منذ بدء الحديث عن اعتماد العدو الخيار البري لاجتياح غزة ليستعيد ما فقده من ردع وهيبة، أدلى الخبراء العسكريون بآراء عدّة حول الخطط التي قد يكون العدو أعدّها أو التي قد تكون في طور الاعداد والترميم. إلا أنه لم يطرح أحد من الخبراء أو القادة العسكريون ما تمتلكه المقاومة من إمكانات لتعطيل خطط العدو وإجراءاته. فيما يلي محاولة لاستشراف ما قد تفعله المقاومة في غزة مقابل العدو أمام أي من خياراته، فيما لو غامر واتخذها وما قد تستخدمه المقاومة من منظومات أسلحة تتلاءم مع ظروف الدفاع عن غزة.
مبادرات العدو الهجومية مقابل إعدادات المقاومة الدفاعية
يجب الإشارة الى أنّ ظروف المعركة قد تنذر أنه سيكون متحركاً وثابتاً حسب طبيعة المناورة والحركة التي سيظهرها العدو من مبادرات هجومية مع ملاحظة أن العدو وبعد 10 ايام من انطلاق المعركة فقد عنصر أساسي من عناصر المعركة الهجومية وهو عنصر المفاجأة كما أنه يفتقد إلى عنصر مهم جداً في اي استراتيجية عسكرية سيطبقها وهو معرفة مركز الثقل المواجه حيث أن حملة القصف الاستراتيجي التي بدأت من اليوم الأول لم تمكن العدو في مواجهة واحدة من أمهر جماعات الحرب المتماثلة في العالم من معرفة مركز ثقل العدو وهذا ما سيجبره على خوض معركة بمستوى تعبوي او تكتيكي لمحاولة انجاز أهدافه من عنصري ( المناورة والحركة ) وذلك يعتبر " عقب آخيل " في حرب المدن أو الحرب في الميادين الحضرية حيث أن المهاجم سيفرض عليه الدخول إلى متاهة فيها كل عناصر حرب عصابات المدن فتكاً وشراسة دون أن يتمكن من رفع مستوى قتاله إلى المستوى الذي لا يجبره على خوض حرب طويلة مميتة وتستهلك القوة الغاشمة التي سيستعملها في غزة . كم أن خبرة جميع الحروب منذ العام 1914 تشير إلى أن المدافع الماهر الذي يناور من خطوط داخلية وبأسلوب التقرب غير المباشر يمتلك مرونة الحركة والفتك بعدوه بحيث تتحول نسبة الموارد التي يفرض على المهاجم استنزافها بمعدل واحد للمدافع مقابل 8 إلى 10 للمهاجم.
واقع جغرافية غزة العسكرية المفروضة على العدو
بداية لا بد من الاشارة إلى أن معظم خيارات العدو محكومة بالجغرافيا العسكرية لغزة وليس سراً القول إن جغرافية غزة لا تقتصر فقط على الارض المنبسطة التي تبلغ مساحتها 360 كيلومتراً مربعاً مكتظاً بالأبنية بل أن جغرافية غزة العسكرية تتضمن أيضاً مدينة الانفاق التي تربض عليها غزة الظاهرة وبكلا الجغرافيتين تتمتع المقاومة بأفضلية معرفة تفاصيلها المملة من شوارع وأحياء وزواريب ومن شبكة أنفاق تكتيكية وتعبوية واستراتيجية. ولهذه الافضلية ميزة مهمة جداً في خطط الدفاع عن غزة في المرحلة القادمة، فالعدو ملزم إذا فكر بالخيار البري بتطبيق فنه العملياتي في حرب المدن والتي أثبتت التجربة منذ العام 1948 أنه تشغيل للقوات وفق منطقين عسكريين لا ثالث لهما.
أولاً الاجتياح البري: يعني ذلك احتلالاً واستقراراً لكل أو لأجزاء من غزة ويختصر هذا الخيار بالدفع بأعداد كبيرة من القوات (مدرعات + مشاة) يصل استعدادها إلى أكثر من ثلاث فرق عسكرية وتطبيق الهجوم الكاسح في المناطق الخمسة التي قسم غزة بها والبدء أولاً بالمداهمة ثم بالاحتلال ثم بالاستقرار لمدة تحددها له قيادة العدو والتي قد تتراوح بين احتلال دائم وبين احتلال مؤقت يطول أو يقصر حتى تتيقن القيادة بأن كل الاهداف التي حددتها لهذا الاجتياح تحققت.
