تشهد المحافظات الجنوبية اليمنية حشداً من الأحداث التي تجعل التنبّؤ بمخرجات الأزمة وتوقيتها أمراً صعباً، مع اجتماع مختلف عوامل الانهيار السياسي والاقتصادي والأمني. وما وصول السفير الأميركي إلى عدن، إلا مؤشراً على مدى خطورة الأوضاع مع انعدام قدرة الحكومة ومن خلفها المجلس الرئاسي على المعالجة ونزع فتيل المواجهة الشعبية، اذ انه يحضر خالي الوفاض، لا يحمل بيمينه سوى احتمالات للتجربة.
تزامناً مع اشتداد الأزمات المعيشية وانهيار الريال المستمر في عدن والمحافظات الجنوبية، والارتفاع المتزايد لأسعار السلع إضافة لانقطاع التيار الكهربائي، وصل السفير الأميركي، ستيفن فاجن إلى عدن قبل أيام، على متن طائرة عسكرية، في خطوة مفاجئة تكشف عن مشروع سياسي جديد يطبخ على نار هادئة، قد يكون على رأس أولوياته، تشكيل حكومة بعد اقصاء معين عبد الملك.
واللافت، ان حضور رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، وعضو المجلس الرئاسي، عيدروس الزبيدي، الذي جاء بدعوة أميركية، قابله غياب لرئيس مجلس القيادة، رشاد العليمي. وبينما أجرى فاجن لقاءاته مع وزيرا الكهرباء والصحة ومحافظ عدن ومسؤول الملف الأمني فيها، يتوقع خبراء الا يتمخض عن الزيارة أرضية يمكن الانطلاق منها لاتخاذ إجراءات جدية لا على الناحية الاقتصادية ولا الناحية السياسية. اذ ان المشكلة لا تكمن في الأسماء التي تتولى إدارة المحافظات، بقدر ما هي معضلة معقدة ترتبط بإرادة الدول المهيمنة على تلك المنطقة. فلا السعودية بوارد صرف مزيد من الأموال على تحسين الظروف المعيشية وهي التي تبذل جهوداً في إعادة تشكيل قواتها العسكرية على الأرض، من حل ميلشيات وتشكيل أخرى، ولا رغبة إماراتية في تغيير قواعد اللعبة الحالية، في ظل مساعيها الرامية لسحب البساط من تحت أقدام الرياض بأقل الخسائر، لتحقيق السيطرة على الموانئ تحديداً.
تكشف هذه الأزمة اللثام عن بشاعة القدر الذي سيواجهه اليمنيون في المحافظات الجنوبية، فيما لو استمر النزال السعودي الاماراتي بشكله الحالي. اذ ان ما شهدته الفترة الماضية من حل مجالس وانشاء أخرى، على كلا الجبهتين، يشي بأن قرار تغيير شكل المواجهة قد اتُخذ. فبعد تأسيس مجلس حضرموت، مثلاً، والاعلان عنه من المملكة، كتهديد فعلي للمجلس الانتقالي الجنوبي، ظهرت على الساحة مجالس أخرى، ودُعمت القبائل لتأسيس أحلاف خاصة بها، خاصة في شبوة وأبين، في ظل حديث مستمر عن تأسيس ما يسمى مجلس عدن الوطني. وهذا ما يطرح تساؤلات حول سبب الدفع نحو تأسيس مجالس مناطقية مغلقة في مناطق نفوذ حكومة معين عبد الملك.
وفي الوقت الذي يرى البعض ان انشاء مجلس حضرموت جاء لكبح طموحات المجلس الانتقالي وحثّه على "التواضع" بمطالبه. يؤكد الواقع الحالي، ان تحقيق الانفصال الذي يريده الأخير، أمراً غير وارد. فيما يتخوف البعض ان تتحول هذه المشاريع إلى أدوات ضغط أخرى، تزيد من حدة الصراع العسكري.
ثمة من يقول، ان المجتمع الدولي لن يقبل بفرض مجموعات مسلحة تفرض كأمر واقع على مناطق استراتيجية كخليج عدن وباب المندب. اذ ان المصالح الإقليمية والدولية المتضاربة في اليمن، ستحث الامارات من جهة والسعودية من جهة أخرى، على اتخاذ إجراءات تضمن عدم الدخول بمواجهة مع أي من الافرقاء الدوليين. وبالمقابل، شد وتيرة المواجهة بينهما على المسرح اليمني الداخلي.