مع كل معركة جديدة تشهدها المنطقة يظهر جليًّا ان كيان الاحتلال لم يقاتل يومًا فقط بجيش منظم مجهّز بأحدث التقنيات العسكرية، بل دائمًا ما كان يطوّع كل الأساليب التي من شأنها خدمة مشروعه الاستعماري، ولم يكن الإعلام مرة هو آخر الحلول التي يلجأ إليها، بل هو من أوائل الأسلحة التي اعتمدها لتقديم صورته إلى العالم، على أنه "صاحب الأرض" وله الحق بالعودة إليها.
"لقد أقام الإعلام دولتنا على الخريطة، واستطاع أن يتحرك للحصول على شرعيتها الدولية، وتكريس جدارة وجودها، قبل أن تصبح حقيقة واقعة على الأرض". هكذا لخّص ديفيد بن غوريون -أول رئيس وزراء لكيان الاحتلال- أهمية "تجنيد" الإعلام والدعاية، في "تصدير" القضية الفلسطينية إلى العالم كما ترسمها أجهزة الموساد والأذرع الأمنية والسياسية في الغرف المظلمة، والترويج للإيديولوجية الصهيونية كما خُطط لها مع بدايات القرن الثامن عشر إلى اليوم.
سخّرت "إسرائيل" الإمكانيات جميعها للتخلص من العزلة التي فرضتها عليها شعوب المنطقة الرافضة لفكرة وجودها أساسًا، عبر إنشاء قنوات رقمية ناطقة باللغة العربية، في محاولة لاختراق المجتمع العربي و"إخراج صورتها" بطريقة أكثر "إنسانية" بعدما أثبتت المجازر وعمليات التهجير والتهويد التي ارتكبتها عكس ذلك.
ولعل أبرز الناشطين في هذا المجال الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي الذي يدّعي انفتاح كيان الاحتلال على الديانات السماوية تحديدًا الإسلامية في كل مناسبة، مثل معايدة المسلمين في عيدي الفطر والأضحى، ومعايدة المسيحيين بميلاد المسيح، إضافة لاستغلال بعض الآيات والأحاديث وتحريفها، واستخدام الكلم في غير مواضعه، حتى يكون كلام حق يراد به باطل كاستخدامه لعبارة "لم يستوصوا بنا خيرًا يا رسول الله" مع بداية أحداث معركة "سيف القدس"، في محاولة استجداء العاطفة.
الشيفرة الإسرائيلية
تعتمد الماكينة الإعلامية لجيش الاحتلال على العديد من الأساليب "لإنتاج صورتها النمطية" وتقديمها للداخل الإسرائيلي من جهة، وللرأي العام العربي والعالمي من جهة أخرى. نعرّج على ذكر بعض الأساليب:
- التضخيم الإعلامي: وظهر ذلك جليًّا في المعركة الأخيرة مع قطاع غزة، فبعد ان أعلن جيش الاحتلال عن نيته تنفيذ عمليات توغل بري، ليتبين لاحقًا انها كانت مجرد ادعاءات كاذبة نتيجة عجزه الفعلي عن القيام بها، والأمر نفسه بالنسبة للقبة الحديدية.
- تشويه الحقائق: عبر إظهار حادث معين مفتعل لتسويقه للرأي العام وتغييب أحداث أخرى واستبعادها عن المشهد الإعلامي، كإخفاء الاعتداءات المتكررة لشرطة الاحتلال على المتطرفين اليهود "الحريديم"، مقابل تغطية إعلامية مكثفة لأي "إنجاز" علمي حتى لو لم يكن كذلك.
- كي الوعي: يقول الباحث الإسرائيلي "يزهار بئير": "قدرة وسائل الإعلام على تشكيل وعي زائف لا تتطلب الكذب بالضرورة، بل يمكن تحقيق النتائج أيضاً عن طريق حجب معلومات وتشجيع الجهل، لأن الجهل لا يقل غائيّة عن الوعي"، وقد أتقنت الآلة الإعلامية الإسرائيلية لهذا النوع من التضليل.
- نماذج عن استخدام مصطلحات خاصة:
المصطلح الفلسطيني |
المصطلح العبري |
الضفة الغربية المحتلة |
يهودا والسامرة |
تل الربيع |
تل أبيب |
الفدائيون الفلسطينيون |
المخربون والإرهابيون |
الشعب الفلسطيني |
فلسطينيون |
المستوطنون |
السكان الإسرائيليون |
المستوطنات/ القرى المحتلة |
البلدات الإسرائيلية |
سلطات الاحتلال |
الإدارة المدنية |
تجريف الأراضي الزراعية |
أعمال هندسية ذات طابع أمني |
وزير الحرب |
وزير الدفاع |
عمليات التوغل واقتحام المدن الفلسطينية |
العمليات الوقائية |
تصفية واغتيال الفلسطينيين |
عمليات إحباط موضعية |
ويتم اختيار هذه المصطلحات بشكل انتقائي ممنهج، وإيرادها بشكل متكرر وثابت، بهدف طمس الهوية الفلسطينية، واختيار هذه المفردات لا يقوم على قاعدة إعلامية صحفية فحسب، بل هي في عمقها إيديولوجية وعقائدية، ففي بعض الأحيان لن يكن بمقدورك التمييز بين المراسل ناطقًا بلسان "الحكومة الإسرائيلية"، أو الناطق بلسان "الحكومة الإسرائيلية" هو المراسل.
الصورة النمطية التي تقدمها "إسرائيل" للرأي العام
نستعرض بعض النماذج
-المجموعات اليهودية هي أمة واحدة، من حقها لم شملها وضمهم في "دولة إسرائيل".
-"إسرائيل" تحاول دائمًا الحفاظ على أمنها، وهي كل ما تقوم به في إطار الدفاع عن النفس، وبالتالي فهي ليست دولة معتدية، وقد حاولت ترجمت ذلك من خلال تسمية معركتها الأخيرة بـ"حارس الأسوار"، إضافة لادعاءاتها بأن المواجهات التي تحصل بين المقدسيين وقوات الاحتلال او المستوطنين هي نتيجة الخطاب التحريضي عقب خطبة الجمعة.
-هي واحة للديمقراطية الغربية في وسط المنطقة العربية المتقلِّبة.
- تحاول دائمًا التذكير بالإبادة النازية لليهود لابتزاز الدول الغربية، وتبرير عملية تشريد واقتلاع الفلسطينيين من بلادهم.
"لن أسامح الفلسطينيين؛ لأنهم يجبرون جنودنا على قتلهم"، يمكن القول ان هذا التصريح لرئيسة وزراء كيان الاحتلال غولدا مائير يختصر عمل الماكينة الإعلامية الإسرائيلية التي لطالما لعبت دور الضحية، واخرجته بطريقة تراجيدية متقنة استطاعت من خلاله تقديم سرديّة معينة للمجتمع الغربي على وجه الخصوص، جعلته يرزح تحت التضليل لعقود. غير انه ومع الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة، أدرك كيان الاحتلال ان خساراته لم تعد تقتصر على أرض الميدان، بل بات هناك "جيش إلكتروني" استطاع تغيير هذه السردية وتقديم الحقيقة للشعوب الغربية والتي استجابت لنصرة الشعب الفلسطيني على غير صعيد.
الكاتب: غرفة التحرير