مع اقتراب نهاية عام 2023، سنلقي نظرة على أهم المحطات واللحظات التي جذبت انتباه العالم، حيث شهد هذا العام مجموعة من الأحداث الهامة، تخللها تجدد لأعنف الصراعات المسلحة في المنطقة. والصدارة كانت لعملية طوفان الأقصى حيث أطلقت المقاومة الفلسطينية عمليتها في 7 أكتوبر الماضي، وذلك في حدث تاريخي غير مسبوق شمل هجوماً برياً وبحرياً وجوياً وتسللاً للمقاومين إلى عدة مستوطنات في غلاف غزة. تداعيات هذا الحدث البطولي الذي هزّ العالم سيترك تأثيره على عام 2024 وعلى القضية الفلسطينية، والصراع العربي الإسرائيلي بشكل عام. ومثّلت هذه العملية بداية العدوان الإسرائيلي على غزة والأحداث التراجيدية التي لا تزال مستمرة منذ حوالي 3 أشهر، والتي تخبرنا عن مأساة الإنسان الفلسطيني، 80% منهم بين شهيد وجريح ومفقود ومهجّر، أكثر من 20 ألف شهيد، جرّاء الدمويّة الإسرائيلية بدعم مفتوح من الأميركي والأوروبي لإسرائيل عسكرياً وسياسياً وإعلامياً.
تمرد السودان
أما الصراع الثاني فهو تمرد ميليشيات قوات الدعم السريع على الجيش السوداني، في محاولة للسيطرة على الحكم وثروات السودان، وبين لعبة الاستيلاء على السلطة بالقوة وصلت أعداد الضحايا إلى 12 ألف قتيل في بداية شهر ديسمبر، ناهيك عن حوادث الاختطاف والاغتصاب والتعذيب. في هذا السياق تقول الأمم المتحدة إن القتال الذي وصفته بـ "الوحشي" تسبب بكارثة، إذ نزح ما يزيد عن 5.6 مليون شخص من منازلهم، وأصبح نحو 25 مليون شخص بحاجة للمعونة، وأكثر من 4.2 مليون إمرأة وفتاة معرضة "لخطر العنف القائم على نوع الجنس". كما أن واحداً من كل ثلاثة أطفال لا تتاح له فرصة الذهاب إلى المدرسة.
لكن ليست هذه جميع الصراعات التي حدثت هذا العام، 2023 كانت شاهداً على صراعات عديدة منها ما بدأ أو تجدد خلالها، صراعات عسكرية واقتصادية وسياسية على المستوى الإقليمي كجبهات العراق وسوريا وكردستان الحدودية واليمن وليبيا، وحركات الانفصال في المغرب والجزائر، وصراعات وتوترات تجمدت كالاتفاق السعودي الإيراني. أما على المستوى العالمي حيث غطت النزاعات أربع قارات رئيسية من أصل 6 قارات مأهولة بالسكان، وكأننا في عصور ما قبل التاريخ. ذلك من أجل السيطرة على الموارد والتجارة وتوسيع النفوذ الاقتصادي والجيوسياسي...يبدو العالم كأنه يعود إلى الخلف، مع اختلاف الأدوات واللاعبين، لكن بتشابه في عدد الضحايا من البشر بين قتلى ومهجّرين.
في هذا الصدد رصدت أكاديمية جينيف لحقوق الإنسان الدولي 110 بؤر نزاع مسلح في العالم، أغلبها في الشرق الأوسط وشمال افريقيا. في حين قدّرت "المفوضية الإنسانية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" المهاجرين قسراً بسبب النزاعات في العالم بحوالي 110 مليون مهجّر، وذلك في منتصف عام 2023، مستثنية حرب غزة والنزاع في السودان. وإذا أردنا إضافة الصراعين الأعنف هذا العام فيقدّر العدد ب مليوني نازح في غزة و5.6 مليون في السودان، وبمقارنة بسيطة فإن عدد المهاجرين قسرياً في العالم هذا العام يصل تقريباً إلى ضعف عدد الأوروبيين النازحين خلال الحرب العالمية الثانية الذي يبلغ عددهم 65 مليون نازح.
نزاع دول غرب أفريقيا وروسيا
شهد النيجر والغابون انقلابات عسكرية في عام 2023، دول افريقيا الغربية المليئة بالثروات الطبيعة وأبرزها اليورانيوم، المعدن الأهم في انتاج السلاح والطاقة النووية، هذه الدول وبسبب ثروتها كانت منطقة نفوذ فرنسي لعشرات السنين وجذبت القوى الدولية للتنافس عليها وشهدت تمدداً لتنظيم داعش الإرهابي فيها بالإضافة إلى انتشار لقوات فاغنر على أراضيها. والسؤال الذي يطرح هنا: هل إنهاء النفوذ الفرنسي هو لصالح التحرر الوطني أو حلقة جديدة في استبدال النفوذ الغربي بالنفوذ الروسي من خلال قوات فاغنر؟ ربما عام 2024 سيحمل الإجابة.
