أ
أورد الكاتب التركي، ياسين أقتاي، أحد قياديي "حزب العدالة والتنمية" في مقالة بعنوان "اللغة التي يستحقّها الأسد"، في صحيفة "يني شفق" بتاريخ 14/8/2023، بأن «على تركيا أن تبدأ بالمطالبة بإقامة مناطق آمنة وأن تضع حلب وحتى حمص وحماه تحت إشرافها (أو تحت إشراف الأمم المتحدة)»، على حدّ تعبيره. حول هذا الموضوع بالذات، استطلع مركز دراسات غرب آسيا آراء بعض الباحثين الخبراء في الشأن التركي السوري: دكتورة هدى رزق، دكتور محمد نور الدين، والأستاذ محمد سويدان. وفي حين لا يستبعد الدكتور نور الدين الطرح، تنفيه الدكتورة رزق بالمطلق، ويستبعده الأستاذ سويدان.
1-في مؤشرات الطرح
رأى الدكتور نور الدين وجود معطيات قد تكون بمثابة مؤشرات على هذا الطرح، من قبيل تصريحات الرئيس الأسد حول مسار المفاوضات مع تركيا وردود الفعل الرسمية والصحافية التركية عليها؛ تسخين الجبهة بين المسلحين والجيش السوري؛ والغارات الروسية على هؤلاء في منطقة إدلب؛ وهجمات داعش في البادية، لتاتي هذه الكتابات الصحافية بعدها. الأمر الذي يدفع الدكتور ليسأل ويجيب: "هل من احتمالات للتوسع؟ كل شيء يمكن حدوثه".
تنطلق رؤية الدكتورة رزق في استبعاد الطرح من معطيات عدة وافية الشرح:
- الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أصدر تعليمات بتشكيل آلية ثلاثية لتحفيز عودة اللاجئين السوريين في تركيا إلى بلدهم تتمثل بكل من وزارة الداخلية، وحزب العدالة والتنمية وكتلته النيابية في البرلمان. الكلام ليس جديدًا. تركيا طرحت العودة الطوعية للسوريين وكانت قد طرحت مشاريع إسكان بتمويل قطري وتمويل دولي.
- حزب العدالة والتنمية يريد عودة السوريين كما وعد الأتراك، وهو مصر على تنفيذ وعده وهو يحضر للانتخابات البلدية. أردوغان وحزب العدالة والتنمية يعتبرون أن خسارة اسطنبول في الانتخابات البلدية والرئاسية كانت بسبب اللاجئين السوريين بعد مراجعة الفترة الماضية.
- وفقًا لخارطة الطريق التي وضعتها تركيا وسلمت الى روسيا، من المقرر حسب الخطة المقترحة إعادة الحياة الاقتصادية والتجارية في شمالي سوريا، والسماح لرجال الأعمال بمن فيهم الأتراك بافتتاح منشآت ومصانع هناك، لخلق فرص عمل، وذلك لتأمين الشروط لعودة مئات آلاف من اللاجئين السوريين لبلادهم. "أحد أبرز الجوانب الهامة في خارطة الطريق هذه، هو وضع حلب، العاصمة الاقتصادية لسوريا، في قلب هذه الخطة، عبر إحيائها اجتماعيًّا وتجاريًّا". تريد أنقرة مواصلة مباحثاتها مع الروسي والسوري والايراني لضم حلب إلى خارطة الطريق. الأتراك سابقًا ركزوا على المساكن للعودة والخدمات والتعليم والطبابة والآن التركيز يجري على إحياء فرص العمل.
- الاتفاق السياسي يجب أن يكون مع الدولة السورية ومن دونه لن يكون هناك عودة إلى حلب، لكن تركيا تضع الأمر اولوية قبل الانتخابات البلدية. عقبات كثيرة تعترض المشروع؛ لا يمكن أن يتحقق من دون تطبيع العلاقات بوساطة روسية وايرانية.
