أشار استطلاع رأي أُجري أخيراً، إلى ان الرئيس السابق دونالد ترامب هو الخيار الأفضل لحوالي 60% من ناخبي الحزب الجمهوري. هذه الأرقام ان صحت، فهي تشي إلى ان المشهد خلال المرحلة المقبلة لن يكون كما يتمنى صقور الحزب الديموقراطي، خاصة أولئك الذين عوّلوا على اتهام ترامب الجنائي باقتحام مبنى الكونترول، بهدف ازاحته. اذ ان هذه النقطة بالتحديد شكّلت دَفعاً للناخبين المؤيدين له.
ستدخل صورة دونالد ترامب وهو يصرخ بتحدٍ أمام الكاميرا في مكتب مقاطعة فولتون في التاريخ. هكذا تناولت الصحف ووسائل الاعلام الأميركية مشهد احتجاز ترامب وهي الصورة الأولى لرئيس أمريكي سابق، بعد اعتقاله الرابع في خمسة أشهر.
كانت الصورة مصدراً مهماً للمال. استطاع مديرو حملته الانتخابات التسويق لها بحرفية. في غضون ساعات، كان موقع حملته يبيع الأكواب والقمصان ومبردات المشروبات التي تحمل علامة mugshot. في حين رأى جون بولتون، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي في عهد ترامب، إن الصورة من المرجح أن تكون مدبرة بعناية. وقال تعليقاً على ما جرى "أعتقد أنه يقصد أن يكون علامة على الترهيب ضد المدعين العامين والقضاة...كان بإمكانه أن يبتسم. كان يمكن أن يبدو حميداً بدلاً من ان يبدو وكأنه بلطجي".
بالنسبة للناخبين يبدو الأمر مغايراً. حيث يرى الناخبون التمهيديون للحزب الجمهوري بأغلبية ساحقة أن محاكماته الجنائية الأربع تفتقر إلى الجدارة ويقول حوالي النصف إن لوائح الاتهام تغذي دعمهم له.
يقف ترامب اليوم، أمام هجمة شرسة يقودها منافسوه في الحزب الديموقراطي والجمهوري في آن، تهدف للحؤول دون ترشحه. وإذا أراد بالفعل أن يكون على قائمة المرشحين العام المقبل في جميع الولايات ال 50، فقد يضطر أولاً إلى الفوز في معركة غير مسبوقة في قاعة المحكمة حول "بند التمرد" في التعديل رقم 14.
بحسب القانون الأميركي، فإن أي شخص "شارك في التمرد أو التمرد بعد أداء اليمين للدفاع عن الدستور يحظر عليه شغل أي منصب عام". تمت صياغة هذا البند عام 1868 بعد الحرب الأهلية، كان يهدف إلى منع الولايات الجنوبية من انتخاب ضباط الكونفدرالية السابقين للكونغرس. لكن نادراً ما يتم استخدامه أو حتى التلويح به.
يعد هذا البند شيئاً مثيراً للاهتمام لدى المناهضين لترامب المتهم بتقويض انتخابات 2020 ودوره في تأجيج الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 كانون الثاني/ يناير عام 2021. بالتالي، إمكانية استبعاده من شغل منصبه مرة أخرى.
لتطبيق هذا البند، يجب اللجوء إلى إحدى طريقتين: إما قيام الجماعات الضاغطة والناخبين المعارضين له برفع دعوى قضائية تقضي بمنع ترامب من الترشح. وهذا ما حصل بالفعل في ولاية فلوريدا، لكنها لا زالت مبادرة خجولة لم تلق الدعم الكافي بعد. والخيار الآخر، ان تقدم إحدى الولايات أو أكثر، على رفض ان يدرج اسم ترامب على بطاقات الاقتراع الخاصة بها. وهو السيناريو الأصعب بالنسبة لترامب، اذ انه سيكون أمام جولة قضائية جديدة لاستعادة إمكانية ترشحه، وهذا ما لم يحدث إلى حد الآن، على الرغم من المعارضة الشديدة له.
يمكن لأي من السيناريوهين أن يجبر المحكمة العليا، على الدخول بنقاش غير محسوم حول معنى بند التمرد، يقابله نقاش آخر حول جدوى تطبيقه في الوقت الراهن ضد ترامب وهو ما قد يتسبب، بدوره، بأزمة سياسية محفوفة بالمخاطر على ضوء التجييش الذي يمارسه كلا الحزبين، وتزداد وتيرته كلما اقترب الاستحقاق الرئاسي.
بالنسبة لمرشحي الحزب الديموقراطي، فإن معركتهم الانتخابية مع ترامب لن يحسمها النزال الحاصل في المحاكم، بل بميل الناخبين وموقفهم من عدد من القضايا كالإجهاض والدعم الاجتماعي والمخدرات والمهاجرين وغيرها وقد أثبت بالفعل خلال فترة ولايته وما يليها، تعصبه "للأمة الأميركية" وهو ما يروق لكثير من الناخبين.
أما المعركة الداخلية الكبرى داخل الحزب الجمهوري، فعلى ما يبدو ان ترامب لا يزال يمسك بخيوط اللعبة بشكل جيد. ففي الوقت الذي كان المنافسون داخل الحزب يجتهدون في المناظرات على شاشة التلفزة، كان خبر احتجاز ترامب يطغى على كل جهودهم بالسيطرة، خاصة وان الحملة الاعلانية المرافقة للحملة الانتخابية آخذة بالازدهار وقد بدأت تجني أرباحاً، كانت الصورة بمفردها مصدراً مهماً لها.
في الواقع، يرى ترامب في كونه هدفاً لهيئات محلفين كبرى (في المحكمة العليا) الطريق الأفضل نحو السيطرة على الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري من ان يلجأ لأداء المناظرات أو تقديم الوعود ببناء أوسع تحالف سياسي.