلى الخارج". في جملة واحدة، لخص تماماً الغطرسة الحريدية وبلادتهم تجاه احتياجات ومشاعر مجتمع بأكمله في زمن الحرب، وانفصالهم عن الواقع وتشويههم لقيمة دراسة التوراة.
لأسابيع حتى الآن، امتنع السياسيون الأرثوذكس المتشددون عن إجراء مقابلات. إنهم يعرفون على الأقل أنه لا توجد طريقة يمكنهم من خلالها شرح رفضهم المطلق في وسائل الإعلام الإسرائيلية العامة لتأييد تجنيد الشباب الحريديم في جيش الدفاع الإسرائيلي. وبدلاً من ذلك، يفضّلون تقليل مكانتهم ويأملون أن يجد شريكهم السياسي، بنيامين نتنياهو، طريقة لحل هذا الأمر.
الرد الغريزي لمعظم الإسرائيليين على أقلية تعيش خارج ضرائبهم، وترفض تقاسم العبء الأمني ثم تهدد بمغادرة البلاد هو حجز رحلات جوية لهم إلى أي وجهة يختارونها. ولكن الآن بعد أن قال يوسف ذلك، ليس أمام السياسيين الحريديين خيار سوى قول "آمين" والتكتم أكثر في رفضهم...
خطبة الحاخام يوسف دفنت أي بصيص أمل في التوصل إلى حل وسط في المستقبل المنظور. لقد وضع "شاس" البراغماتي نسبياً جنباً إلى جنب مع الأكثر تطرفاً في الأشكناز، ودفع غانتس وغالانت نحو المطالب العلمانية المتشددة بتجنيد كل شاب.
لن يكون يوسف على دراية بالمصطلح، لكنه يلعب لعبة محصلتها صفر. تهديده فارغ. نحن لسنا على وشك رؤية الآلاف من طلاب المدرسة الدينية يغادرون إسرائيل. الجاليات الحريدية في الخارج ليست على وشك الترحيب بهم. يعمل معظم الرجال الأرثوذكس المتطرفين خارج إسرائيل من أجل لقمة العيش وقضت أقلية صغيرة فقط من العباقرة حياتهم في الدراسة. كما كانت العادة دائماً في المجتمعات اليهودية.
يتسحاق يوسف ليس مخطئاً. إنه نتاج مجتمع حريدي ما بعد الهولوكوست، ويفتقر إلى المنظور التاريخي والفهم لإدراك ذلك عندما يقول "الجنود ينجحون فقط بفضل أولئك الذين يدرسون التوراة"، ربما كان يردد الأقوال اليهودية القديمة - لكن لم يتم اعتبارها أبداً على أنها تعني أن الطلاب معفون من واجباتهم تجاه المجتمع اليهودي الأوسع.
ظهر هذا الفهم المشوه للقيمة التقليدية لدراسة التوراة إلى الوجود فقط خلال السنوات 70 الماضية بسبب العزلة الذاتية للحريديين، والسياسيين الإسرائيليين العلمانيين الذين كانوا مستعدين للسماح بالإعفاءات وحتى تمويل المدارس الدينية كجزء من اتفاقيات الائتلاف الحاكمة قصيرة المدى. لكن في أعقاب 7 أكتوبر، مع مواجهة إسرائيل حقائق جديدة، لم يعد هذا الوضع قائماً.
قد يكون الحاخام يوسف حاخاماً رئيسياً لإسرائيل، لكن معرفته بالواقع الذي يعيشه معظم الإسرائيليين الآن ضئيلة مثل فهمه للتاريخ اليهودي. ستُذكر خطبته ليلة السبت كنقطة ضعف في قصة المجتمع الحريدي؛ لحظة وضع فيها حاخاماتها ضيقو الأفق أتباعهم على مسار تصادمي مع بقية إسرائيل.
المصدر: هآرتس
الكاتب: Anshel Pfeffer