أقل ما قيل في الانتخابات التركية لعام 2023 إنها انتخابات "عالية المخاطر"، "غير مسبوقة"، و"تاريخية". فللمرة الأولى منذ 20 عامًا ستذهب الانتخابات التركية إلى جولة ثانية بعدما تراجعت شعبية اردوغان بـ 4 نقاط على الأقل عن الانتخابات الماضية. وللمرة الأولى أيضًا توحّدت المعارضة التركية للإطاحة بوسيط قوة إقليمي في وقت أغرق فيه غزو روسيا لأوكرانيا الكثير من العالم في حالة من عدم اليقين. وفيما يلي 7 أسباب تجعل القوى العالمية في حالة ترقّب لنتائج الانتخابات التركية:
أولاً، هناك منافسة وثيقة وغير مسبوقة بين المعسكرين المتنافسين، مما جعل من الصعب للغاية التنبؤ بالنتيجة، والذهاب إلى جولة ثانية.
ثانيًا، تدور المنافسة الحالية حول إقالة أردوغان وحزبه أو بقاءهما بعد عقدين من الحكم، الأمر الذي حوّل الانتخابات إلى نوع من "الاستفتاء". إن تحقيق كل من هذين الاحتمالين المذكورين أعلاه سوف يترك آثاره وعواقبه في المجالات الداخلية والخارجية لتركيا؛ إلى الحد الذي تتحدث فيه جبهة المعارضة عن تغيير النظام السياسي وتوجهاته في السياسة الخارجية في حال انتصار كيليجدار أوغلو. وبالطبع، فإن تحقيق هذا الانتصار لا يعني تنفيذ ما وعد به خصوم أردوغان. في الوقت الحالي، هدفهم المشترك هو إزاحة أردوغان، على الرغم من التناقضات الفكرية والسياسية الأيديولوجية، والتي إذا تحققت، فمن المحتمل أن تظهر هذه التناقضات بطرق تطغى على تنفيذ الوعود. إلى ذلك، فإن فوز أردوغان في مثل هذه الانتخابات، لأسباب مختلفة، يمكن أن يضاعف دافعه لمواصلة سياساته الداخلية والخارجية، وبالتالي، يحافظ أيضًا على الأغلبية البرلمانية؛ لكن إذا خسر هذه الأغلبية - وهو أمر مرجح - سنشهد تقسيم السلطة بين المعسكرين، وقد يؤدي ذلك إلى فترة متوترة من الصراع بدعم من مؤسسات السلطة.
ثالثًا، تُجرى هذه الانتخابات الحاسمة في الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية تركيا، وقد أعطى ذلك معنى رمزيًا خاصًا والتغييرات المحتملة الناتجة عن النتائج.
رابعًا، تجري الانتخابات الحالية الحاسمة والجيش التركي في زاوية حلبة السياسة والسلطة، حيث فشل عام 2016 في انقلاب قطَع يدَه عن السياسة والسلطة في تركيا، وهذا ليس إنجازًا بسيطًا لأردوغان. إذ غيّر خلال هذين العقدين قواعد اللعبة لصالح القوى السياسية والمدنية، وأثر ذلك سيكون أكثر وضوحًا في المستقبل. في اتجاه حل وفتح القضايا الشائكة مثل القضية الكردية في تركيا، مما سيسرع عملية تحول الأكراد إلى وزن سياسي مهم.
العامل الخامس في التمييز بين الانتخابات التركية هو تحويل الأكراد إلى لاعب حاسم إلى الحد الذي تحول فيه إلى المعسكر المنافس لأردوغان، حيث سيمنح الأكراد قوة أكبر في الوحدة مع حزب الشعب الديمقراطي، الذي ينظر إليه على أنه الفرع السياسي لحزب العمال الكردستاني لإنهاء حكم أردوغان وحزبه.
لقد تم الكشف عن أهمية الممثل الكردي في الانتخابات البلدية في أنقرة وإسطنبول في عام 2019؛ عندما لم يقدم الحزب الاشتراكي أي مرشح في اتفاق غير مكتوب مع كليجدار أوغلو، وأدى ذلك إلى فوز المرشحين لحزب الشعب الجمهوري في هاتين المدينتين. في هذه الفترة، وعلى عكس الماضي، رفض الحزب الديمقراطي الشعبي ترشيح مرشح للرئاسة وأيد ترشيح كليجدار أغلو. وأمس في الانتخابات الرئاسية، صوت الأكراد لكليجدار.
العامل السادس هو احتفاظها بوضع إقليمي ودولي حساس جدًا، وموقف تركيا المؤثر في هذا الوضع. وبالتالي، أصبحت الانتخابات الحالية أكثر شعبية بين الأطراف الفاعلة في الشرق والغرب والشرق الأوسط. وفي المنطقة، يبدو أن الكتل والجهات الفاعلة المتنافسة من الكيان المؤقت والسعودية والإمارات إلى بعض مراكز محور المقاومة ومحورها القيادي، باستثناء حماس لأسباب مختلفة،("المصالحة" التي جرت في العام الماضي مع أردوغان)، تفضل البقاء معه. وكما لو كان بوتين يعتبر بقاء أردوغان في السلطة لصالح صراعه مع الغرب، فإن الولايات المتحدة وأوروبا تعتبران أيضا أن مرحلة ما بعد أردوغان سيكون لها فوائد أكبر لها ولحلف شمال الأطلسي.
العامل السابع هو أهمية الانتخابات التركية لتيار الإسلام السياسي السني في المنطقة، الذي يكاد يعتبر تركيا أردوغان المحطة الأخيرة لتواجده في معادلات القوة والإقليمية بعد فشل الربيع العربي، ويعتبرِ رحيل أردوغان كفرصة ذهبية لخصومه الفكريين والأيديولوجيين يدركون هذا التحول التاريخي.
الكاتب: غرفة التحرير