في العام الماضي، بقي قرار مجلس الأمن فيما يخصّ حركة اليونيفيل حبرًا على ورق، والسبب هو عجز الكيان ومن خلفه الدول الغربية المشاركة في صنع القرار عن عكس معادلة الردع التي ثبّتها حزب الله على الحدود، والتي انتقلت من المعارك العسكرية إلى المعارك الدبلوماسية. ثمة خطة غربية تعتمد الاستراتيجية التقليدية التي طالما مارسها الدبلوماسيون الغربيون مع العرب، وهي "فن الغموض" في صياغة الاتفاقيات، فعندما يكون القرار مبهمًا في تفاصيله، يمكن عندئذٍ التحرّك ضمنه في فنّ الممكن، بما يتناسب مع المصالح المرجوة. وهو الأمر الذي يحاول هؤلاء تضمينه في مسألة التنسيق بين القوات الدولية والحكومة اللبنانية في القرار المكتوب، بحيث لا يكون فيه إشارة مباشرة إلى أنّ حركة القوات التابعة للأمم المتحدة يجب أن تكون منسّقة مسبقًا مع الجيش اللبناني.
وتجري المعركة الدبلوماسية بالتنسيق التام بين الحكومة اللبنانية ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري وحزب الله، بمشاركة قيادة الجيش اللبناني. وهي معركة يخوضها لبنان مع الكيان المؤقت "وجهًا لوجه" كما عبرت قناة كان العبرية. ويحاول الطرفان التأثير فيها حتى اللحظة الأخيرة.
عاموس هوكشتاين الذي نعرفه من مفاوضات حلّ النزاع البحري بين الطرفين ذاتهما، عاد إلى الصورة من الحدود البرية هذه المرة، حيث كادت خيمة لحزب الله أن تشعل حربًا من مزارع شبعا، لولا أن وعى الإسرائيلي أنه "لا توجد خيمة في العالم تستحق البدء بحرب"، وهي الخيمة التي نصبها حزب الله ردًا على إقامة سور حول قرية الغجر يدخل الأراضي اللبناني. وفي الوقت الذي أبلغ فيه وزير أمن الاحتلال يوآف غالانت لأمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بأنه "طالما الخيمة ما زالت في مكانها لا يوجد ما يمكن الحديث عنه بشأن المفاوضات على الحدود البرية"، أشار رئيس أركان الاحتلال دان حالوتس أنّ "ادّعاء اللبنانيين محقّ"، خاصة أن جيش الاحتلال أقرّ بأن السور قد دخل الأراضي اللبنانية. لكنه اعتبر أن معالجة مسألة خيمة حزب الله بعد مرور ثلاثة أشهر "كما لو أنك تستدعي شيئًا يمكن أن يخرج عن السيطرة".
تحدَّثت قناة "كان" عن تفاصيل إضافية حول اللقاء الذي عقده غالانت، مع غوتيريش، في نيويورك، عشية التمديد لقوات "اليونيفيل" في جنوب لبنان. وقالت القناة إن غالانت عرض أمرين بشكل خاص أمام غوتيريش، هما موضوع انتشار "قوة الرضوان" التابعة لحزب الله بالقرب من الحدود، لناحية المواقع والأعداد الدقيقة؛ والتدخل الإيراني الذي يشجع ويحاول إشعال النيران، ودفع حزب الله إلى شد الحبل أكثر من خلال فرضية أن الأمر ما زال تحت سقف التصعيد، أو سقف الحرب، من الجانب الإسرائيلي. وكان غالانت أعلن أنه ناقش مع غوتيريش، مواضيع رئيسة في المجالات الأمنية، في مقدمها "الاحتكاك على الحدود مع لبنان... حيث تعهد الأمين العام للأمم المتحدة بفعل ما يمكنه من أجل المساعدة في هذه النقطة". وقال غالانت: "نحن نعرف كيفية الدفاع عن أنفسنا بأنفسنا، في أي حال، لكننا غير معنيين بالوصول إلى الاحتكاك".
هوكشتاين الذي وصل إلى بيروت في 30 آب 2023، لمتابعة بدء عمليات التنقيب في البلوك رقم 9، عرض إدارة وساطة جديدة تستهدف إنهاء ملف الحدود البرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، وكان وزير أركان الاحتلال حالوتس قد صرّح بأنّ هذا الملف يجب حلّه "بوساطة هوكشتاين الذي عالج موضوع حقول الغاز". وكانت سفارة الولايات المتحدة الأميركية قد أعلنت في بيان أن هوكشتاين يزور لبنان من 30 إلى 31 آب، لمتابعة اتفاق الحدود البحرية التاريخي الذي جرى التوصل اليه في تشرين الأول 2022. وسوف يبحث أيضًا في المجالات ذات الاهتمام المشترك والإقليمي". كما أكّد موقع إكسيوس عن مصادر أمريكية وإسرائيلية، بأن الرجل سيعمل على تهدئة التوترات على الحدود.
وربطًا بمهمة اليونيفيل، يبدو أن هوكشتاين عازم على صياغة تفويض جديد لقوات اليونيفيل التابعة للأمم المتحدة، يحتوي على مراوغة خطابية جديدة لحفظ حرية حركة اليونيفيل، ومنحه سلطات تمكّنه من الوصول إلى المناطق الحساسة على طول الخط الأزرق. وهو الأمر الذي ينظر إليه حزب الله على أنه خدمة للعدو الإسرائيلي، ولم يسمح به سابقًا على الرغم من إقراره في الاتفاقيات، ولن يسمح باتفاقيات جديدة تقرّه أصلًا بعد اليوم.
الكاتب: زينب عقيل