تستمر الأزمة الاقتصادية ببريطانيا منتجة لكمّ كبيرٍ من التداعيات السلبية على مختلف القطاعات والمؤسسات، حتى بات الإعلان عن افلاس بعضها أمراً طبيعياً. وهذا ما جرى مع مجلس مدينة برمنغهام، الذي يعد أكبر مجلس محلي في جميع أنحاء أوروبا، والذي أعلن عن افلاسه مشكلاً بذلك صدمة يصعب تجاوزها. خاصة وان لندن تعوّل على هذه المدينة بكثير من الأحداث الكبرى كتنظيم البطولة الأوروبية لألعاب القوى عام 2026.
بشكل مفاجئ، أعلن مجلس برمنغهام افلاسه، كامتداد للأزمة التي تعصف بالبلاد. كما أعلن اعترافه بأنه بات غير قادر على الوفاء بما اسماه "فاتورة المساواة في الأجور" والتي تبلغ حوالي 800 مليون جنيه إسترليني.
وبموجب المادة 114، أصدر المجلس اشعاراً يقضي بأنه أصبح غير قادر على تمويل الخدمات التي يجب أن يقدمها إلا بموجب القانون، وسط تحذير المسؤولين من "تحديات مالية غير مسبوقة".
عام 2012، قضت المحكمة العليا بإقرار "مشروع المساواة في الأجور" بعد المطالبة به من قبل المعلمين وعمال النظافة وموظفي المطاعم -وأغلبهم من النساء-. وبناء عليه، اضطر المجلس تسديد 1.1 مليار جنيه إسترليني للتوصل إلى تسوية. وتعليقاً على ذلك، قالت الحكومة بغالبيتها من حزب العمال، ان "فاتورة المطالبات تتزايد بمعدل 5 ملايين جنيه إسترليني إلى 14 مليون جنيه إسترليني شهرياً. وكانت ميزانية إيرادات المجلس بالكامل في العام الماضي في حدود 750 مليون جنيه إسترليني، والتي يتم إنفاقها على الخدمات في المدينة التي يبلغ عدد سكانها 1.1 مليون نسمة، وسط ارتفاع تكلفة الطلب على الرعاية الاجتماعية والإسكان وخدمات الأطفال".
بدوه يعتقد اتحاد النقابات أن السلطات المحلية في جميع أنحاء المملكة المتحدة قد ينتهي بها الأمر إلى دفع عشرات المليارات من الجنيهات: "هذه ليست أموالا مجانية للنساء، إنها تسرق منهن دقيقة بدقيقة". ويأتي هذا التصريح بعدما اشتكت النساء العاملات من أنهن يفتقدن المكافآت الممنوحة للموظفين في المجالات التي يهيمن عليها الذكور، مثل جامعي القمامة.
هذا الارتفاع غير المسبوق بمستوى النفقات، دفع المجلس إلى تجميد التوظيف، ودعوة الموظفين للتقدم بطلب للاستقالة لخفض فواتير الأجور.
لم يكن مجلس برمنغهام وحيداً في أزمته المالية التي دفعته إلى الإعلان عن افلاسه، بل ينضم إليه أيضاً مجالس سلاو وثوروك وكرويدون، الذين اعتبروا في بيان مشترك ان "الإشعار كان خطوة ضرورية بينما نسعى لإعادة مدينتنا إلى أساس مالي سليم".
بكل المقاييس، تواجه المملكة المتحدة أزمة اقتصادية واجتماعية خطيرة، أزمة سوف تتعمق من دون تحولات كبيرة في السياسة. اذ توقع المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية مؤخراً احتمالاً بنسبة 60٪ للركود بحلول نهاية عام 2024. كما تعكس التوقعات تأكيدات بنك إنجلترا الأخيرة بأن الناتج المحلي الإجمالي سيظل أقل من مستويات ما قبل الوباء "على المدى المتوسط".
وأشارت مجلة بلومبرج إلى ان "صدمات العرض الثلاثية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وكوفيد والغزو الروسي لأوكرانيا، جنباً إلى جنب مع التشديد النقدي الذي كان ضرورياً لخفض التضخم، قد أثرت بشدة على الاقتصاد البريطاني".
في مفارقة غير مسبوقة في التاريخ الاقتصادي للندن، حتى وقت السلم، وصل متوسط الأجور الحقيقية في المملكة الى أقل مما كان عليه قبل 1970 عاماً. في معظم المقاييس، تتمتع البلاد بدولة الرفاهية الأكثر محدودية من أي دولة متقدمة، بما في ذلك الولايات المتحدة، والنتيجة هي أن الأسر العاملة تتحمل مخاطر أكثر من أقرانها، وكما وجدت مؤسسة القرار مؤخراً، يواجه الشباب البريطانيون اليوم دفع ضرائب أكثر بكثير مما سيحصلون عليه من حيث المعاشات التقاعدية والمزايا الأخرى. والعكس صحيح بالنسبة للأشخاص الأكبر سناً.
الكاتب: غرفة التحرير