وفي تطوّر لافت، وصلت مساء نفس اليوم 8-10-2023 طائرة نقل عسكرية أمريكية عملاقة، من طراز غلوب ماستر C17 إلى الكيان المؤقت، آتية من قاعدة الحسين الجوية في الأردن، تبين أنها كانت تحمل مجموعة من 50 ضابطاً أمريكياً، كما نقلت الطائرة غرفة قيادة وسيطرة وعمليات كاملة.
وفي مجال آخر أعلنت 11 قاعدة أمريكية في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، رفع مستوى الحماية الذاتية، وتبين لاحقًا، أن قاعدتين جويتين من تلك القواعد هما قاعد الظفرة في الامارات، وقاعدة علي سالم في الكويت، تم تفعيلهما لخدمة التطور العسكري الجديد، وذلك بالتزامن مع اقتراب مجموعة حاملة الطائرات جيرالد فورد التي انتقلت من إيطاليا إلى بعد 80 ميلاً غرب السواحل الفلسطينية.
لقراءة هذه الحركة العسكرية الامريكية الكبيرة، ينبغي بداية التنويه إلى أن حاملة الطائرات جيرالد فورد ومجموعتها والتي يسميها العسكريون "القوة الضاربة 12"، لن تعمل في مهمتها الجديدة تحت إمرة قيادة المنطقة الوسطى هذه المرة، بل ستعمل تحت القيادة الإستراتيجية للولايات المتحدة (USSTRATCOM)، التي تعتبر عضواً فيها، لتأتمر بقيادة الرئيس الامريكي جو بايدن ومجلس ادارته للأمن القومي، ودور المنطقة الوسطى في هذه المهمة هو تأمين كل الدعم اللازم لحاملة الطائرات جيرالد فورد ومجموعتها.
تعتبر اجراءات رفع الحماية الذاتية التي نفذتها القواعد الـ 11 تدبيراً روتينياً تقوم به تحديداً وحصرياً كل من السنتكوم والافريكوم دون غيرها من القيادات الـ 11 للجيش الامريكي عند حدوث أي أزمة ترتبط تداعياتها بالأمن القومي الأمريكي، والسبب في حصر الاجراءات بهاتين القيادتين بأنهما تعملان في منطقة مسؤولية تكثر فيها التهديدات من جميع الأنواع، بدءاً من التهديدات منخفضة الشدة (مجموعات ارهابية كداعش والقاعدة ومتفرعاتهما – تحدي مجموعات غير حكومية – تحرك حكومات او جيوش محلية غير حليفة للولايات المتحدة)، إلى التهديدات العالية الشدة (التهديدات الاقليمية – استخدام الاسلحة غير التقليدية – تحرك القوى العظمى التي لا تتفق مع الامريكيين ...)، وعادة ما تقوم القواعد والاساطيل العاملة تحت إمرة هاتين القيادتين رفع مستوى الحماية الذاتية كإجراء دفاعي، وذلك منذ العام 2001 بعدما كانت تنفذ تلك الاجراءات لأغراض هجومية قبل العام 2000.
ويمكن في حال دخول قوة أمريكية بحرية كمجموعة حاملة الطائرات جيرالد فود، أن تساهم هذه القواعد في مجالات الدعم والاسناد في حال تطلب منها ذلك، فضلاً عن تأمين الوضعية الاستخبارية لإمداد القوة البحرية "الطارئة"، كجيرالد فورد ومجموعتها التي تتعامل مع عمليات الاستخبارات الاستراتيجية، لضمان استمرار مهمتها المؤقتة في منطقة المسؤولية.
بالنسبة لقاعدة الظفرة في الامارات، فإن تفعيلها يرتبط بوجود سرب من الطائرات التجسسية من طراز u2s وglobal hawk mk4، واللتين تعتبران طائرات استطلاع استراتيجية، تؤمن المعلومات الفورية على مدار الساعة.
بالنسبة لقاعدة علي السالم في الكويت، فهي قاعدة يمكنها استقبال طائرات غلوب ماستر الامريكية العملاقة، التي لا تستطيع القواعد الجوية الامريكية الاخرى استقبالها، باستثناء قاعدتي الحسين وموفق السلطي في الاردن. وقد اعتمدت القيادة العسكرية الامريكية قاعدة علي السالم بعد الانسحاب الامريكي من العراق عام 2011، كقاعدة رئيسية لنقل الجنود والعتاد للعراق وبعض دول الخليج من قاعدة رامشتاين في المانيا واليها، واستخدمت كقاعدة إخلاء وإجلاء للجنود الامريكيين بعد الضربة الثأرية للقائدين الحاج قاسم سليماني والحاج ابو مهدي المهندس، التي تعرضت لها قاعدة عين الأسد في 7 -1-2020.