ثانياً المناورة البرية: يعني ذلك تشغيلاً للقوات باستعداد 12 إلى 14 كتيبة يعني بحدود فرقة عسكرية (مدرعات + مشاة) ضد بعض المناطق في غزة والعمل بأسلوب يدمج بين المداهمة وبين الاحتلال السريع المؤقت وهذا الاسلوب يتطلب تعاوناً كبيراً بين القوات ويتطلب استخبارات تكتيكية عالية الدقة والاهمية، أهمية هذا الخيار يكمن في أنه يعفي العدو من تسخير موارد كبيرة ويمنحه صورة النصر التي يبحث عنها منذ اعلانه عن إطلاق عمليته المسماة " السيوف الفولاذية".
خيارات الهجوم والدفاع المقابل
يحتاج العدو في كلا الخيارين إلى تنفيذ مداهمات واسعة داخل غابة من المباني الصالحة أو المدمرة لا فرق، وكل هذه المداهمات يحتاج إلى تنفيذها بمجموعات لا يتعدى استعدادها الفصيل العسكري يؤازرها ويسندها فصيل آخر بهدف التأمين والاسناد فضلاً عن الإخلاء في حال تعرضت لنيران حاصدة أو مكثفة وهذا أمر محتم ومؤكد في ظروف ميدانية كظرف غزة وإذا وضعنا معركة جنين صيف 2023، الحالي أمام أعيننا يمكننا تخيل كم من الكمائن والاشتباكات من نقطة صفر سيتعرض لها جنود العدو هذا فضلاً عن العبوات المزروعة أو التي قد تزرع على طريق المشاة .
أسلحة المقاومة كتحديات قاتلة للعدو
أولاً: الاسلحة المضادة للدروع
من هنا تبدأ أولى التحديات القاتلة لجنود العدو ففي مداهماتهم في أزقة ودهاليز غزة ينتفي دور ووظيفة الدروع كالميركافا أو النمير (ميركافا بدون مدفع ) بعد أن انتفى دور المدفعية وسلاح الجو لحظة بدء الحركة البرية للجنود، وللتنويه هنا فإن العدو لن يمكنه استعمال (الهامرات ولا ملالات ال 113 ولا حتى عربات النمر المدولبة التي استخدمت بكثافة في معركة جنين) وحتى لو استعملوا مئات الدبابات في اجتياحهم فإن سلاح التاندوم (آر بي جي مع حشوتين أو ثلاث حشوات متفجرة) الذي يمتلك منه المقاومون عشرات الآلاف ولديهم خط تصنيع له يمكنه انتاج المئات من القذائف وللتنويه هنا فإن جميع فصائل المقاومة لديها خطوط انتاج من هذا السلاح الفتاك الذي يفوق تأثيره سلاح الكورنيت الذي يستخدم على مسافات واسعة ويحتاج إلى مجال يفوق المجال الفعال لسلاح التاندوم وهناك أيضاً كميات كبيرة تصل إلى اللآلاف من قاذفات الميتيس ( آر بي جي 29) التي يمكنها أداء فعالية الكورنيت من 125 إلى 500 متر وكلا القذيفتين ( التاندوم و الميتيس ) لا تتأثران بنظام تروفي الواقي للدبابات ويمكنهما بسهولة تحطيم وخرق " الدروع الردية" التي زودت بها معظم مدرعات الميركافا والنمير المنتشرة في محيط غزة حيث أن نظام تروفي لا يتعرف على قذيفة التاندوم لتقنية خاصة تتميز بها القذيفة تمنع نظام ( تروفي – معطف النار) التعرف عليها . كما أن أهمية هذين السلاحين تكمن في أنهما خفيفين ويسمحان للمقاتل بالتحرك بمرونة وخفة وغير معقدين ويمكن التدرب عليهما واستعمالهما بشكل شبه محترف من خلال ورشة تدريبية لا تتعدى ال 4 ساعات.
ثانياً: العبوات الناسفة
المعضلة الثانية التي سيواجهها جنود العدو إن كانوا بدباباتهم أو راجلين العبوات الناسفة متعددة الأنواع والأحجام والتي تتميز بقدرتها الفتاكة (عبوات الافراد – العبوات الثقيلة – العبوات الذكية – العبوات التلفزيونية) والتي شهدنا تأثير نماذج بدائية منها خلال معركة جنين وما حل بجرافات ومركبات العدو المصفحة فضلاً عن جنوده وتتمتع وحدات الهندسة التابعة للمقاومة بنظام رصد متطور يعتمد على العنصرين البشري والالكتروني الذي لا يمكن التشويش عليه والذي يسمح للمجاهدين باحتساب نقطة التأثير للعبوات المجوفة الاحادية و الثنائية التجويف بالمليمتر أثناء مواجهتهم للعدو.
