مع كلّ تصعيد أو تسخين على الجبهات التي تُعنى بها الولايات المتحدة، تعمد الإدارة الأمريكية إلى تحريك الوكلاء والحلفاء، على مستوى التنظيمات وجماعات الضغط داخل الدول، وعلى مستوى الأنظمة على حدّ سواء. الجهود الدبلوماسية التي تقوم بها الإدارة الأمريكية لمنع تدخل محور المقاومة في التصعيد الحاصل في المنطقة بسبب الحرب على غزة، كانت واضحة من خلال حركة الدبلوماسيين، والوفود الدولية التي أوكل إليها مهمات رسائل الضغط حينًا والتهديد طورًا. لكن ثمة مهمات ميدانية أصبحت تقليدية لدى أي اشتباك. إذ يتم تحريك عمليات أمنية ميدانية لتوصيل الرسائل أيضًا، وهو ما حصل في المواجهة الأخيرة بين الأكراد حلفاء الولايات المتحدة وإسرائيل، وبين الجيش العراقي الذي تبنّت حكومته موقفًا مؤيدًا للقضية الفلسطينية في القمة العربية في مصر، وشهد ميدانه تحرّكًا ضدّ القوات الأمريكية في العراق على مستوى الفصائل المنضوية تحت عباءة محور المقاومة.
أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن عن سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى تعزيز الوجود العسكري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ردًا على الإسناد الميداني في عدد من ساحات المحور، ما أُعلن منها هو إعادة توجيه الأصول البحرية إلى مسؤولية القيادة المركزية، ونشر أنظمة الدفاع الصاروخي ثاد في مواقع مختلفة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ووضع عدد غير محدد تحت أوامر الاستعداد للانتشار. لكن ما لم يتمّ إعلانه، هو ما اعتدنا مشاهدته لدى كل استحقاق، مثل تحريك الاحتجاجات الملونة في العراق وإيران وسوريا وإذا أمكن لبنان، وتصعيد للقوات المسلحة الموالية والمدعومة من الولايات المتحدة في العراق وسوريا، والتفاصيل هي التي تكشف. في قضية اشتباكات الأكراد مع الجيش العراقي، كان مقاتلو حزب العمال الكردستاني قد أخلوا مواقع بالقرب من بلدة مخمور يوم السبت وسلموها للجيش العراقي لاعتبار تراجع تهديد داعش، لكنهم حاولوا استعادة المواقع يوم الأحد، مما أدى إلى اندلاع الاشتباكات. ومن المتوقع أن نشهد المزيد من الاشتباكات المماثلة في العراق وسوريا وهي أماكن تواجد القوات الأمريكية، في حال استمرار التصعيد في غزة.
لدى الولايات المتحدة أيضًا ورقة من حديد لا بدّ أن تستثمرها، وهي الأنظمة العربية التابعة لها في وجه الشعوب. في باكورة جهودها الدبلوماسية، تحرّك وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في محطات شملت إسرائيل والسعودية والإمارات والأردن ومصر والبحرين. اقترحت الولايات المتحدة حلّ المسألة بإحياء طرح تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، وحاولت الضغط على مصر حينًا وإغرائها أحيانًا. حتى أنها حاولت الضغط عليها من قبل أنظمة عربية أخرى لديها استثمارات اقتصادية في مصر مثل قطر والإمارات، إلا أنّ مصر التي تخاف من أن تتحوّل سيناء إلى منطقة مشتعلة أمنيًا، ترى أن التهديدات والعقوبات الأمريكية أخفّ وطأةً من الانفجارات الأمنية المتكررة. ثمة اقتراحٌ آخر وهو أيضًا خطة قديمة لتطويق حماس، وهي عبارة عن قوات فصل أردنية ومصرية وتركية على الحدود مع غلاف غزة. وهكذا لا تنفكّ الأنظمة العربية الأكثر نفوذًا (مصر السعودية الإمارات)، والتي تشارك القيادة المركزية للولايات المتحدة في غرفة العمليات العسكرية لقيادة الحرب على غزة، لا ينفكون مرة أخرى أن يكونوا حراس لإسرائيل في وجه المقاومة الفلسطينية.
تسير واشنطن على حافة السكين وهي تؤكد دعمها لـ "إسرائيل" في محاولة القضاء على حماس، لكنها تحاول أيضًا التخفيف من أسوأ رد فعل للتصعيد، بينما تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة في تجنب وضعٍ قد يجبرها على الانغماس مرة أخرى في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من كل الجهوزية التي تحاول الولايات المتحدة أن تتخذها في المنطقة تحسّبًا من اشتعالها، لا يعني هذا أنّ الحرب الكبرى على الأبواب، ذلك أنّ سابقة حصلت في التاريخ، عندما استمرّت الولايات المتحدة في أعلى جهوزيتها تحسبًا لحرب محتملة مع روسيا، إلا أنها بعد أكثر من 50 عامًا انتهت بعدم اندلاع حرب، فيما سميّ بسنوات الحرب الباردة بين القوتين.
الكاتب: زينب عقيل