هناك استثناء ينبغي مراقبته جيداً، وهو قاعدة موفق السلطي في الأردن، والتي تضم أكبر قاعدة جوية عسكرية أمريكية في المنطقة، قادرة على الاستقبال، ورغم أنه لم تسجل أي اجراءات في القاعدة إلا أن هذه القاعدة مفعلة على الدوام لخدمة العمليات الامريكية في العراق وسوريا، فضلاً عن أنها تحتوي أكبر مدرج للطائرات المسيرة في العالم، وتحتوي على غرفة قيادة وسيطرة وتحكم جوية، تخدم قيادة المنطقة الوسطى الامريكية.
وبقراءة الاجراءات الشاملة للقواعد الامريكية في المنطقة، نلاحظ بأن معظم تلك القواعد اتخذت إجراءات روتينية حتى الآن، باستثناء قواعد الكويت والأردن، وأن معظم القواعد الامريكية في المنطقة لا تعمل بوتيرة أو بمهمات تربطها بالأحداث الجارية في فلسطين، وأن العمليات الجارية في قواعد الاردن والكويت ترتبط بأعمال لوجستية لخدمة مهمات امريكية قادمة في الكيان المؤقت، أما قاعدة الظفرة الاماراتية فتستخدم للاستطلاع الاستراتيجي لخدمة مجموعة جيرالد فورد.
تُعتبر الحاملة جيرالد فورد من أحدث نُسخ السفن الحربية الحاملة للطائرات في العالم، وهي وريثة فئة "النيميتز"، التي بقيت منذ منتصف الخمسينات الطراز العابر للمحيطات في الجيش الامريكي.
تستخدم القيادة الاستراتيجية الأمريكية المجموعة البحرية الهجومية الضاربة رقم 12، لتحقيق الريادة الامريكية في المجالات التالية:
-القدرة السيبرانية العالمية.
-الحرب الإلكترونية المشتركة.
-الدفاع الصاروخي.
-القدرات الاستخباراتية للردع والرد بشكل حاسم ودقيق في حالة فشل الردع.
-طمأنة الحلفاء وحمايتهم.
-تشكيل سلوك الخصم.
-هزيمة الإرهاب.
-تحديد قوة المستقبل والابقاء على التفوق الامريكي.
وتختصر وظيفة الحاملة جيرالد فورد ومجموعتها التابعة للقيادة الاستراتيجية الامريكية، منذ اجتيازها كافة الاختبارات ونجاحها في اختبارها العملاني الاول في نيسان 2023 بالمهام التالية:
-تبني الردع الاستراتيجي، الذي يتكون من قوات قتالية مشتركة مبتكرة ومتكاملة ومتزامنة في مجالات متعددة لضمان الأمن القومي.
-ضمان الرد الحاسم ضد أي تهديد، عندما تطلبه القيادة الوطنية المدنية.
-توقع وتلبية المتطلبات التكتيكية والمسرحية والاستراتيجية من خلال الخطط التشغيلية وتنمية القدرات.
كما أنها توفر مجموعة من القدرات لدعم الأوامر القتالية الأخرى، بما في ذلك:
-الدفاع الصاروخي المتكامل.
-القيادة العالمية.
-مهام (السيطرة والاتصالات وأجهزة الكمبيوتر والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع "C4ISR").
-إعطاء "القيادة الوطنية مصدرًا موحدًا لفهم أكبر لتهديدات محددة حول العالم ووسائل للرد على تلك التهديدات بسرعة.
رغم ما تقدم، فقد حددت القيادة الامريكية ثلاث مهام رئيسية تشكل عناصر الوظيف الحالية للحاملة جيرالد فورد ومجموعتها وهي:
-دعم الكيان المؤقت وحمايته.
-ردع أي تدخل خارجي في النزاع القائم بين المقاومة والكيان المؤقت.
-الدفاع المتعدد عن الكيان والحلفاء في المنطقة من أي عدوان خارجي من روسيا أو الصين أو إيران وحلفاءها.
تبقى وظيفة الحاملة جيرالد فورد الحالية وقائية ودفاعية نظراً لأسباب متعددة، أولها الاعلان الامريكي الصريح أن الحاملة "الهجومية" لن تعمل في الهجوم بل في الدفاع، أي التظاهر والاستعراض بالقوة لحصر النزاع الحالي في فلسطين المحتلة.
