ليس جديداً الحديث الأميركي عن توحيد الجبهات في الشرق السوري، فالتحضير له يتم منذ أكثر من سنتين، فالشرق السوري محتل من قبل الأميركيين، احتلالاً مباشراً، وتحديداً في منطقة شرق الجزيرة السورية حيث تنتشر قواعد الإحتلال حول حقول النفط والغاز، والتي تحميها قوات سوريا الديمقراطية [قسد]، فيما تقع قاعدة التنف على مثلث الحدود السورية- العراقية- الأردنية المحمية بمخيم الباغوز، حيث تنتشر فيه عائلات تنظيم الداعش الارهابي، والذين ما زالوا يشنون الهجمات على عناصر الجيش السوري والمواطنين الذين يخرجون لرعي مواشيهم أو لجمع الكمأة هناك. ولكن الإحتلال الأميركي وبحسب ما كشفه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قام في الشهر الماضي بتوحيد القوات التي تخضع لسيطرته تحت مسمى "جيش سوريا الحرة" او "جيش السحجة".
داعش بحلة جديدة
ما أقدمت عليه أمريكا ظهر وكأنه جاء رداً على التطورات التي شهدتها المنطقة العربية لصالح عودة العلاقات العربية مع الدولة السورية. وكانت أمريكا أعلنت بشكل صريح أنها ضد عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية. في الحقيقة ما حدث ليس مفاجئاً، ولكن توقيت الإعلان هو الذي يطرح هذه التحليلات، فالولايات المتحدة قامت بخطوات متطورة في منطقة التنف، ومنطقة شرق الجزيرة خلال السنة الماضية، ومنها زيارة قائد أركان الجيش الأميركي، ماثيو مكفرلين، ولقائه مع قائد مجموعات قسد، مظلوم عبدي، وزيارة مبعوث الخارجية الأميركية نيكولاس غرينجر لشمال شرق سوريا، والذي أجرى محادثات من أجل تشكيل مجلس عشائري في الجزيرة السورية، وقد سعت لدمج كل من عناصر داعش والنصرة ضمن هذا التنظيم. كما تم فتح معسكرات لتدريب داعش على أسلحة صاروخية جديدة منذ شهر تموز/ يوليو في العام الماضي، وتم تغير اسم قوات داعش إلى جيش مغاوير الثورة، وذلك في محاولة أميركية للخروج من التسميات الإرهابية التي عرفت بها المجموعات التي تتعامل معها لتكسبها نوعاً من القبول وبالتحديد لدى شعبها. اذ أنه عندما يصوت الكونغرس لبقاء القوات الأميركية في سوريا خلال الأشهر الماضية فهو لا يستطيع تقديم نفسه على انه يحمي داعش، ولذلك كان من الضروري البدء بخطوات تجعل هناك نوعاً من المشروعية المقبولة في داخل الكونغرس الأميركي وخارجه.
يرتبط القرار الأميركي بقرار الرئيس السابق دونالد ترامب بالبقاء حول منابع النفط السورية في العام 2018، وقد فاجئ الأميركيون الجميع عندما تم نقل قيادات داعش بمروحيات الآباتشي وعائلاتهم من مخيم الركبان الذي تسيطر عليه مجموعات قسد إلى مناطق في داخل القواعد الأميركية في سوريا والعراق وخاصة في قاعدة عين الأسد. واليوم تفصح الولايات المتحدة عن الهدف الأساسي وراء هذه الإجراءات، وهو إعلان توحيد القوات المتعاملة معها تحت مسمى "جيش سوريا الحرة، [جسح أو الجسح أو لنقل "جيش السحجة" والسحجة هو التعبير المستخدم للتصفيق بين القبائل العربية]"، وليس هناك بأفضل من قيادات داعش السابقة لإستلام المهمة. ويبدو أن قبول قسد بالموافقة على العمل مع عدوها اللدود لن يكون مجانياً. فهل حصلت قيادات قسد من خلال موافقتها على حماية أميركية دائمة لإدارتها الذاتية؟ وهو أمر يتناسب مع الأهداف الأميركية التي باتت معروفة حول تشكيل دولة كردية على الأراضي العراقية ممتدة في داخل الأراضي السورية، مما سيخدم أهداف أميركا بتقسيم الدولة السورية، وتكريس التقسيم في الشمال والشمال الشرقي.
