بكلمات شاعريّة هي أقرب ما يكون لخطاب انتخابي، حضر الرئيس الأميركي إلى كيان الاحتلال. ومستعيناً بالشاعر الإيرلندي، ويليام بتلر ييتس، عبّر عن مدى التضامن العميق. كان لدى بايدن الكثير ليقوله. فالصدمة الإسرائيلية قابلة لاستيعاب قدر هائل من المشورة والدعم والكلام الذي لم يقل بعد كالهدف من العملية البرية المزمعة وتفاصيل المرحلة المقبلة. اذ ان العقل الإسرائيلي الذي يقرأ الواقع بمقاربة انتقامية ترتكز على العامل العسكري فقط، غير قادر على إدارة تقديم رؤية سياسية واضحة لما هو آت، وهو بالضبط ما جاء بايدن لتقديمه.
تلخص صحيفة هآرتس العبرية دوافع زيارة بايدن، كأول رئيس أميركي يأتي "لإسرائيل" خلال الحرب، بأن "هنالك شيئاً أكثر أهمية بكثير من مجرد البحث عن حليف: خيبة الأمل وفقدان الثقة في القيادة الإسرائيلية".
يرتكز خطاب بايدن على 3 مسارات. الأول، تقديم الدعم المعنوي للجناحين السياسي والعسكري من جهة، وللمستوطنين الذين شهدوا على الفشل الذريع وفقدوا الثقة بقيادتهم. ثانياً تبني الرواية الاعلامية الاسرائيلية لما جرى منذ اليوم الأول لعملية "طوفان الأقصى". ولذلك، عرّج على استهداف مستشفى المعمداني دون اجراء أي تحقيق في الأمر. وذلك لحشد الرأي العام العالمي ضد المقاومة الفلسطينية باستخدامه صفته الرسمية كرئيس الولايات المتحدة وبالتالي تضليل الشعوب الغربية على وجه التحديد. ثالثاً، إعطاء الضوء الأخضر لارتكاب مزيد من المجازر وتبرير الأفعال الإسرائيلية أمام المجتمع الدولي، مستخدماً اللغة الدينية والتعبئة. وكان من اللافت، التركيز على إظهار قلقه لعائلات الأسرى الأميركيين. وذلك لاستثمار هذا الأمر بالداخل الأميركي على أبواب الانتخابات الرئاسية.
وتأتي أهداف الزيارة على غير صعيد. يبدو أن الولايات المتحدة قد خلصت إلى أنها بحاجة إلى الإشراف عن كثب على الأحداث. ظاهرياً، تتمثل المصلحة الرئيسية الأميركية في عدم توسع دائرة الصراع وامتدادها لجبهات عدة. وتحقيقاً لهذه الغاية، تشعر أنها بحاجة إلى كبح جماح إسرائيل، بالتزامن مع استمراها في تقديم الدعم. وقد حذر بايدن عدة مرات من أن العملية البرية المطولة في غزة، وإعادة احتلال القطاع، سيكون لها تداعيات وخيمة ومن شأنها أن يتردد صداها في كل من المنطقة، ولن يقتصر الأمر على الكيان.
ثانياً، إظهار لعدم الثقة في عملية صنع القرار في إسرائيل والقلق من عدم وجود استراتيجية واضحة أو استراتيجية للخروج من المأزق. الأمريكيون يبررون انتقاماً إسرائيلياً شرساً. اذ يرونه امراً متعلقاً باستعادة الردع المتضائل. يأتي هذا في وقت كان الخلاف بين كل من بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أوجه.
الأمر الأسوأ من كل ما ذكر، اليقين الأميركي بعدم قدرة "إسرائيل" في "الدفاع عن نفسها" خاصة على جبهتين احداها حزب الله.
كانت هذه المرة الأولى التي يشارك وزير الخارجية الاميركي في اجتماع لمجلس الوزراء الإسرائيلي لعدة ساعات. حتى في عام 1973، أطلع وزير الخارجية آنذاك هنري كيسنجر حكومة غولدا مائير، بأنه سيحضر، لكنه لم يفعلها.
اللافت، أن بايدن الذي حشد مختلف الأحداث في خطابه، من اتهام فصائل المقاومة في استهداف مستشفى المعمداني، إلى دعم إسرائيل في حربها، و"المساعدات الإنسانية" والاسلاموفوبيا وغيرها، لم يأت "قصداً" عن ذكر وقف إطلاق النار. هذا التفصيل الغائب عن الخطاب يحمل دلالاته أيضاً. فواشنطن التي تحشد المساعدات لدعم كيان الاحتلال، تقف حذرة أمام أي تطور قد يدحرج كرة النار التي ستطال القواعد الأميركية في المنطقة أولاً.