وثمة نقاط فراغ عديدة جاءت السفينة لتعبئتها:
-تعويض الشلل الذي أصاب منظومة القيادة والسيطرة في الكيان المؤقت.
-تعويض الشلل الذي ضرب منظومة القرار الصهيونية.
-تخوف واشنطن على الترسانة النووية الصهيونية من أن تُمس بعد الفوضى العارمة التي أصابت الكيان المؤقت.
مما تقدم، وبعدما تبين أن التدخل الفوري للمجموعة الضاربة 12 للحاملة، هو لتعويض الخلل والفراغ الناتج من الفوضى ومن الصدمة والرعب التي أصابت الكيان، يتبادر للذهن أسئلة حول مستقبل المهمة التي أوكلت بها الحاملة جيرالد فورد ومجموعتها.
هل تستطيع الحاملة جيرالد فورد تنفيذ واجباتها المكلفة بها حالياً بنجاح؟
الجواب نعم طالما استمرت في مهمتها الدفاعية والوقائية، فحجم الموارد والتكنولوجيا التي تمتلكها الحاملة ومجموعتها المعاونة، تمكنها من البقاء لأشهر وتنفيذ المهمة الحالية، إلا أن تطوير واجبها المقرر إلى مهمة هجومية دون ملاحظات سندرجها لاحقاً.
في حال تورطت الحاملة بالنزاع أو تم توريطها، فإلى أي مدى ممكن أن تستجيب؟
بالنسبة للنزاع الحالي فإن قدراتها المصممة للاستجابة لعمليات استراتيجية لا تسمح لها بالتورط في النزاع، إلا إذا تحول إلى حرب إقليمية، ولكنها تستطيع تأمين بعض المهمات العملياتية القيادية لمصلحة جيش العدو، أهمها إمكانية إدارة كافة العمليات المطلوبة من جيش العدو في المجالات التالية:
-القيادة والسيطرة.
-إدارة عمليات الحرب الالكترونية.
-الاتصالات.
-إدارة العمليات الجوية والبحرية لجيش العدو.
-المساهمة في إدارة النار لكافة الضربات الاستراتيجية التي قد ينفذها العدو مع امكانية مساعدته من خلال إحدى المدمرات المصاحبة.
-إدارة كافة عمليات الطوارئ في الكيان المؤقت بحال تعرض جيش العدو لنكسة كبرى.
هل ستكلف الحاملة ومجموعتها بمهام هجومية في المستقبل العاجل ضمن هذه المهمة؟
كما ذكرنا آنفاً فإن الحالة الوحيدة التي تستطيع هذه الحاملة ومجموعتها المساهمة بها عندما يتحول النزاع الحالي إلى حرب إقليمية، وثمة مؤشرات برزت على لسان مجلس الامن القومي ووزارة الخارجية، ولمح لها بايدن في خطابيه الذين تكلم فيهما عن الحرب في فلسطين، وتفيد هذه المؤشرات إلى أن إدارة بايدن لا ترى أن إيران وحلفاءها ضالعَين حتى الآن في تصعيد الموقف، وبما أن المهمة الحالية لحاملة جيرالد فورد ومجموعتها هي مهمة رئاسية عبر قيادة الـ (stratcom)، وأن لا دخل لقيادة المنطقة الوسطى بها، بل هي مكلفة بالعمل لمعاونتها، لذا فإن احتمال تكليف الحاملة ومجموعتها بمهام هجومية بعيدة الاحتمال بل تكاد تكون منعدمة.
ما هي الثغرات الفنية في المنظومة التي تضم الحاملة وسفنها المعاونة وهل تمنعها من تأدية مهمتها بنجاح؟
هنالك العديد من الثغرات والنواقص التي تحملها الحاملة جيرالد فورد وبعض سفنها المعاونة، يمكنها أن تؤثر بشكل كبير على المهمة، رغم أن الطاقة النارية وقدرات الحرب التي تحملها كبيرة وتكاد تكون الاكبر في العالم.
