تتجاذب السويداء عاصمة الدروز في سوريا منذ أشهر عدة اتجاهات يمكن اعتبارها دليلاً على مستوى التعدد السياسي في المحافظة التي رفض معظم أبناؤها تقريباً الانخراط في الحرب الأهلية السورية. فباستثناء تشكيل قوات الحمزة الذي ضم معظم العسكريين المنشقين عن الدولة والذين لم يتعد عديده الـ 500 في كل فروع القوات المسلحة والذي بينت الوثائق بعد دخول الدولة السورية إلى محافظة درعا المتاخمة لمحافظة السويداء أن تشكيل الحمزة لم يكن " سويداوياً أصيلاً " بل كان " درعاوياً " تدخلت في تأسيسه بعض القيادات الدرزية في لبنان وفلسطين المحسوبة على الخطين الامريكي والصهيوني. تم التعامل سريعاً مع هذه التشكيل المسلح بعد تفاهمه مع جبهة النصرة حديثة التأسيس آنذاك بتحريك الوضع في السويداء إلى أن التحرك أجهض وتمت تصفية قياداته وطرد جماعة النصرة في النصف الثاني من شهر كانون الثاني 2013. ونتج عن انفراط عقد تشكيل الحمزة قيام حركة "رجال الكرامة" التي تأسّست في نهاية عام 2013 من قبل مجموعة من رجال الدين في بلدة المزرعة، والذين اختاروا الشيخ وحيد البلعوس قائداً للحركة. وخلال السنوات 2013 – 2023 عقدت الدولة مع مشايخ المحافظة تفاهمات أبعدت المحافظة عن الحرب الاهلية السورية.
وفي هذه المادة من إنتاج مركز دراسات غرب آسيا، متابعة للوضع في السويداء يتضمن أهداف الوقفات الاحتجاجية المتكررة ودور النخب والمثقفين فيها:
هجوم داعش التعرضي يقلب المعادلات في محافظة السويداء من جديد
إن قيام تنظيم داعش عام 2019 بشن عملية تعرض كبيرة نفذها 250 مسلحاً طالت 9 قرى وبلدات قام فيها الدواعش بالقتل والتفجير والسلب واختطفوا عشرات النساء الدرزيات وعرضوا إطلاقهم لقاء إطلاق سراح بعض المعتقلين في سجون الدولة السورية مقابل إطلاق النساء. كما طلب الدواعش فدية مالية عن كل امرأة أو طفل جرى اختطافهما في الهجوم. تسبب هذا الهجوم بتداعيات أمنية واجتماعية كبيرة في المحافظة وخرجت دعوات للأمن الذاتي، وهذا ما أعاد النظام السوري قولبته على شكل قوات دفاع وطني رديفة للجيش تقوم بحماية المحافظة وأماكن انتشار الدروز وسمحت وزارة الدفاع بأن يكون معظم المتطوعين من أبناء السويداء.
أهداف الوقفات الاحتجاجية المتكررة منذ العام 2020
صيف العام 2020، أعاد الدروز وقفاتهم الاحتجاجية مطالبين بتقليص الضغوط الاقتصادية والأمنية على أبناء السويداء. هذه المرة ظهر أن الحراك اختلف عن التحركات التي سبقته. فإضافة للعامل السويداني دخلت مشيختا عقل فلسطين ولبنان وفعاليات الدروز في لبنان وفلسطين على خط المزايدة على مطالب المحافظة الدرزية السورية، كما خرجت دعوات مقربة من الديوان الملكي الاردني تطالب بخلق نوع من الحكم الذاتي في المحافظات السورية الجنوبية وخاصة "محافظة الاقليات – السويداء". تدخل الروس وقاموا بالوساطة التي أعادت تطبيع الأوضاع إلا أن النار بقيت تحت الرماد، حيث تبين أن شخصيات وفعاليات درزية مهاجرة في تركيا واوروبا وامريكا أخذت تستدرج عروض حماية للمحافظة ومؤخراً حاولت المجموعة الدرزية الاردنية أن تعرض على الملك عبد الله الثاني توقيع معاهدة حماية أسموها "ميثاق شرف" بين دروز السويداء والمملكة الاردنية الهاشمية تصبح فيها محافظة السويداء تحت الوصاية الاردنية إلا أن من قدموا هذا الاقتراح كانوا مجموعات بدون أي تمثيل على المستوى الداخلي السوري.
مشاركة النخب والمثقفين
في الأشهر الثلاثة الأخيرة واستمراراً لهبة الشتاء الماضي، أعاد الدروز تحركهم مرة سادسة وقد ضمّ مجموعات من الشبان والشابات والمثقفين ورجال الدين وموظفي القطاع العام الدروز، دعمًا للحراك المطلبي في درعا والحسكة وحمص ودير الزور في ظل اشتداد الحصار الامريكي والغربي على الدولة السورية واستمرار الامريكيين في نهب ثروات سوريا النفطية وغلالها الوفيرة من القمح والشعير والذرة فضلاً عن الضغط والمضاربة على العملة المحلية ورفع الدولار إلى مستويات قياسية حيث ارتفع الدولار إلى أكثر من 300 ضعف عما كان في سنتي الحرب الافتتاحيتين.