وبالحديث عن فاغنر سننتقل إلى واحد من أخطر الصراعات بعد الحرب العالمية الثانية، الصراع الذي بدأ في شباط 2022 ولا يزال مستمراً في عام 2023، الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بين العدو التقليدي لأميركا ضد واحد من حلفائها وبوابتها لحلف الناتو، تسبب هذا الصراع في مقتل أكثر من 10 آلاف مدني، ونزوح أكثر من 6 مليون مواطن أوكراني، صراع كان من المتوقع أن يكون عملية عسكرية محدودة وسريعة لكن تحول إلى حرب واسعة بين روسيا والكتلة الغربية. لكن الحدث الأخطر هذا العام كان محاولة انقلاب فاغنر الفاشلة في حزيران الفائت، والذي استولى فيها بريغوجين فاغنر على قيادة المنطقة الجنوبية للجيش الروسي في محاولة انقلاب انتهت بعد ساعات، وبعدها قُتل بريغوجين عندما سقطت طائرته الخاصة من السماء فوق روسيا والتي اتهم الرئيس بوتين بالتورط فيها. في هذا الصدد، الأكيد أن عام 2024 سيشهد تطورات في المشهد الروسي الأوكراني المعقّد، وقد يفتح باب تسوية الصراع.
الكوارث الطبيعية
كان للطبيعة حيز كبير من الحوادث المأساوية، بعد الزلازل القوية التي ضربت سوريا وتركيا والمغرب وأعقبها فيضانات مدينة درنة الليبية والتي أدت الى مقتل الآلاف.
- ضحايا زلزالي تركيا وسوريا: في الساعات الأولى للسادس من فبراير/شباط 2023، ضرب زلزال مدمر أجزاءً من الأراضي التركية والسورية في المنطقة الواقعة قرب الحدود بين البلدين بقوة 7.8 درجة على مقياس ريختر، أعقبه زلزال مدمر آخر يعادل القوة نفسها تقريباً. تقول الأمم المتحدة إن الزلزالين تسببا بواحدة من أكبر الكوارث التي عصفت بالمنطقة مؤخراً.
وتسبب الزلزالان، أو ما يعرف بـ "زلزال قهرمان مرعش"، بمقتل نحو 55,000 شخص، وإصابة أكثر من 100,000. أما في سوريا، التي تعاني أيضاً من آثار الحرب الدائرة فيها منذ عام 2011، فقد تسبب الزلزال بنزوح 392 ألف عائلة نتيجة دمار المباني.
- فيضانات ليبيا: بعد أيام قليلة من الزلزال الذي ضرب المغرب، عصف إعصار دانيال بالسواحل الشرقية لليبيا في 11 سبتمبر/ أيلول الماضي، وهو ما أدى لإغراق أحياء كاملة ومقتل وفقدان الآلاف. تقول أرقام الأمم المتحدة إن 4,333 شخصاً على الأقل لقوا حتفهم بسبب الإعصار وما تبعه من فيضانات وسيول، ناهيك عن فقدان أثر 8500 شخص. كما نزح نحو 43 ألفاً، وفق وكالة الأمم المتحدة للهجرة. وقال مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إن العاصفة دانيال التي ضربت ليبيا "هي تذكير قاس آخر بالتأثير الكارثي الذي يمكن أن يحدثه تغير المناخ في عالمنا".
يلملم العام 2023 أوراقه استعداداً للرحيل، تاركاً خلفه العديد من الأحداث الدموية والدمار والتهجير القسري، لم يستطع الإنسان فيها السيطرة على الطبيعة ولا السيطرة على نفسه، في رحلته لبسط نفوذه وإشباع رغباته وأطماعه وسيطرته على الموارد. كان العام مؤشراً لسقوط "أسطورة إسرائيل" والقوى الداعمة لها وأظهر ازدواجية المعايير الغربية في التعامل مع الصراعات، وانحدارها القيمي والأخلاقي، وتراجعت الإنسانية أشواطاً مع كل صرخة طفل فلسطيني. الإنسان في هذا العام ليس أكثر تحضراً وإنسانية من القرون السابقة والضحايا التي سقطت في سنة واحدة تشهد أنه أكثر دموية ووحشية لكن بزي أكثر أناقة.