بعد كثير من المناورة والمكابرة الاميركية، وبعد جولات مكوكية من المفاوضات عبر وساطات قطرية وعمانية، اضطرت واشنطن للانصياع لشروط طهران والالتزام بالإفراج عن اموال إيرانية محتجزة بالإضافة الى إطلاق سراح معتقلين من التابعية الايرانية، مقابل إطلاق السلطات الايرانية عدة موقوفين أميركيين.
وقد طُرحت العديد من التساؤلات حول الاسباب الحقيقية التي دفعت واشنطن وطهران للوصول الى هذا الاتفاق؟ كما طُرحت تساؤلات عن المدى الممكن للبناء على مثل هذا الاتفاق في المرحلة المقبلة في العلاقة المحتملة بين البلدين اللدودين؟
الواضح ان كل طرف حقق قدراً من المصالح عندما قرر الدخول في مثل هذا الاتفاق، إلا ان الأكيد ان من تنازل هو الأميركي الذي طالما كابر وحاول التنصل من التزاماته الدولية، فهو سبق ان نكل بما التزم به على صعيد الاتفاق النووي، حيث قرر بشكل آحادي الخروج منه، ومن ثم عمل لاحقا على عرقلة تنفيذه عبر الضغط تارة على القوى الاوروبية الملتزمة به (فرنسا، المانيا وبريطانيا) وتارة اخرى عبر الضغط والتأثير على المنظمات الدولية لا سيما الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
والإفراج عن المعتقلين والأموال الايرانية يشكل "خسارة بالنقاط" للإدارة الاميركية التي طالما كانت ترفض إعطاء ايران حقوقها وتعمل على فرض عقوبات عليها ومحاصرة كل من يحاول التعامل معها اقتصاديا وتجاريا، وبالتالي فإن القبول بالشروط الايرانية يمثل انتكاسة للشعارات المزيفة التي ترفعها واشنطن ضد طهران.
كما ان هذا الرضوخ الأميركي للإرادة الايرانية، يجب ان يشكل درساً لبعض الدول والمنظمات التي تنصاع دائماً للأوامر والارادة الاميركية حول وضع قيود للعلاقة مع طهران، فكيف يُحرّم عليهم ما يُباح للأميركي؟ ما يظهر مدى الاداء المصلحي الاميركي بالنسبة للشعارات المرفوعة والمبادئ المعلنة، فكل هذه الامور تبقى حبراً على ورق امام المصالح المرجوة، فمعيار "الكيل بمكيالين" الاميركي يطّبق هنا بشكل مفضوح.
بالمقابل، فإن الجمهورية الاسلامية طالما كانت تعمل لنيلها حقوقها كاملة ومنع الاعتداء على قرارتها السيادية وثرواتها، ما يعني انها ثابتة على مواقفها بدون أي تراجع او تنازل عن مبادئها، وبالسياق، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية ناصر كنعاني إن "إيران تتمسك بالقنوات الدبلوماسية لإحقاق حقوق الشعب الإیراني وليس هناك حد للحوار من أجل العودة المسؤولة لجميع الأطراف إلى خطة العمل المشترك الشاملة وسوف نتابع هذا الطريق"، وأضاف "إذا كانت هناك فرصة في المسار الدبلوماسي لعودة جميع الأطراف إلى خطة العمل المشترك الشاملة فسننتهز هذه الفرصة"، مؤكداً "سنواصل إجهاض الحظر بكل جدية وبالتوازي مع مسار إلغائه".
لكن ما جرى لا يؤكد وجود مسار يوصل لعودة اميركا الى الاتفاق النووي او ان هناك اتفاقات اخرى ستبرم في المدى المنظور على صعيد العلاقة بين واشنطن وطهران، او على صعيد المنطقة ككل، فالأميركي يهتم فقط بمصالحه، وما يحكم تحركه بأي ملف هو هذا الامر، من هنا على الارجح ان اي خلاف او حل حول ملف من الملفات سيكون على "القطعة" وليس على شكل سلة كاملة وشاملة للحل، خاصة ان الاميركي لن يتنازل بسهولة عن بعض الاوراق في المنطقة، وعلى رأسها الاحتلال لمناطق سورية غنية بالنفط او بمصالح معينة في العراق وصولا الى تواجده في منطقة الخليج ومحاولاته الدائمة لتعكير صفو العلاقة بين ايران وجيرانها العرب، وصولا للتدخلات الاميركية غير المباشرة في اليمن ولبنان، مرورا بالسعي الاميركي الدائم للبحث عن مصالح وأمن كيان العدو الاسرائيلي.