ثالثاً: سلاح الاستشهاديين
هناك سلاح الإنغماسيين والاستشهاديين وتمتلك المقاومة الآلاف منهم الذين يمكنهم الاشتباك من النقطة صفر في قلب قوة العدو الراجلة المداهمة ثم تفجير أنفسهم بالجنود الصهاينة أو أسرهم في حال فقدوا القدرة على الاشتباك.
رابعاً: الذخائر
بالنسبة للاشتباكات الفردية مع مجموعات المشاة المداهمة فإن المقاومين ومن خلال تجارب الحرب البرية في حرب تموز 2006 وبعد تجربة 4 حروب باتوا يمتلكون ما يلائم المعركة من ذخائر وأسلحة يمكنها خرق خوذ جنود العدو ودروعهم الفردية وثمة تجارب ناجحة على عدد من أنواع الدروع الفردية التي يمتلكها جنود العدو أدت نجاحاً باهراً ويمتلك المقاومون أيضاً أسلحة "الشتاير" والاسلحة الشبيهة لها والتي يبلغ عيارها 50 ملمتراً وتستخدم ضد الدروع والأفراد ويمكنها صيد الجندي الصهيوني من مسافة بعيدة وتمزيقه فوراً كما أن بعض هذه الاسلحة تم تجربتها على دروع فولاذية بسمك تفوق ال 10 ملم.
إضافة إلى ما سبق يمتلك المقاومون في غزة كميات هائلة من القنابل الدفاعية والهجومية ويمكنهم محاكاة الاشتباكات التي خاضها المقاومين اللبنانيين في محاور الباط (جنوب غرب عيترون) ومثلث التحرير في بنت جبيل وتسببت بخسائر فادحة للعدو.
خامساً: المدافع المضادة للمشاة
تستطيع المقاومة استخدام "الهاونات" الصغيرة مثل هاونات ال 60 ملم وهاونات الكومندوس والتي برع في استخدامها المقاومون في الليل والنهار والتي تعتبر مؤذية جداً لأفراد العدو لأنها تشوش وتؤذي حركتهم كما تمتلك المقاومة خطوط انتاج لهذه القذائف في قلب غزة والتي مكّنتهم من انتاج كميات كبيرة من تلك القذائف.
سادساً: استعداد وترتيب القوات
باتت المقاومة منذ سنوات تمتلك مرونة كبيرة في تشكيل الهياكل العسكرية من التكتيكي إلى التعبوي وبدءاً من المجموعة مروراً بالفصيل والسرية والكتيبة وحتى اللواء فإن المناورات والتدريبات العديدة التي نفذتها المقاومة خلال 18 عاماً مكنتها من بناء هيكلية مرنة يمكنها من خلالها " فتح القوات " بجميع مستويات الحرب ومتطلبات الاشتباك. لقد درست المقاومة الجغرافيا العسكرية لقطاع غزة التي تعرفها جيداً ووزعت نقاط اشتباكها ومواضع التأمين والتقرب ومناطق القتل الملائمة لاي مناورة أو حرب برية قد يقدم عليها العدو. كل هذا ضمن خطط جرى التدرب عليها عشرات المرات منذ العام 2010.
سابعاً: منظومة القيادة والسيطرة والاتصالات
إنّ سلاح الاتصالات لدى المقاومة سلاح متطور جرى تأهيله وتطويره حسب متطلبات الميدان وخير مثال على ذلك عدم قدرة العدو من اختراق أو تحديد أي موجة أو ذبذبة استخدمتها المقاومة خلال عملية "طوفان الأقصى" كما أن العمليات الجوية التي نفذها العدو فشلت حتى الآن في المس بأفراد وكوادر ونظام القيادة والسيطرة والاتصالات التي تمتلكها المقاومة.
ثامناً: سلاح السايبر
تتمتع المقاومة بإمكانيات كبيرة في مجال السايبر والتي اعترف بها العدو ووصفها بالسلاح الافتراضي الفعال الذي يمكنه من تعطيل فعالية بعض الاسلحة المهمة التي يمتلكها العدو.
خاتمة
ثمة عدد كبير من المميزات والمستجدات والاسلحة التكتيكية والتعبوية الكاسرة التي تمتلكها المقاومة الآن والتي ترتبط مباشرة بخياريّ المعركة البرية أو المناورة البرية والتي لا يمكن الحديث عنها الآن، إلا أنها قد تظهر أو تبقى في طي الكتمان حسب ظروف المعارك. وتبقى المفاجآت هي المفاجآت، ولا يمكن رؤيتها إلا في المعركة.
المصدر: مركز دراسات غرب آسيا