لم يكن انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من السباق الرئاسي مفاجئاً، في ظل الضغوطات التي مورست عليه. لكن تنحي بايدن لم يجعل من التنافس أقل حدة، خاصة وأنه جاء مقروناً بتسمية نائبته كامالا هاريس لخوض الانتخابات. اذ تشير أحدث استطلاعات الرأي إلى حصول كل من هاريس والرئيس السابق دونالد ترامب، على تأييد 44% من الناخبين.
بعد أن أصبح فوز ترامب محتملاً بعيد محاولة اغتياله، لدى عدد من رؤساء الدول والتي بدأت بحياكة توقعات السياسة الخارجية في عهده، جاء تنحي بايدن وإعلان تأييده لهاريس ليفرض تقييماً مختلفاً. اذ أن احتمالية فوزها، والذي لن يكون مستبعداً أيضاً، يعني اختلافاً حاداً بالسياسة التي ستُعالج بها غالبية الملفات الحساسة، من الصين إلى روسيا ثم الحرب الإسرائيلية وقضايا الشرق الأوسط إضافة للشؤون الداخلية.
ستدخل هاريس -في حال فوزها- بملف شخصي ذاخر بالتجارب. من ناحية كعضو في مجلس الشيوخ خلال ولاية ترامب، ثم نائب للرئيس وما حصّلته من علاقات عامة مع رؤساء الدول والمتمكنين في جميع أنحاء العالم تقريباً. لكنها بالمقابل، ستتسلم كرة النار التي حملها بايدن خلال ولايته، ان كان بما يتعلق بالحرب الروسية الغربية في أوكرانيا أو الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وغيرها.
كانت هاريس أول مسؤول أميركي رفيع المستوى يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة، على رغم تأييدها الواسع لإسرائيل.
في إحاطة قدمتها في كانون الأول/ ديسمبر عام 2023، قالت هاريس إنه "بينما تسعى إسرائيل لتحقيق أهدافها العسكرية في غزة، نعتقد أن على إسرائيل بذل المزيد من الجهد لحماية المدنيين الأبرياء". مضيفة "عندما ينتهي هذا الصراع، لا يمكن لحماس السيطرة على غزة، ويجب أن تكون إسرائيل آمنة. لكن يحتاج الفلسطينيون إلى أفق سياسي مفعم بالأمل وفرصة اقتصادية وحرية. ويجب أن تكون المنطقة، على نطاق أوسع، متكاملة ومزدهرة".
من جهته، يعتبر المدير السابق في مكتب الشؤون السياسية العسكرية بوزارة الخارجية الأمريكية، لشبكة سي بي إس نيوز، جوش بول، والذي استقال في تشرين الأول/ أكتوبر بسبب قرار إدارة بايدن بمواصلة تزويد إسرائيل بالأسلحة أثناء شنها عمليات عسكرية في غزة، أن "هاريس يمكن أن تتطلع إلى تمييز نفسها قليلاً على الأقل عن سياسة بايدن تجاه إسرائيل". وقال إن هاريس كانت "الصوت الأول والأعلى في كثير من الأحيان داخل إدارة بايدن الذي يتحدث عن الحاجة إلى وقف إطلاق النار، ويتحدث عن القضايا الإنسانية الفلسطينية، مضيفاً أنه يعتقد أن هناك "مجالا لدرجة ما من التفاؤل بأنها كرئيسة، ستتخذ مساراً مختلفاً". مؤكداً أنه يتوقع أن تنسحب إدارة هاريس، بأي شكل من الأشكال، من الدعم الأمريكي القوي لإسرائيل.
وعلى الرغم من أن التطلعات إلى أن تكون هاريس رئيسة أكثر "براغماتية"، إلا أن هناك، التزامها في إنجاح أهداف الإدارة التي كانت جزءاً منها سيقيدها في عدد من الملفات، وستظل لفترة طويلة من ولايتها مقيدة بعبارة "إدارة بايدن- هاريس".
من ناحية أخرى، يرى المسؤول السابق في البنتاغون وحلف شمال الأطلسي، جيم تاونسند، الذي تحدث إلى بولتيكو أن "هاريس أمضت معظم حياتها المهنية كمسؤولة عن إنفاذ القانون. جاءت إلى منصب نائب الرئيس بخبرة قليلة نسبياً في السياسة الخارجية، مما جعلها تعتمد على مستشاريها".
وقال طارق حبش، الذي كان مستشاراً لسياسة بايدن في وزارة التعليم قبل استقالته بسبب سياسة الإدارة تجاه إسرائيل، إنه "متفائل بحذر" بأن هاريس ستكون أكثر استعداداً للنظر في تغييرات السياسة التي تركز على حقوق الإنسان الفلسطيني وتحد من تصرفات إسرائيل المستمرة في غزة وأماكن أخرى".
بالنسبة للحرب الأوكرانية، كانت هاريس داعماً قوياً لأوكرانيا ومن المتوقع أن تواصل سياساته في الغالب. في حزيران/يونيو، مثلت هاريس الولايات المتحدة في قمة السلام في أوكرانيا، حيث عقدت اجتماعها السادس مع زيلينسكي. وأعربت عن دعمها القوي للتعاون عبر الأطلسي بشأن دعم كييف. كما كانت من أشد منتقدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وحملته مسؤولية المعارض الروسي أليكسي نافالني.
وفي تجمع انتخابي في 11 تموز/ يوليو في كارولينا الشمالية، انتقدت هاريس ترامب باتهامه بأنه "يحتضن بوتين"، وقالت "هذا لا يحدث اليوم فقط. لقد كان يحدث، حيث هدد ترامب بالتخلي عن الناتو وشجع بوتين على غزو حلفائنا".
أما فيما يتعلق بالاتفاق النووي مع ايران، تعتقد هاريس ان انسحاب ترامب من الاتفاق عام 2018، كان "متهوراً" وأنه "يعرض الأمن القومي للخطر". وقالت هاريس تعليقاً على جهود عقد الاتفاق: "مع الاعتراف بأن الاتفاق النووي ليس مثالياً، لكنه أفضل أداة متاحة للولايات المتحدة لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية وتجنب الصراع العسكري في الشرق الأوسط".
وفي تصريح لها في آب/ أغسطس عام 2019، قالت هاريس أنها اذا تم انتخابها "ستخطط للانضمام مرة أخرى إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، طالما عادت إيران أيضا إلى الامتثال الذي يمكن التحقق منه".
كما سلطت هاريس الضوء مرارا وتكرارا على ما تعتبره نجاح إدارة أوباما-بايدن في دفع الاتفاق مع إيران إلى الأمام.
الكاتب: غرفة التحرير