تختلف دوافع التقارب وأهدافه بين السعودية وإيران، إلا أن الإرادة السياسية واحدة، وهي تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية وتجاوز المشكلات لا سيما الأمنية. راهن الكثير من المحللين والمراقبين في الفترة الأخيرة على أن هذا الاتفاق لن يستمر، ذلك أن مجموعة من التحديات الإقليمية والدولية وضعت هذه المصالحة تحت الاختبار.
دلالات الزيارة في ظل الظروف الإقليمية والدولية
على المستوى الإقليمي، وبالرغم من أن قضيتي حقل آرش /الدرة مع الكويت، والجزر الثلاث مع الإمارات، هي قضايا عالقة بين إيران وجيرانها منذ عهد الشاه، إلا أن التوتّر في التصريحات قد عاد للظهور. كما أنّ الملفات الإقليمية الخاصة باليمن وسوريا ولبنان والعراق، والتي رفضت إيران التحدث بها خلال المحادثات في مسقط وبغداد التي سبقت المصالحة الصينية، جلّها لم ينعكس عليه آثار المصالحة بعد، على الرغم من أن التوقعات بشأن الانفراجات في هذه الملفات قد تصدّرت النتائج المرتقبة للتطبيع الإيراني السعودي.
أما على المستوى الدولي، فإن إعادة الانتشار الأمريكي بحوالي 3000 جندي وسفينتين للأسطول الخامس الأمريكي الذي ينتشر فوق 2.5 مليون ميل مربع من المساحة المائية الممتدة من قناة السويس إلى المحيط الهندي، والتوافق الأمريكي السعودي على هذا الانتشار، بالإضافة إلى عودة الحديث في ملف التطبيع السعودي الأمريكي، كل ذلك وضع مسار إعادة بناء الثقة بين الطرفين على طريقٍ صحيحٌ أنها متعرجةـ إلا أنها أوصلت السفير السعودي إلى إيران، وجاءت بالسفير الإيراني إلى السعودية، وقد أوصله وزير الخارجية الإيراني بيده.
تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية
وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان وصل إلى السعودية رفقة السفير الجديد رضا عنايتي على رأس وفد اقتصادي رفيع المستوى. الجدير ذكره، وله دلالة رمزية هو أنه قبل زيارة عبد اللهيان إلى المملكة كانت الرياض قد دعت وزير الاقتصاد الإيراني إحسان خندوزي، ما يعني الكثير بلحاظ البروتوكولات الرسمية بين الدول. تتضّح هذه الرمزية أكثر في التصريحات التي وردت عن وزير الخارجية السعودي ونظيره الإيراني عن أهمية تفعيل وتطوير العلاقات الاقتصادية ذات المشاريع الكبرى من استثمارات داخل السعودية وإيران، خاصة أن المباحثات في بكين قد أوصت بتفعيل الاتفاق العام للتعاون الاقتصادي التجاري المبرم عام 1998، وتنص هذه الاتفاقية التي تتكون من مقدمة و8 مواد، على تعاون البلدين في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والعلمية والتقنية والثقافية والرياضية والشبابية.
حجم التبادل التجاري بين إيران والسعودية في الوقت الراهن، لا يكاد يذكر، حيث نُقل عن المتحدث السابق باسم الجمارك الإيرانية روح الله لطيفي، أنه لم يتجاوز 15 مليون دولار خلال الشهور الـ11 الماضية. ويضيف لطيفي أنّ هذا الرقم هو حجم الصادرات الإيرانية إلى السعودية، لكن في المقابل، لم يكن هناك تصدير سعودي إلى إيران، مشيراً إلى أنّ الصادرات الإيرانية كانت الفولاذ والحديد والقليل من الزعفران والزجاج وماء الورد. غير أنّ السعودية كانت لها "استثمارات جيدة" في الماضي بالصناعات الغذائية الإيرانية.
لم يتم الإفصاح عن حجم الاتفاقات الموقعة لحجم المشاريع الاقتصادية بين البلدين في هذه الزيارة. إلا أنه من المتوقع أنه فضلًا عن قطاع السياحة يمكن للسعودية أن تستثمر في قطاعات اقتصادية رابحة في إيران، وبالنسبة لإيران ثمة مشروعان اثنان كبيران لدى السعودية هما رؤية 2030، ومدينة نيوم الصناعية الذكية، حيث تطمح السعودية في توظيف ونقل التقنية من الشبكات البحثية العلمية الإيرانية إلى هذه المدينة الذكية.
التعاون على المستويين السياسي والأمني
في ضوء ما هو معلن من أجندة الزيارة، يأتي تفعيل ما تمّ التوافق عليه مسبقًا من اتفاقيات. وهذا التفعيل إن دلّ على شيء فإنه يدلّ على أن البلدين قد تجاوزا مرحلة جسّ النبض، وقراءة كل طرف لخيارات الطرف الثاني، وكيفية تفاعل كل طرف مع السياسات المزعزعة للأمن الإقليمي. خاصة أن الاستقرار الإقليمي هو جوهر ولبّ ما هو منتظر من عودة العلاقات وحالة التقارب الحالية. وهي مقدمة لتحقيق نوع من التكامل يتطلّب إسقاط تام لخيار ضرب الاستقرار داخل الدول والوفاء بالالتزامات لناحية كبح جماح التدخلات الخارجية وبخاصة إسرائيل التي تسعى بكل جهودها لضرب أي تقارب خليجي إيراني ومن خلفها الولايات المتحدة. وهو ما دفع وزير الخارجية الإيراني بطرح مشروع تشكيل مجلس الحوار والتعاون الإقليمي.
هذا المشروع طرحه عبداللهيان عندما زار أربع عواصم خليجية وهي الكويت والدوحة والإمارات ومسقط وعمان. بهدف منع التشويش على العلاقات بين دول المنطقة، بسبب التدخل الأمريكي والضغط الإسرائيلي. وبهدف درء التدخل الأجنبي تمّ عقد جلستين في أروقة الأمم المتحدة بين إيران والعراق والدول الستة في مجلس التعاون الخليجي وحظيت بموافقة هذه الدول على أمل أن تتحول إلى منظمة مؤسساتية رسمية لها أمانة عامة ودستور وبرامج تعالج القضايا الخلافية وكل ما يمكن ان تأتي به الولايات المتحدة وحلفاؤها وما يمكن أن ينجم من سوء تفاهم بين هذه الدول.
المصالحة ثابتة على أرض صلبة
إذًا، تأتي هذه الزيارة لتؤكّد أن ثمة ثقة بين الحكومتين في أن المصالحة الإيرانية السعودية تقف على أرض صلبة، في وجه التفاصيل التي يكمن في الشيطان الأمريكي والإسرائيلي. وأن المسار منذ إعلان المصالحة في بكين مفتوح الأفق نحو المزيد من الترابط والتعاون بين الجيران من دول المنطقة. كما يتم التعويل على الاقتصاد لخفض التوترات الثنائية والإقليمية بل من شأنه أن يرقى بالعلاقات إلى مستوى التعاون الإقليمي والدولي، خاصة أن إيران والسعودية كلاهما شركاء في الأوبك.
الكاتب: غرفة التحرير