العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية ليست تحالفا من الناحية الفنية لأن البلدين لم يوقعا معاهدة أو اتفاقية دفاع مشترك. لكن على مدى عقود، منحت واشنطن حماية أمنية كبيرة للرياض، إلى حد كبير مقابل النفط. ظلت حقول النفط السعودية تحت سيطرة الولايات المتحدة حتى سبعينيات القرن العشرين، عندما تم تسليمها إلى المملكة العربية السعودية، وتحويلها على الفور إلى واحدة من أغنى الدول في العالم. وحتى ذلك الحين، واصلت الولايات المتحدة ضمان أمن السعودية مقابل التعهد بتوفير إمدادات النفط والشراكة الإقليمية. لكن أمرًا حصل حتى تبدو السعودية متحررة من التزاماتها بعدم اتخاذ قرار يزعج واشنطن، ناهيك عن القرارات التي يمكن أن تضرّ بها.
قال مسؤولون سعوديون إن ولي العهد قال في أحاديث خاصة إنه يتوقع أنه من خلال لعب القوى الكبرى ضد بعضها البعض، يمكن للسعودية في نهاية المطاف الضغط على واشنطن للتنازل عن مطالبها بتحسين الوصول إلى الأسلحة والتكنولوجيا النووية الأمريكية. وقال آخرون إنه بدون اتخاذ إجراءات حاسمة من واشنطن لمنع الرياض من تعميق العلاقات مع الصين وروسيا، فمن غير المرجح أن يتراجع السعوديون. وفي الأروقة السياسية الأمريكية، يرى محللون أنه "إذا واصلنا جميعا القول إن هذا مؤقت فقط، فهم يغازلون الآخرين لإعادتنا، فسوف نسير بشكل مريح في نهاية الهيمنة الغربية في الخليج وبالتالي منطقة الشرق الأوسط الأوسع".
وفي فرضية أخرى، يمكن القول إن ما يدعم النفوذ العالمي المتنامي للرياض واستعدادها لمقاومة المصالح الأمريكية هو الوضع المالي القوي الناتج عن ارتفاع أسعار النفط. حيث تواجه الولايات المتحدة وأوروبا والعديد من الاقتصادات النامية ارتفاعًا في التضخم والركود وفي فرضية أخرى، يعمل السعوديون على تطوير العلاقات مع الصين منذ سنوات. لكن هذا تطور جديد - وربما استراتيجي - في لعبة قديمة جدا تلعبها القوى الصغيرة والضعيفة مع القوى العظمى. فعندما تقلل القوة العظمى من أولوية القوة الأصغر (أو منطقتها)، فإن الأخيرة تعيد أيضا معايرة القوى العظمى الأخرى وتسعى إلى الوصول إليها لتحقيق التوازن والتعويض. لكن ما تغير هو ثقة السعودية المتزايدة، وضعف الهيمنة الأمريكية المشغولة في مستنقعات متعددة بحيث لم تعد قادرة على إحكام القبضة على الدول التي تسيطر عليها، فضلا عن الأهمية المتزايدة للصين كقوة عظمى حول العالم. ولا تزال موسكو والرياض تعتبران التنسيق أفضل طريقة للتنقل في اقتصاد عالمي يحتاج إلى النفط، لكنهما – بفضل تحول الطاقة – يترددان بشكل متزايد في الاستثمار فيه. نتيجة لذلك، تمسكوا ببعضهم البعض.
إلى ذلك، يمكن القول إن ما يدعم النفوذ العالمي المتنامي للسعودية واستعدادها لمقاومة المصالح الأمريكية هو الوضع المالي القوي الناتج عن ارتفاع أسعار النفط. توسع اقتصاد المملكة بأحد أسرع المعدلات على مستوى العالم، حيث تواجه الولايات المتحدة وأوروبا والعديد من الاقتصادات النامية ارتفاعًا في التضخم والركود.
وفي سردية أخرى، يحكى عن أن السعودية أعادت تقويم علاقتها الأمنية مع واشنطن. ولا تتعلق هذه الخطوة بانخفاض مبيعات الأسلحة، بل بتراجع استعداد الولايات المتحدة لاستخدام قواتها الخاصة لحماية دول الخليج. الولايات المتحدة ليست الشريك الأمني الذي كانت عليه في الماضي. وقد أوضح الرئيس الأمريكي باراك أوباما ذلك عندما صرح بأن المملكة العربية السعودية يجب أن "تتقاسم الجوار" مع إيران.
أما عن المراهنة بأن عودة الجمهوريين إلى الحكم في البيت الأبيض وتحديدًا ترامب سوف تعيد الأمور إلى مجاريها، فيمكن تذكّر أنّ تقرب الرئيس دونالد ترامب من السعوديين كان خطابيًا فقط وكان رفضه الرد على هجمات عام 2019 على البنية التحتية النفطية السعودية بمثابة رسالة واضحة لمدى اهتمام ادارته بالتورط من أجلهم. وعليه فإنّ تخفيض بايدن للشراكة ليس سوى الأحدث، ضمن اتجاه أوسع للسياسة الخارجية الأمريكية.
وعلى الرغم من أن كلا من الديمقراطيين والجمهوريين أصبحوا أقل دعما للشراكة الثنائية بين الولايات المتحدة والسعودية، إلا أن السياسة الخارجية الأمريكية قد لا تكون السبب الرئيسي في تصدع العلاقات بحسب فورين أفيرز. وتقول إنها تتفكك بسبب التغييرات في السياسة الداخلية والخارجية للمملكة. لا يتصور محمد بن سلمان بلاده كلاعب من الدرجة الثانية في نظام دولي متشعب مشابه للنظام الذي كان موجودا خلال الحرب الباردة. وهو يرى أن النظام الجيوسياسي الناشئ مرن ويتكون من مجموعة من الأجزاء المتشابكة، ويعتقد أن الرياض لها الحق في العمل مع كوكبة متغيرة من الشركاء لتحريك الأسواق وتشكيل النتائج السياسية. وهو يعتقد أنه سيتعين على السعودية حماية اقتصادها بقوة مع تقلب الطلب العالمي على الطاقة والنفط، ولكن إذا نجحت، فلا يمكن لأحد أن يمنعها من شق طريق مستقل وريادة نوع مختلف من التنمية الاقتصادية. هذه الرؤية هي حلم حركة عدم الانحياز عام 1970، باستثناء السمة الموحدة هي الانتهازية القومية بدلا من صحوة ما بعد الاستعمار.
بحسب المشهد الآن، السعوديون يتعاملون مع الجميع: إسرائيل وإيران، والصين والولايات المتحدة، وروسيا والأوروبيين. وهم غامضون تماما بشأن ما يريدون القيام به وما هو هدفهم النهائي، ما يخلق الكثير من الارتباك حيث يستمر الجميع في التساؤل عما يخططون له حقًا، وربما هذا هو بيت قصيدهم بالضبط، وإن كانت ظاهر الممارسات تشير إلى أن السعودية تعتمد سياسة عدم الإنحياز، إلا أنّ زمن الفوضى العالمية وحالة عدم اليقين تحتّم أنّ المشهد الكامل لم يتضّح بعد.
الكاتب: غرفة التحرير