بعد ساعات فقط من اندلاع اشتباكات عسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، انتشرت مقاطع فيديو للجنود المصريين الأسرى على وسائل التواصل الاجتماعي. تم أسر هؤلاء الجنود من قبل قوات الدعم السريع في قاعدة مروي الجوية في شمال السودان. وأصدر المتحدث باسم الجيش المصري بيانا مقتضبا قال فيه أن الجنود كانوا يشاركون في تدريب مشترك مع نظرائهم السودانيين، كانت التوقعات أن تنضم مصر إلى الحرب لحماية عمقها الاستراتيجي المتمثل بالسودان، خاصة أن ذريعة التدخل قد جاءت على طبق من ذهب بأسر المدربين العسكريين المتواجدين لدعم الجيش السوداني في حال الاعتداء الاثيوبي على مياه النيل من خلال سدّ النهضة، حتى قيل إنّ مصر قد تمّ استدعاؤها للحرب لكنها لم تتدخل، واليوم يتم استدعاء مصر مرة أخرى بعد مقتل أحد دبلوماسييها في السودان عندما كان متوجهًا إلى عمله داخل السفارة.
بعد يومين من أسر الجنود، وخلال اجتماع مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بدا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مكتوف الايدي تجاه الاعتداء على قواته وإذلالهم من قبل قوات الدعم السريع، ولحد اليوم ليس ثمة موقف مصري واضح من التدخل الذي سيكون بالطبع لصالح الجيش السوداني وعبد الفتاح البرهان. لكن وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال، دخلت مصر الصراع لتحرير الجنود، إذ قامت المقاتلات المصرية بضرب مخازن الدعم السريع، وقد نفذت الغارات بالتزامن مع جسر جوي يدعم حميدتي من ليبيا بمساعدة حفتر والإمارات فيما اعتبر أنه تدخل لدعم الجيش بغض النظر عن تحرير الجنود.
في الواقع، تجد مصر نفسها وسط معضلة على الرغم من أنها قد تتحمل أكثر من غيرها فاتورة صراع قد يطول. فمصر مقرّبة من البرهان، في حين يلقى قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) تأييد الإمارات التي تعد أحد أكبر الداعمين لمصر ماليًا، بل هي الأمل المتبقي الحالي للاستثمارات الاقتصادية التي ستمنع الاقتصاد المصري من الانهيار، وبالتالي من الصعب أن نشاهد الرئيس السيسي وهو يدعم الجانب المعاكس من الصراع.
إلى ذلك، فإن السودان كعمق استراتيجي لمصر، ليس فقط كشريك تجاري، بل كامتداد وتبعية منذ زمن الفراعنة، والبلدان ثقافاتهما متشابهة، والعلاقة بين بعض النخب في السودان ومصر وثيقة، وبحسب الخبير في برلين كورتس فإن: "كثيرين من النخب السودانية درست في مصر وتم تدريب القوات المسلحة السودانية لفترات متعاقبة في مصر". والأهم اليوم، السودان هي حليف لا يمكن الاستغناء عنه في نزاع مصر الطويل مع إثيوبيا حول سدّ النهضة، باعتباره تهديدًا وجوديًا نظرًا لما ينطوي عليه استكماله من التحكم في تدفق مياه النيل إلى مصر، التي تُعد العامل الأكثر أهمية لحياة المصريين، مصر تعتمد على مياه نهر النيل بنسبة 97%، وبدون السودان كحليف وشريك سياسي لن تتمكن من تحصيل حقوقها من أثيوبيا في مياه النيل.
من جهة أخرى تستضيف مصر نحو خمسة ملايين سوداني فروا من ويلات الفقر والقتال. وهناك اتفاقية لحرية الحركة بين البلدين، والتي تسمح للمواطنين من الجانبين بالتنقل بينهما في الاتجاهين للإقامة والعمل.
لكن بينما تتوخى مصر الحيطة والحذر في رهاناتها على صعيد الصراع في السودان، قد لا ينجح أيضا عدم اتخاذ إجراء حيال الموقف الحالي على المدى الطويل، خاصة في حال تطور الصراع وحلول الخطر على أمنها المائي. كما أنّ مصر ستكون أول المتضررين في حال نجح الاسرائيلي من قيادة مبادرة مصالحة بين طرفي النزاع، التي ستؤدي إلى نفوذ أوسع وأكبر للاحتلال الذي يريد إضعاف الجيش المصري ويقوض المصالح المصرية في السودان.
الكاتب: زينب عقيل