أيام وتجلس "إسرائيل" على طاولة المفاوضات مع الوفد المصري والوساطات الإقليمية، للتوصل إلى صيغة اتفاق بين طرفي الصراع، لكنها هذه المرة دون ان يكون بين يديها أي انجاز تعرضه، بعد ان سحبت حماس منها كل أوراق الضغط التي تفرض بها مطالبها.
استطاعت حماس خلال معركة "سيف القدس" فرض معادلة جديدة، اعترف بها كيان الاحتلال نفسه، لتبلغ بذلك مرحلة جديدة ليس فقط على خط المواجهة بين قطاع غزة و "إسرائيل"، بل على صعيد الساحة الدولية أيضًا، الأمر الذي سينتج عنه فعليًا اعتراف اللاعبين الدوليين بقدرتها ودورها في إدارة الصراع وتسويته.
تساؤلات جديدة طرحت حول شكل العلاقة المستقبلية بين القوى الدولية، وحركة حماس بعد الإنجازات التي تراكمها الأخيرة مع مرور الوقت، خاصة بعد ان كان العديد من الدول وعلى رأسهم الولايات المتحدة قد صنّفتها "منظمة إرهابية"، فحاربتها سياسيًا وعسكريًا وإعلاميًا، وحاصرت قطاع غزة وراقبت كل "المعابر" النافذة إليه، غير أنه بعد ان أثبتت الحركة قدرتها على توظيف قواها العسكرية بما يخدم قضيتها التي تعمل لأجلها، وفرض قواعد اشتباك جديدة عمِل كيان الاحتلال على المحافظة عليها طيلة سنوات، وضعت هذه الدول أمام واقع جديد لا يمكنها انكاره، بل أصبحت مرغمةً على التواصل والتنسيق والتفاوض مع هذا الفاعل الذي ما انفك يثبت قدراته وتأثيره في الساحة الفلسطينية والإقليمية على حد سواء.
حماس تفرض معادلة جديدة
بعد حزب الله في لبنان، اجتازت حركة حماس عتبة جديدة على طريق الاعتراف بدورها وتأثيرها في النظام الدولي، بعدما أثبتت قدرتها على: اتخاذ قرار الحرب، خوض هذه الحرب، ثم تحقيق أهدافها وفرض شروطها.
- اتخاذ قرار الحرب: خلافًا لحرب "العصف المأكول" عام 2014، والتي امتلكت فيها حركة حماس لأول مرة قرار الحرب، فهي قد بادرت إلى معركة "سيف القدس" دون أن تكون ردًّا على اغتيال أحد قادتها أو ضرب إحدى مواقعها العسكرية، كما كان يجري سابقًا. فالحركة هذه المرة بادرت بالهجوم على العمق الاسرائيلي، وربطت الحرب بأهداف محددة وواضحة.
- خوض هذه الحرب: مع نجاح الحركة باستهداف منشآت حيوية واستراتيجية تصل إليها للمرة الأولى، وباستخدام قوة صاروخية لم تكشف عنها من قبل، وإمطار المستوطنات بوابل من الصواريخ أربكت بها القبة الحديدية التي لم تتمكن من اعتراض سوى 30% منها تقريبًا، اثبتت حماس قدرتها ونجاعتها في خوض هذه المعركة وتغيير قواعد الاشتباك.
-فرض شروطها: بعد ترسيخها لمعادلة جديدة تقوم على عدم عزل القطاع عما يجري في المسجد الأقصى، والضفة الغربية، وتأكيدها على شرطين لقبولها اتفاق وقف إطلاق النار، والتي كانت قد أبلغت القيادة الإسرائيلية -عبر الوساطات- انها لن تتراجع عنهما؛ الأول يتمثل بوقف الاعتداءات على المسجد الأقصى والامتناع عن طرد المقدسيين من منازلهم في حي الشيخ جراح، والثاني هو مبادرة "إسرائيل" إلى وقف إطلاق النار، وهذا ما حصل، حيث أعلنت الأخيرة عبر المجلس الوزاري المصغر كبنيت قرار وقف إطلاق النار في مبادرة منها، في حين استمرت المقاومة في إطلاق الصواريخ حتى الساعة 2 من منتصف تلك الليلة.
نقطة تحول جديدة
هذا وستشهد القضية الفلسطينية بالتوازي، نقطة تحول بارزة، بعد تهميش دور السلطة الفلسطينية المرتهنة لحكومة الاحتلال، فحتى ملف التفاوض والمحادثات لم تعد تشكل عليه أي تأثير يذكر، وبالتالي تحوّل مجرى التفاهم حيال الملفات المتعلقة بالشأن الفلسطيني حتى لو بشكل غير مباشر، إلى حركة حماس، فالولايات المتحدة التي قد لا تعترف بها "فاعلا غير رسمي"، إلا انها ستتفاوض معها، عبر وساطات قطرية ومصرية واماراتية.. ولا يمكن القفز إلى استنتاجات تقول "بتشريع دور حماس وقبولها بشكل علني"، بل ان إنكار واقع مفروض بدل التعامل معه، هو عين الفشل.
انتهت المواجهة في غزة بتعزيز دور حركة حماس في الساحة الدولية، ويبدو ذلك جليًا على أكثر من صعيد، الغرب بدوره لم يتخلَّ عن اعتبار حركة حماس "منظمة إرهابية"، لكنه في الوقت نفسه؛ لاحظ متابعون وجود فجوة كبيرة بين موقف الغرب من الحركة في هذه المعركة، وبين موقفه منها في حرب 2014؛ فانعدام التفاف حلفاء "إسرائيل" التاريخيين حول ماكينتها الإعلامية، التي تلخص الحرب بأن "حماس منظمة إرهابية وأن لإسرائيل حق الدفاع عن نفسها" هو خير دليل على ذلك. فقد لوحظ أن مثلًا أعظم الضغوط على إسرائيل قد جاءت من الولايات المتحدة نفسها، واستخدم المسؤولون الأميركيون ولأول مرة عبارات في تصريحاتهم لم تستخدم سابقًا في مثل هذه الحروب، كتصريح وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بأن الفلسطينيين والإسرائيليين "يستحقون تدابير متساوية من الحرية والكرامة والأمن والازدهار" علمًا بأن الإدارة الأميركية نادرًا ما تستخدم كلمة "متساوية" في هذا السياق.
مع كل معركة تخوضها حماس بجناحها العسكري "كتائب القسام" تخرج مع أوراق قوة جديدة تستخدمها لإثبات مكانتها فاعلًا فرض بالقوة ليس فقط أمام "عدوها المباشر إسرائيل" بل ايضًا في وجه داعميه على الساحة الدولية على رأسهم الولايات المتحدة والدول الأوروبية، هذا مع علم كل القوى حقيقة تموضع الحركة في محور المقاومة والذي لن يتوانى عن دعمها بكل الوسائل والأساليب.
الكاتب: غرفة التحرير