- لا أعتقد ان هناك عودة عسكرية تركية الى حلب أو حماه أو حمص. يمكن لتركيا إعمار بيوت للسوريين في المناطق التي تمون فيها على بعض المسلحين المنضويين تحت سلطتها، لكن موضوع حلب بحاجة كما قلت الى تفاهمات وهناك صعوبة الآن في ظل البرودة التي تسود العلاقة الروسية التركية مع أنه يجري الحديث عن اجتماع ثلاثي روسي ايراني تركي.
- وزير الدفاع التركي، يشار غولر، رد على مقابلة الرئيس الاسد على قناة سكاي نيوز حول الانسحاب التركي من الشمال السوري بالقول إنه يستحيل انسحاب قوات بلاده من الشمال السوري، معربًا عن اعتقاده بأن الرئيس بشار الأسد سيتصرّف بعقلانية أكثر في هذا الخصوص، وأن بلاده حريصة على تحقيق السلام في سوريا، مبينًا أن الطريق إلى ذلك يمر عبر صياغة واعتماد دستور جديد. كما وصف انسحاب القوات التركية من الشمال السوري قبل تأمين الحدود بـ "غير المعقول".
من جهته، نفى الباحث الأستاذ محمد سويدان وجود مؤشرات حتى اللحظة، تدعم الطرح المذكور، وذلك للأسباب التالية:
- رغم فشل التوافق التركي السوري حتى اللحظة، إلا أن المصلحة التركية تقتضي الابتعاد عن أي معركة واسعة في المرحلة الحالية، خاصة أن موعد الانتخابات البلدية في تركيا يقترب.
- لم يلاحظ تكثيف الوجود العسكري التركي في شمال سوريا بما ينذر بأن عملًا عسكريًّا واسعًا قيد التحضير.
- من خلال مراقبة أداء الحكومة التركية الجديدة، يمكن القول إن التوجه التركي هو تثبيت ما أنجزته أنقرة خلال السنوات الماضية بأقل الكلف الممكنة دون الدخول في معركة جديدة.
2-تداعيات السيناريو، على افتراض صحته، على سوريا
يصف الدكتور نور الدين الطرح بالخطير في مرحلة الأزمة الاقتصادية الخانقة، وأن فصلًا جديدًا من الحرب أو الضغوط على سوريا في الأفق.
وفي حين يجدد الأستاذ سويدان استبعاد الطرح بشكل كبير، يعتقد أنه على افتراض حصوله سيؤدّي إلى إعادة التوتر في أجزاء كبيرة من البلاد، وهو ما سينهي فعليًّا أي تقارب عربي سوري وسيزيد من قدرة واشنطن على منع حصول أي تسوية لا تكون هي شريكة فيها. فروسيا وإيران وحلفاؤها لن تترك الميدان دون معركة وهو ما قد يؤدّي إلى تفجير الأوضاع في الشمال السوري.
3-الآثار المترتبة على تركيا والأثمان المقبوضة
ينطلق الدكتور نور الدين من اعتقاد أنقرة بتفوق الوضع التركي، لكن المخاطر في أن تغير روسيا موقفها من تركيا وتربك الجيش التركي. وبالمقابل، تركيا قد تستند الى دعم أميركي يسمح لأنقرة أن تتوغل وتحتل مناطق منبج وتل رفعت في مرحلة أولى.
يحدد الأستاذ سويدان ثلاثة آثار:
- توتير العلاقة مع روسيا التي قد تقوم بإجراءات مضادة تنعكس سلبًا على الاقتصاد التركي، مثل تخفيف عدد السيّاح الروس الذاهبين إلى تركيا (روسيا هي ثاني أكثر دولة يذهب مواطنوها إلى تركيا).
- ستحقق الحكومة التركية مكسب إرضاء القوميين في الداخل التركي بسبب استهدافها للأكراد.
- هكذا خطوة سترضي واشنطن التي تسعى لتوتير الساحة السورية، وبالتالي ستكون الولايات المتحدة جاهزة لإعطاء أردوغان بعض المكاسب مقابل هذه الخطوة.