إلا أن الحاملة جيرالد فورد، تبحر الآن في أول مهمة عملية فعلية لها، وستبقى قيد الملاحظة الدقيقة في السنوات الاربع القادمة، وهي وإن كانت قد خضعت لاختبارات أربعة ناجحة، إلا أنها تبقى عرضة للتجربة، خاصة في مجال المعاونة وتنفيذ تعاون دقيق بينها وبين سفنها التابعة، التي تفتقد بعضها للدقة في الأداء في مجال الدفاع الجوي والصاروخي، ووفقا لمجلة "ناشيونال ريفيو"، تعدّ حاملة جيرالد فورد الأولى من فئتها، ولكنها في أول عملية نشر حقيقية للسفينة، وتواجه موقفًا قد يختبر كل ما تم الإعلان عنه حول تقدمها على حاملات نيميتز Nimitz القديمة، فيما يتعلق بجمع المعلومات والدفاع والهجوم.
ورأت المجلة أنه "إذا سارت الأمور كما ينبغي، فلن تكون هناك سفينة أفضل لإرسالها لمساعدة إسرائيل، لكن إذا ساءت الأمور بالنسبة لأنظمة السفينة الناشئة، فإن حياة 4200 بحار وضابط ستكون في خطر".
وفيما يلي مجموعة الثغرات التي قد تعاني منها الحاملة جيرالد فورد ومجموعتها المعاونة:
-الحاملة مجهزة بمقاليع كهرومغناطيسية (EMALS) تمنح المهندسين الراحة من خلال تحسين كفاءة الإطلاق، مما يزيد من الطائرات التي تحلق منها في السماء بنسبة 25 بالمئة، مقارنة بالوحدات البخارية، إلا أن نظام الاقلاع الكهرومغناطيسي هذا قيد التجربة، وقد يتسبب في حال خلله بمشاكل قاتلة للطائرات المقاتلة المتعددة التي تحملها الحاملة، وهي غير متجانسة وتتميز باختلاف كبير بالسرعة وقدرة الاندفاع والوزن وهي من الطرازات التالية:
F35-F18-F16-F15- A10- HAWKEY-2D))
-معظم نظام الدفاع الإلكتروني المؤثر موجود في الطائرة E-2D Advanced Hawkeye، وهي طائرة قيادة وسيطرة تعتبر العقل والعين الأساسية للحاملة جيرالد فورد، وهذه الطائرة لا تتمتع بالسرعة اللازمة ولا تحلق على ارتفاعات شاهقة، ويمكن لبعض منظومات الدفاع الجوي الموجودة في غرب آسيا اسقاطها بسهولة، مما يجعل الحاملة جيرالد فورد شبه عمياء ويسهل التعامل معها، خاصة وأن هذه الطائرة تُعتبر عين المجموعة كلها التابعة للحاملة، وبما أن الحاملة تحميها السفن الاخرى من الصواريخ البالستية والصواريخ سطح بحر، فإن اسقاط الطائرة كارثي على المجموعة كلها.
-تمتلك الحاملة جيرالد فورد أسلحة دفاعية شخصية قصيرة المدى وسريعة الرد، وهي مزودة بنظام C-RAM محدث، وتهدف فقط إلى تدمير صاروخ أو صاروخين تقليديين من مجموعة كاملة من الصواريخ، إذا تمكنت من تجاوز جميع السفن المرافقة الأخرى.
-تفتقد الحاملة جيرالد فورد لنظام حماية ذاتي من الصواريخ البحرية والجوالة، لأن نظام حمايتها يعتمد على المدمرات من طراز Aegis المرافقة، وهذه المدمرات تمتلك نظام دفاع جوي وصاروخي قديم من نفس طراز نظام الدفاع الذي حملته المدمرة "فينسينز"، التي أسقطت الطائرة المدنية الايرانية في ثمانينيات القرن الماضي.
- رغم أن الحاملة جيرالد فورد تحمل نظام طائرات اعتراضية ومتعددة المهام من طرازي F35 وF15، إلا أن هذه الطائرات لم تُختبر بعد في حرب صاروخية أو حرب مسيرات انتحارية متطورة، قد تُستعمل لضرب الحاملة ومجموعتها.
-لا تحمل حاملة جيرالد فورد دفاعات عضوية مضادة للصواريخ الباليستية، وهي ليست مثالية للاشتباك مع أنواع أخرى من الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، أو الصواريخ الفرط صوتية، لأن مهمة سفن إيجيس المرافقة هي الاشتباك معها (إذا لم تفعل الطائرات ذلك أولاً).
وهناك تفاصيل فنية معقدة تُبين أن نظام حماية الحاملة جيرالد فورد ليس مثالياً.
لتحميل الملف بصيغة pdf إضغط هنا.
المصدر: مركز دراسات غرب آسيا