في زيارة مفاجئة، أسكتت كل الأصوات المتشكّكة والمغرضة، التي حاولت منذ الأيام التشويش على التشييع المليوني الذي شارك فيه الشعب الإيراني احتفاءً بالشهيد الرئيس إبراهيم رئيسي، من خلال التصويب على غيابه عن التشييع. زار الرئيس السوري بشار الأسد الجمهورية الإسلامية في إيران، قبل ظهر الخميس (30/05/2024)، في إطار تقديمه التعازي لقائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي وللرئيس المؤقت لإيران محمد مخبر، بشهادة السيد رئيسي ورفاقه.
وبالتأكيد، لم تكن هذه الزيارة في إطار الشكليات وما يشبه ذلك، خاصةً في ظل ما تشهده منطقة غربي آسيا، من معركة طوفان الأقصى، التي تخوضها المقاومة الفلسطينية ومن خلفها محور المقاومة، بمواجهة الكيان المؤقت ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية وسائر دور المعسكر الغربي ومن يتبع لهم من دول.
فالجمهورية الإسلامية وسوريا بما تمثلانه من دول ركنية في هذا المحور، معنيتان بالتخطيط والتنسيق للمرحلة القادمة، بما يحقق انتصار الشعب الفلسطيني ومقاومته، ويؤمن الانتصار لكل أطراف المحور.
لذلك قال قائد الثورة الإسلامية بأن المقاومة هي الهوية المميزة لسوريا، وهي التي أعطتها المكانة المميزة في المنطقة. وتوجّه الإمام الخامنئي بالشكر إلى الرئيس السوري الأسد على حضوره إلى طهران لتقديم واجب التعازي للشعب الإيراني، مشيرا إلى دور السيد رئيسي البارز، والاهتمام الخاص للشهيد الوزير حسين أمير عبد اللهيان بتعزيز العلاقات الإيرانية السورية. حيث عدّ الإمام الخامنئي تعزيز العلاقات ما بين البلدين أمرًا مهمًا؛ لكونهما من أركان محور المقاومة وقال: مع تأسيس جبهة المقاومة والصمود، تشكّلت الهوية المميزة لسوريا، أي المقاومة، في عهد المرحوم السيد حافظ الأسد، ولقد ساعدت هذه الهوية دائمًا على الوحدة الوطنية السورية أيضًا. مشيراً الى ضرورة الحفاظ على هذه الهوية، قائلاً: "لقد أراد الغربيون وأتباعهم في المنطقة إسقاط النظام السياسي لهذا البلد، وإخراج سوريا من معادلات المنطقة، من خلال إشعال الحرب عليها، لكنهم فشلوا. الآن أيضاً، يرومون إلى إخراج سوريا من المعادلات الإقليمية بأساليب أخرى، بما في ذلك الوعود التي لن يوفوا بها أبدًا". وربما قصد الإمام الخامنئي في هذه النقطة الى جهود المعسكر الغربي، من أجل "ابتزاز سوريا" للتخلي عن مبادئها، من خلال ورقة "رفع الحصار". لذلك أشاد قائد الثورة الإسلامية بالموقف الثابت للرئيس الأسد، داعياً الجميع أن "يضع نُصب عينيه الميّزة الخاصة للحكومة السورية، وهي المقاومة". أما بالنسبة للضغوط السياسية والاقتصادية التي تمارسها أمريكا وأوروبا على البلدين، فقال الإمام الخامنئي:" يجب أن نتغلب على هذه الظروف من خلال زيادة التعاون بين البلدين ومواصلته"، لافتاً بأن هذا الأمر كان من اهداف السيد رئيسي أيضاً، ومؤكداً بأن الرئيس مخبر، الذي يتمتع بصلاحيات رئيس الجمهورية، هو أيضًا سيستمر على النهج نفسه.
أما على صعيد معركة طوفان الأقصى، فقد انتقد الإمام الخامنئي مواقف بعض دول المنطقة وتقاعسها فيما يتعلق بقضية غزة، مشيرًا إلى القمة العربية الأخيرة التي عُقدت في البحرين فقال: "حصل في هذا الاجتماع الكثير من التقصير تجاه فلسطين وغزة، لكن بعض الدول تصرفت بشكل جيد أيضًا (ربما أراد بهذه الجملة الإشادة بقرار الرئيس الأسد عدم إلقاء كلمة في القمة وهو ما أثار الكثير من البلبلة، وقد فسر البعض هذا القرار على أنه امتعاض الرئيس الأسد أمام صمت الحكام العرب عما يحصل في غزة)".
بدوره قدّم الرئيس بشار الأسد، تعازيه إلى قائد الثورة الإسلامية وحكومة إيران وشعبها، مؤكّداً على العلاقات الثنائية هي علاقات استراتيجية، وهي تمضي إلى الأمام بتوجيهات سماحة الإمام الخامنئي. وأن الشهداء السيد رئيسي والوزير أمير عبد اللهيان كانوا على رأس تنفيذ تلك التوجيهات. وأشار الرئيس الأسد إلى شخصية السيد رئيسي المتواضعة والحكيمة والخلوقة، واصفاً إياه بأنه كان مصداقًا بارزًا لمواقف الثورة الإسلامية وشعاراتها، مضيفًا: "لقد كان للسيد رئيسي تأثير مهم في دور الجمهورية الإسلامية إزاء قضايا المنطقة وقضية فلسطين على مدى السنوات الثلاث الماضية، وكذلك في تعميق العلاقات بين إيران وسوريا".
كذلك أشار الرئيس الأسد إلى قضية المقاومة في المنطقة، بأنها تحولت بعد مرور أكثر من 50 عاماً إلى نهج عقائدي وسياسي. مؤكّداً على موقف سوريا الدائم وهو: "أيّ تراجع أمام الغرب سيؤدي إلى تقدّمهم"، مضيفاً: "لقد أعلنتُ قبل سنوات أن تكلفة المقاومة أقل من تكلفة التسوية، وهذه المسألة باتت الآن جلية وواضحة جدًا بالنسبة للشعب السوري، والأحداث الأخيرة في غزة وانتصارات المقاومة أثبتت هذه المسألة لشعوب المنطقة، وأظهرت أن المقاومة هي مبدأ". موجّهاً شكره للإمام الخامنئي على دوره البارز والمهم في دعم المقاومة في المنطقة، وكذلك على دعم سوريا في كافة المجالات.
وتعقيباً على هذه المواقف، اعتبر السيد الخامنئي أن كلام الرئيس الأسد كان فيه العديد من النقاط المهمة، لكن النقطة الأهم بالنسبة له، هي القضية "التي أكدتم عليها وقلتم فيها: بقدر ما نتراجع سوف يتقدم الطرف المقابل". فأضاف الإمام الخامنئي "ليس هناك أدنى شك في هذا الأمر، فقد كان ذلك شعارنا ومعتقدنا منذ أكثر من 40 عامًا".
وعليه يمكن الاستخلاص من هذه الزيارة، بأن المنطقة لن في المرحلة المقبلة أي تسويات أو تغييرات، تأتي على حساب محور المقاومة الثابت على معتقداته، بل العكس تماماً أي بما يؤكّد انتصارات هذا المحور.