4-ردة فعل الجماعات الإرهابية في الشمال السوري
لا يجد الدكتور نور الدين مشكلة لدى الجماعات الإرهابية المعارضة في شمالي سوريا، إذ وعلى رغم التباينات الظاهرية إلا أنّ بعضها يأتمر بأنقرة والبعض الآخر بواشنطن. والآن التقارب التركي الأميركي قائم وستلتزم تلك الجماعات بما تراه تركيا أولًا وواشنطن ثانيًا.
كذلك، يرى الأستاذ سويدان أن هذا الأمر يعتمد على المعركة التي ستحصل والمناطق التي ستحصل فيها المعارك. بشكل عام أي عمل عسكري يستهدف مناطق تواجد السلطة السورية ستلاقي تجاوبًا من الجماعات الإرهابية، خاصة إذا كانت المعارك بالتنسيق مع واشنطن.
5-دور الحكومة السورية المؤقتة ومصيرها
يرى الدكتور نور الدين أن التصعيد التركي إذا حصل قد يكون وسيلة للضغط على دمشق للسير بحل سلمي؛ أحد طرفيه الحكومة، ولكن هذا غير وارد لدى دمشق.
أما الأستاذ سويدان، فيجد أن مصير الحكومة السورية المؤقتة سيكون مثل مصير أي طرف يتعاون مع الغرب لتحقيق مصالح تكتيكية. لا تبني تركيا ولا الغرب رؤيتها الاستراتيجية بناء على هكذا كيانات. دخول تركيا بشكل أكبر إلى المناطق السورية سيزيد من حضور الحكومة السورية المؤقتة ولكنه سيكون وقتيًّا فقط، فأنقرة تعلم جيدًا أن حل الصراع في النهاية سيتطلّب التوافق مع سلطة دمشق.
6-تقييم الطرح
الدكتور نور الدين: الطرح يأتي كما لو أن الحرب لا تزال في بدايتها وأن حلب لم تتحرر، وقد يكون ذلك تكرارًا للأوهام نفسها أو مجرد ضغط لتبرير إسكان تركيا لجزء من اللاجئين في الشمال الغربي المحتل في سياق التغيير الديموغرافي الذي تقوم به تركيا وقطر، خصوصا أن محور المقاومة وللأسف لم يبدِ أي رغبة في التصعيد مع تركيا.
الدكتورة هدى رزق: طرح إشراف الأمم المتحدة بحاجة لموافقة روسيا والصين وهو أساسًا غير مطروح. أما المنطقة الآمنة فلم تنل موافقة دولية لذلك ليس هناك أي دليل على أي هجوم لاحتلال حلب وحماه وحمص حتى كلام ياسين اقتاي وهو لا صفة له يأتي في إطار رد الفعل على مقابلة الاسد واجاباته حول لقاء أردوغان.
الأستاذ محمد سويدان: من الصعب أن يذهب أردوغان بعيدًا في أي معركة في سوريا، خاصة أن الموضوع مستفز جداً لروسيا. حجم المصالح المشتركة الروسية التركية ستبقى عاملًا رادعًا لأي موقف تركي في الأزمة السورية. منطلقات أردوغان في اتخاذ أي قرار حول سوريا تصب في خانة حماية الأمن القومي، وهو بالتالي سيفضّل القيام بعمليات أمنية وضربات موضعية بدل العمل العسكري الموسّع الذي قد ينعكس سلبًا على الداخل التركي، وهذا آخر ما يريده أردوغان قبل الانتخابات البلدية المقبلة في آذار 2024.
كما أن نشر قوات تابعة للأمم المتحدة أمر غير منطقي إذ أنه سيتطلب موافقة روسية وصينية، وهو مستبعد. أما نشر قوات دولية، دون موافقة روسيا، سيعني تصعيد الساحة السورية وهو ما لا يريده الجميع حاليًّا. تريد واشنطن توتير الوضع في الساحة السورية لمنع أي تسوية، ولكن دون الوصول إلى انفجار وهو ما يعني أن سيناريو بهذا الحجم مستبعد جدًّا.
المصدر: مركز دراسات غرب آسيا