إن ما تبتغيه الولايات المتحدة من وراء هذا التوحيد للقوة العسكرية تحت المسمى الجديد هو، في البداية، تكريس للتقسيم. وثانياً، التخلص من التسميات القديمة المرتبطة بالمجموعات الإرهابية. وثالثاً، توحيد جبهة العملاء والتنسيق فيما بينها على طول الحدود السورية الشرقية من أجل تغطية الحدود لمنع دخول السلاح عبر الحدود العراقية السورية إلى المقاومات في لبنان وفلسطين، من خلال إعلان المبادرة التي سيقوم بها "جيش السحجة" بمراقبة دخول المخدرات عبر الحدود. ورابعاً، محاصرة العلاقة الإستراتيجية القائمة ما بين إيران وسوريا. وخامساً، ما يزال الأميركيون يسعون إلى المزيد من سرقة الثروات في البادية والشمال السوري من خلال هذه القوات التي يتم تدريبها وتسليحها بشكل مكثف منذ أكثر من عامين. والأمر ليس مرتبط فقط بسرقة النفط والغاز، ولكن بسرقة السيلكا والفوسفات التي تزخر بهما رمال البادية السورية. وسادساً، وقف مد الإستثمارات الصينية في سوريا عبر وقف خط القطار القادم من العراق عبر أراضيها باتجاه البحر المتوسط. وأخيراً، يظن الأميركيون أن بإمكانهم تجنيد المزيد من شباب العشائر العربية للعمل ضمن هذه القوة واستلام المهام الأمنية في سوريا في خطوات لاحقة!
إن الأهداف التي تحضر لها الولايات المتحدة منذ العام الماضي يجب أن ينظر إليها بعين القلق والريبة، فهي تعد جيشاً إرهابياً جديداً في مواجهة الجيش السوري، وهي تدعم منذ سنتين العمليات ضد الجيش في محاولة لإخلاء المنطقة ليتسنى لها التجول والسرقة فيها دون رقابة. بالطبع الدولة السورية ليست غافلة عن الأمر، وذلك منذ لحظة إعلان ضم القوتين الإرهابيتين تحت مسمى "Free Syrian Army" والذي ابتدأ بنشر تعريفه على أنه [FSA] على صفحات الإعلام المكتوبة والمسموعة، والذي تجد فيه الولايات المتحدة الجيش البديل لاستلام السلطة في سوريا. وقد ابتدأت نشر الدعايات الإعلامية حول أعداده الضخمة، والتي في الحقيقة لا تتجاوز الـ 3000 عنصر إرهابي ما بين داعش وقسد.
قامت الدولة السورية بإجراءين هامين خلال الأسابيع الماضية: الأول، أنها أوقفت العمل بتسريحات أفواج من الجيش كانت قد أعلنت عنها في مراحل سابقة، والتي يبدو أنها أيضاً مرتبطة بالعمليات المشتركة مع القوات الروسية التي ابتدأت من يومين في الشمال السوري. والإجراء الثاني، كان قد أعلن عنه الرئيس الأسد خلال خطابيه الأخيرين عن بدء عمليات المقاومة، والتي ابتدأت فعلياً ولم يعلن أي شيء رسمي سابق حولها. ولكن حين تغرد المستشارة الإعلامية الخاصة للرئاسة في سوريا، بأن المقاومة ضد قوات الإحتلال الأميركي قد تبدأ "وما إسقاط المروحية سوى البداية" وأن هناك ضغطاً كبيراً يستهدف صمود القيادة السورية وشعبها الجبار. ومعنى ذلك أن المخطط الجديد الذي بدأ منذ إعلان إطلاق "جيش السحجة" الإرهابي يسير على قدم وساق، ومعناه أن قيادة بايدن تحاول إحياء ما بدأه الرئيس الأسبق باراك أوباما في سوريا، ومعنى ذلك أيضاً أن قولت الاحتلال الأميركية تعد أيامها الأخيرة في المنطقة، وخاصة مع بدء العمليات المشتركة.
-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU