عكست عناوين الأخبار وافتتاحية الصحف حجم السطوة التي يفرضها الغرب على الرأي العام العالمي. حيث اضطرت صحيفة نيويورك تايمز إلى تعديل الخبر الذي نشرته عن استهداف مستشفى المعمداني 3 مرات، صاغته أخيراً بحذف مرتكبها "إسرائيل". مسار الكراهية الآخذ بالارتفاع كلما زاد عدد الجرائم الإسرائيلية، يتسق تماماً مع الحراك السياسي للدول الغربية، التي وصل الأمر ببعضها إلى اتخاذ قرارات بسحب الجنسية من أي مؤيد لفلسطين، كألمانيا.
كانت الجريمة التي ارتكبها كيان الاحتلال أعظم من أن تتم مداراتها ببيان تأييد عابر. لذلك، حشدت الولايات المتحدة عدداً من الدول الغربية لقلب الحقيقة وهندسة رواية تناسب الجهد المبذول لتبرئة "إسرائيل". التي لم توفر هي الأخرى جهداً في قمع أي من يدلي برأيه. حيث
أعرب المدعي العام الإسرائيلي، أميت أيسمان عن دعمه الرسمي "للتحقيق مع واحتجاز ومحاكمة أي شخص يعبر عن الثناء أو الدعم للفظائع"، ولو مرة واحدة. كما اعتقل عشرات الاسرائيليين، بسبب ما قالوه عن الحرب في غزة. وتم اعتقال أربعين شخصاً وتم التحقيق معهم وتحذيرهم. وتشير صحيفة هآرتس العبرية، أن "تصريحاتهم أو منشوراتهم التي سبقت اعتقالهم أو تحذيراتهم لم تكن بالضرورة تعبيراً عن الدعم لحماس. كل ما يتطلبه الأمر لإشراك الشرطة الإسرائيلية هو التعبير عن الدعم لسكان غزة أو مقارنة الوفيات على جانبي الحدود".
من جهتها، أدانت فرنسا "بشدة الغارة التي استهدفت المستشفى الأهلي في مدينة غزة، والتي تسببت في سقوط عدد كبير جدا من الضحايا المدنيين الفلسطينيين" دون الإشارة إلى أن إسرائيل هي من قام بقصف المستشفى وتدميرها على رؤوس المدنيين المرضى والأطفال.
كانت ألمانيا الدولة الأكثر تطرفاً في موقفها، حيث شدد المستشار الألماني أولاف شولتز، على ضرورة فرض حظر على أنشطة حركة حماس في البلاد بعد عملية "طوفان الأقصى" مضيفاً في بيانه بالبرلمان الألماني أنه من المقرر أيضا حظر شبكة "صامدون" الفلسطينية. كما أعلنت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر تأييدها لطرد داعمي الحركة من ألمانيا، وأيد زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي هذا الموقف، مطالبا مسلمي البلاد بإدانة الحركة. فيما سارع رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشريك بالائتلاف الحاكم لارس كلينجبايل بالمطالبة باتخاذ قرارات أكثر تشدداً وقال أنه إنه اذا كان الشخص الذي يحتفل بحماس في الشوارع الألمانية لا يحمل الجنسية الألمانية "فيجب حينئذ طرده من ألمانيا...إننا حاليا بصدد إصلاح قانون الجنسية: التجنيس هو التزام تجاه بلدنا. من لا يشاركنا قيمنا، من يدعم معاداة السامية والإرهاب، سيتم حرمانه من جواز السفر الألماني".
لم تستطع واشنطن على رغم كل جهودها المبذولة للتعتيم المستمر على ما يجري أو شراء ذمم كل وسائل الاعلام. وتقول صحيفة ذا غراديل في إطار حديثها عن ازدواجية المعايير الإعلامية بشأن غزة: "إذا شاهدت الأخبار الأمريكية فقط، فمن المرجح أن تفترض أن الفلسطينيين يتصرفون دائماً بينما ترد إسرائيل فقط. قد تعتقد حتى أن الفلسطينيين هم الذين يستعمرون أرض إسرائيل، ليس أقل من ذلك. وربما تعتقد أن إسرائيل، التي تسيطر بشكل مطلق على حياة 5 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومع ذلك تحرمهم من حق التصويت في الانتخابات الإسرائيلية، هي دولة ديمقراطية".
وتضيف "لكي تعتبر كائناً سياسياً، يجب على الأقل اعتبارك إنساناً. من الذي يمكن اعتباره إنساناً؟ لقد أمرت بفرض حصار كامل على قطاع غزة. لن تكون هناك كهرباء ولا طعام ولا وقود، كل شيء مغلق. نحن نحارب الحيوانات البشرية ونتصرف وفقا لذلك"، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت. الحيوانات البشرية؟ كيف يمكن لمؤيدي إسرائيل في الولايات المتحدة أو في أي مكان آخر أن ينظروا إلى مثل هذه اللغة وسياسة العقاب الجماعي المعلنة ضد جميع سكان غزة على أنها يمكن الدفاع عنها؟ لنكن واضحين: لغة غالانت ليست خطاب الردع. إنها لغة الإبادة الجماعية".
الكاتب: غرفة التحرير