ترك بابلو إسكوبار ارثاً بِلَعنة مزدوجة. فلا تزال كولومبيا تحافظ على المرتبة الأولى عالمياً بتصدير الكوكايين إلى العالم (تؤمن حوالي 70% من احتياجات السوق)، وعدم قدرة الرؤساء المتعاقبين السيطرة على أكثر من 500 عصابة من التجار الكبار، تغرق البلاد بحمام من الدم. واللافت ان الاستراتيجية المتبعة منذ سبعينيات القرن الماضي، -وهي أميركية- والتي كلّفت مئات المليارات للحد من تجارة وتعاطي المخدرات، لم يتم تجيير نصفها لمعالجة الأسباب التي تدفع بـ 250 ألف عائلة كولومبية لزراعة وتجارة هذه المادة المخدرة.
تقف الحكومة الكولومبية أمام معضلتين. اذ ان المساحة المزروعة بنبتة الكوكا -التي يستخرج منها الكوكايين- تصل إلى 169,000 هكتار، وهي في ازدياد، وتعيل عدداً هائلاً من الكولومبيين، إضافة إلى غياب الحلول الفعالة القادرة على إيجاد مخرج من هذه الأزمة.
أثبتت الاستراتيجية الأميركية التي أُجبرت عدد من الدول ككولومبيا على انتهاجها، على انها عاجزة بالتوصل إلى حلول جذرية، على الرغم من انفاق مبالغ طائلة، في تلف الإنتاج ومهاجمة المتورطين.
خلال الفترة الماضية، حاولت الحكومة الكولومبية، اعتماد سياسة أخرى، وشرحت على لسان وزير العدل، نيستور أوسونا في ديسمبر/كانون الأول: "سنعطي الأكسجين لأنشطة معينة ونخنق أنشطة أخرى: الأكسجين لأضعف الحلقات في السلاسل، لمزارعي الكوكا، والاختناق للمهربين، وغاسلي الأموال والمافيا".
وردا على قيام الشرطة بأعمال التلف، وهي السياسة التي تحرض عليها واشنطن، يقول رئيس جمعية المزارعين، إن أي جهد لإزالة المحاصيل بالقوة يخلق العنف وعدم الثقة.
كما عارضت وزارة الخارجية الأمريكية تخفيض عدد عمليات التلف وقالت إنه "من الضروري الاستفادة الكاملة من جميع الأدوات المتاحة للحد من زراعة الكوكا، بما في ذلك القضاء القسري على المحاصيل".
كان على الحكومة الكولومبية السير على خط رفيع بين استرضاء واشنطن -وهي الحليف الأهم- باتباع نهجها، وبين والوفاء بوعودها الانتخابية بإصلاح سياسات المخدرات في كولومبيا.
أخيراً، أنتجت الطفرة في الإنتاج انهياراً في الأسعار، وباتت تهدد السوق بالكساد.
تشير البيانات غير المشفرة، التي تنشرها الحكومة إلى أن إنتاج الكوكايين في السنوات القليلة الماضية قد تسارع أكثر من الطلب: تمت تغطية 204000 هكتار من محاصيل الكوكا في كولومبيا في عام 2021، بزيادة قدرها 43 ٪ عن العام السابق. وهي أكبر مساحة زرعت بها هذه النبتة إلى اليوم.
وفقًا للأمم المتحدة، ارتفع إنتاج محتمل لإنتاج هيدروكلوريد الكوكايين في كولومبيا من 6.5 كجم للهكتار في المتوسط في عام 2016 إلى 7.9 كجم للهكتار في عام 2020. وهذا ما انتج انخفاضاً في الأسعار، فأصبحت بحدود إلى 38,000 بيزو كولومبي بعد ان كانت 70.000 بيزو أو ما يعادل 17.25 دولاراً لكل 12 كلغ من الأوراق. مع الإشارة إلى ان إنتاج كيلوغرام واحد من الكوكايين، هناك حاجة إلى حوالي 125 كيلوغراما من الكوكا، الأمر الذي سيكلف مختبر المخدرات المحلي 137.50 دولارا. بمجرد أن يحول المختبر أوراق الكوكا أولا إلى عجينة كوكا، ثم إلى كوكايين حقيقي، سترتفع القيمة إلى 2,269 دولاراً.
إن انخفاض الأسعار لا يعني انهيار الاقتصاد الريفي في أجزاء من كولومبيا فحسب، بل يعني أيضا أزمة اجتماعية حادة. مع غياب سياسة جادة للحكومات المتعاقبة على حل الأزمة. ففي الوقت الذي يقبع فيه أكثر من 8 مليون تحت خط الفقر ويتجاوز معدل البطالة 10.5%، تنفق الحكومة الأمريكية 700 مليون دولار سنوياً (395 مليون جنيه إسترليني) في خطتها المثيرة للجدل في كولومبيا، والتي تهدف إلى القضاء على التجارة عن طريق الرش الجوي والدعم العسكري.
تشهد كولومبيا منذ سبعينيات القرن الماضي، حرباً عسكرية بين القوات الحكومية والعصابات التي تعتمد على الكوكايين لتمويل معسكراتها والاستمرار بعملية الإنتاج، وبناء امبراطورياتها متنعمة بالمليارات التي تعود إليها من هذه التجارة. سقط الآلاف خلال هذه الجولات القتالية، وغالبيتهم من المدنيين والمزارعين وصغار التجار، في صراع مستمر منذ أكثر من 40 عاماً. ويقول ضابط في الشرطة، إلى انه قد قتل أكثر من 23 ألف شخص العام الماضي كنتيجة مباشرة لتجارة المخدرات. بعد ان وصل إلى 28 ألف في عام 2002، ومعظمهم ليسوا مهربين بل مزارعين أو فلاحين محاصرين في القتال إنه صراع تسبب بذبح مئات من المعلمين والنقابيين ونشطاء حقوق الإنسان.
تشير مجلة ايكونوميست إلى ان "80% من الكوكايين الذي يتعاطاه البريطانيون يأتي من كولومبيا... قد يكون هذا المسحوق أرخص الآن من أي وقت مضى، ولكن، يدفع مئات الآلاف من الكولومبيين الأبرياء ثمناً باهظاً... مقابل كل شخص في بريطانيا يشم الكوكايين، شخص ما في كولومبيا يقتل... يغذي الكوكايين صراعاً وحشياً، من أكثر الانتهاكات وحشية لحقوق الإنسان على هذا الكوكب".
يعتقد البعض أن مختلف الجهود ستثبت عدم جدواها ما لم يتضاءل طلب الغرب على الكوكايين. هذا هو السبب في أن عددا متزايدا من الأشخاص البارزين يركزون على التكاليف الأخلاقية للكوكايين: "كيف يمكن لأولئك الذين يصرون على الأغذية العضوية والقهوة ألا يتورعوا عن تعاطي الكوكايين".