الحراك الأخير هو حراك شعبي مدني حتى الآن يقوم به الشباب المثقف الدرزي بمعاونة رجال الدين، إلا أنه ليس حراكًا مطلبيًّا بالمطلق؛ إذ لا يمكن عزله عن المسار العام الذي يتراكم لأشهر، على مستوى عمل الأمريكي معهم، والإجراءات التي يقوم بها حزب اللواء؛ التواصل الذي يجري بينهم وبين قسد. قام حزب اللواء السوري في 19 من تموز الماضي بتأسيس مؤسسات خدمية بديلة عن التابعة للنظام السوري (مكتب العمل والبلديات، مكتب خدمات المياه، ومكتب التدخل الطبي السريع، فريق الدفاع المدني)، وذلك أسوة بمناطق شمال شرقي سوريا الخاصة التي يغلب عليها الطابع "الكردي"، قد يكون فيه مؤشر جديد على رغبته بتأسيس إدارة ذاتية مستقلة خاصة بالمكون الدرزي. لكن حتى الآن حزب اللواء عمله خدماتي بعد عدم نجاح مشروعه العسكري المتمثل بـ قوة مكافحة الإرهاب، التي تعرضت لضربة موجعة في حزيران/ يونيو 2022 إثر حملة أمنية نفذها النظام السوري ضدها، نتج عنها مقتل قائدها الفعلي سامر الحكيم، بالإضافة إلى انفكاك كتل عديدة عن القوة.
من جهة معينة هي حركة مطلبية، ولكن توضع بسياق، وهناك امكانية لأن توضع بسياق أوسع من ذلك، بدليل مشاركة شيخ عقل الطائفة الدرزية حمود حناوي في التظاهرات والبيان الذي أطلقه دعما للمطالب المحقة وبيان شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين الشيخ حكمت الهجري الشديد اللهجة ضد النظام، وتراكم السياقات التي تزامنت: الحديث في مجلس الأمن الدولي 2254؛ ذكر درعا والسويداء بشكل أساسي؛ الوفد الدرزي الذي ذهب إلى الأردن، وطلب الحماية؛ الوضع داخل المحافظة محتقن، وهذه قد تكون الإشارة الأساسية لصفحة جديدة، لتطوّر الحراك إلى منحى آخر.
لقد سمح هذا الحراك لأطراف خارج السويداء باستثماره اعلامياً ضد الحكومة السورية وعلى رأس هذه القوة المستثمرة والمضخمة تقف قطر وكيان العدو إلا أن الواقع مختلف تماماً عما تحاول الغرف السوداء تسويقه. وحتى الدعوات بإطاحة النظام السوري وطرد إيران وروسيا وحلفائهما تبين أنها دعوات مررت في الخطاب الذي اعتمدته الغرف السوداء. لكن حزب اللواء السوري يشارك في الاحتجاجات ويدعمها ويعمل على تأجيجها أيضًا ويطالب برحيل النظام وكذلك الدعوات في درعا، فالاحتجاجات تتسع في السويداء وامتدت إلى درعا وإدلب، وتم تفجير عبوة ناسفة قرب سرية الدرعية العسكرية، بالقرب من قرية المعلقة في ريف محافظة القنيطرة، ما أسفر عن مقتل عسكريين للنظام. ومع استمرار الإضراب العام في السويداء، يتم قطع طريق "دمشق - السويداء" بشكل جزئي، ويُسمح بالمرور للحالات الإسعافية والطارئة.
يبقى ختاماً أن عديد المحتجين في السويداء لم يتعدَّ بعد في كل المحافظة 5 آلاف محتج منهم 1500 ثابتون في ساحة " الكرامة" في مدينة السويداء ولم يظهر السلاح أبداً في الحراك الأخير رغم قطع الطرقات واحتلال المقرات الحزبية والرسمية السورية. ومع ذلك فالعدد في السويداء في حال كان هذا الرقم دقيقاً، -وقد لا يكون كذلك- إذا أرادوا إغلاق الإدارات وغيرها مع تغطية المشايخ فهو محدود حتى الآن.
مع العلم، الدروز يفاوضون الدولة، ثمة بعض المطالب مثل الكهرباء يحاولون تيسيرها لهم، وقد لا يكمل الدروز إلى النهاية في حال تمت الاستجابة، أو إذ تصدّى أحدهم إلى إشعال الوضع ككل، أضف إلى ذلك العوامل على الأرض التي تمنع تمدّد هذا الأمر، أي خلطة الأوراق الموجودة. وعليه، ففي ظل غياب السلاح فإن الحراك الأخير يشبه الحراكات السلمية التي سبقته وحتى الآن لا يهدد هذا الحراك شيئاً على مستوى الجغرافيا السورية. إلا أن إعادة كرة العام 2013 بإدخال سلاح ومسلحين غرباء إلى المحافظة يعني محرقة لكل المحافظة وهذا ما يتنبه له عقلاء السويداء ولم يسمحوا له أن يمر حتى الآن.
خلاصة واستنتاج:
المصدر: مركز دراسات غرب آسيا