بعد مرور أشهر على الانقلابات الأخيرة التي طالت عدداً من الدول الافريقية، لا تزال الأنظار تتوجه إلى المرحلة التالية، والتي من شأنها أن تكشف بعضاً من خيوط ما جرى، وهوية المستفيد الأكبر. وبينما يتوقع البعض أن تراجع النفوذ الفرنسي في القارة هو مصلحة روسية- صينية بالدرجة الأولى، ثمة من يعتقد أن التجارب التي تثبت استغلال الولايات المتحدة لأي مأزق أوروبي كثيرة وقد لا تكون الانقلابات الحاصلة ببعيدة عن هذا النهج.
بعد أن استولى المجلس العسكري النيجيري، على السلطة في 26 تموز/ يوليو واعتقل الرئيس محمد بازوم، وصفت فرنسا والاتحاد الأوروبي ذلك على الفور بأنه انقلاب. ولكن بعد أسابيع، في تصريحات علنية توقف مسؤولو البنتاغون عن استخدام هذه الكلمة.
وعلى الرغم من أكثر من 3 أسابيع، كانت واشنطن تصف ما حدث على أنه "ليس أكثر من محاولة انقلاب"، كما جاء على لسان نائبة السكرتير الصحفي للبنتاغون سابرينا سينغ. أوضحت سينغ حينها، أن "النيجر شريك ولا نريد أن نرى هذه الشراكة تذهب... لقد استثمرنا، كما تعلمون، مئات الملايين من الدولارات في قواعد هناك، وتدربنا مع الجيش هناك".
منذ عام 2012، أنفق دافعو الضرائب الأمريكيون أكثر من 500 مليون دولار على هذه الشراكة. وتضيف مجلة ذا انترسبت الأميركية، أن الانفاق الهائل على تلك القاعدة يجعلها واحدة من أكبر برامج المساعدة الأمنية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
تستضيف النيجر واحدة من أكبر وأغلى قواعد الطائرات المسيّرة التي يديرها الجيش الأميركي. تم بناء القاعدة الجوية 110 في مدينة أغاديز الشمالية بتكلفة تزيد عن 20 ملايين دولار ويتم صيانتها بما يصل إلى 30 إلى 201 مليون دولار كل عام، وهي مركز مراقبة ومحور أرخبيل من المواقع الأميركية في غرب إفريقيا.
بعيد ساعات على الانقلاب توجهت الأنظار بداية إلى روسيا. إذ أن الحضور الروسي والرغبة العميقة لدى الرئيس فلاديمير بوتين بتوسيع مروحة الموارد، كفيلان بإغناء هذا الاحتمال، خاصة مع وجود شريحة واسعة من المؤيدين الذين رفعوا صور بوتين. لكن، استبعاد بقية الأطراف الفاعلة في تلك المنطقة، ليس واقعياً.
بحسب وسائل إعلام أميركية، فإن ضباطاً عسكريين تلقوا تدريبًا أمريكيًا تم تعيينهم لقيادة خمس من ثماني مناطق في النيجر من قبل المجلس. وبينما يدّعي البنتاغون أن تدريباته لا تؤدي إلى تمردات، فإن البحث الذي أجراه محلل سابق في البنتاغون يشير إلى أن العكس قد يكون صحيحاً.
لا تعترف واشنطن بتسمية الانقلاب باسمه الحقيقي. وتذهب إلى مصطلحات فضفاضة تخدم قراراها بالاستمرار بتدفق الأموال "للتمويل الأمني" والمساعدة العسكرية. وفيما لا يعرف بعد، أي تلك الجهات التي تستلم "المساعدات" الأميركية، بعدما أضيف لها جهات أخرى فاعلة في الآونة الأخيرة، يذهب البعض إلى التشكيك بنوايا الإدارة الأميركية.
وتشير مجلة فورين بوليسي أن "الانهيار الكامل للتعاون الأمني بين النيجر والغرب ليس حتمياً". معتبرة ان "عبد الرحمن تشياني مدفوع بشكل أساسي بالطموح الشخصي وليس الإيديولوجية، واتباع موقف متشدد مناهض للغرب يمكن أن يخلق رد فعل داخلي".
مشيرة إلى أنه خلال العامين الأولين من رئاسة بازوم، كان تشياني مؤيداً مخلصا للحكومة النيجيرية. حيث أحبط محاولة انقلاب قام بها النقيب في سلاح الجو النيجيري ساني جوروزا ضد بازوم في آذار/ مارس 2021 وتم تكريمه لاحقاً من قبل بازوم بسبب "روح التفاني والتضحية بالنفس والتوافر والولاء". ومن المرجح أن يكون انقلاب تشياني رد فعل على التهديد بإقالته.
تتعدد سيناريوهات المرحلة المقبلة. والواقع، أن الموارد الطبيعية التي تمتع بها تلك القارة، تجعل من الطرف الذي يضع يده على القسم الأكبر منها، هو الرابح الأول. وبالتالي، فإن المنافسة الواقعة بين الأطراف الدوليين والاقليميين باتت واقعاً. وبما أن ضمان قطعة من كعكعة النفوذ هو هدف الأطراف المتصارعة، فالعمل بما يقتضي هذا الأمر حتى لو خالف الانتماء السابق فهو مبرر، كذلك الانتقال من ضفة إلى أخرى وفقاً ما تفرضه مستجدات الساحة، تحديداً عند الولايات المتحدة، التي ستكون أول المستفيدين من استبعاد النفوذ الفرنسي عن طريقها معتبرة انه الطريق لفتح أسواق جديدة يُتداول فيها الدولار بكثرة.
الكاتب: غرفة التحرير