نشرت صحيفة واشنطن بوست مقالًا لأستاذ الدراسات العربية في جامعة كولومبيا الأمريكية "رشيد خالدي" بعنوان "ما نراه الآن هو مجرد الفصل الأخير في تجريد إسرائيل من الفلسطينيين"، أشار فيه إلى أن ما يحدث في فلسطين اليوم هو ليس وليد صدفة بل هو صناعة أمريكية مسبقة.
وأكد الكاتب على أن ما يجري ليست "أعمال شغب" إنما هي جزء من خطة كيان الاحتلال الذي يعمد إلى نشر اليهود في جميع أنحاء القدس المحتلة، وتساءل خالدي عن الدور الأمريكي في تجاهل حق الفلسطينيين بمقاومة التشريد والنهب التي يتعرضون لها منذ 73 عامًا مقابل حق "اسرائيل" في الدفاع عن نفسها.
النص المترجم:
ليس من قبيل المصادفة أن تندلع الحلقة الأخيرة في حرب المائة عام على فلسطين حول قضايا القدس واللاجئين. كلاهما متشابك مع تاريخ الجهود الإسرائيلية لطرد وتهجير الشعب الفلسطيني، ففي الأسابيع الأخيرة، أدت أعمال إسرائيل الوحشية في المسجد الأقصى بالقدس وحوله، ومحاولاتها لتهجير الفلسطينيين قسرًا في حي الشيخ جراح القريب، إلى اندلاع مواجهة أخرى عنيفة وغير متكافئة (يتضح ذلك من خلال التفاوت في أعداد الضحايا). تذهب كلتا القضيتين إلى جوهر هذا النضال الأحادي الجانب ضد نزع الملكية، وكلاهما ظل لفترة طويلة تحت البساط من قبل صناع السياسة الأمريكيين المكلفين بوضع حد لهما وسحبهما من تحته.
هذه ليست "أعمال شغب" أو "نزاع عقاري"، كما هو الحال في نقاط الحديث الإسرائيلية المتكررة بلا نهاية. يتلخص سياق هذه الأحداث في القدس وغزة وأماكن أخرى في فلسطين وإسرائيل في كلمات نائب رئيس بلدية القدس الإسرائيلي أرييه كينغ، الذي صرح مؤخرًا أن عمليات إخلاء الشيخ جراح كانت "بالطبع" جزءًا من خطة إسرائيل وضع "طبقات من اليهود" في جميع أنحاء النصف الشرقي من المدينة. وقال إن الهدف هو "تأمين مستقبل القدس كعاصمة يهودية للشعب اليهودي".
عملية "التهويد" (المصطلح الإسرائيلي الرسمي)، التي تستند إلى منطق الاستعمار الاستيطاني الحتمي، عملت من خلال مصادرة المنازل والأراضي وتهجير أصحابها الفلسطينيين داخل إسرائيل منذ عام 1948، ومنذ عام 1967 في القدس الشرقية، الضفة الغربية ومرتفعات الجولان.
هذا هو المنطق وراء مسيرات قام بها مستوطنون يهود قوميون متدينون مدججون بالسلاح عبر أحياء عربية في القدس، تحميها قوات الأمن الإسرائيلية أثناء مهاجمتها وتخويف السكان. هذا هو المنطق وراء قيام الشرطة الإسرائيلية بمنع الفلسطينيين بالقوة من الاستمتاع بليالي رمضان في ساحة باب العامود، وهي واحدة من المناطق القليلة المفتوحة حول البلدة القديمة. وهذا هو المنطق وراء هجمات الجنود على المصلين في المسجد الأقصى ليلة بعد ليلة خلال الأيام الأخيرة من رمضان، بما في ذلك إطلاق القنابل الصوتية وقنابل الغاز المسيل للدموع على ثالث أقدس مسجد في العالم الإسلامي. ماذا سيكون رد الفعل العالمي على هجوم مماثل على المصلين داخل كنيسة أو كنيس كبير في يوم عطلة دينية؟
ما يعمل هنا هو منطق قانون 2018 الذي رفع مبدأ مركزي للصهيونية السياسية إلى مستوى مبدأ دستوري: أن الشعب اليهودي فقط له الحق في تقرير المصير في أرض إسرائيل. فمنذ عام 1967، وسعت إسرائيل سيادتها على كامل فلسطين التي كانت تحت الانتداب السابق، بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، في عملية ضم زاحفة حتمية. قانون 2018، الذي أرسى "الاستيطان اليهودي كقيمة قومية"، يشير ضمناً إلى أن الشعب الفلسطيني ليس له حقوق وطنية في وطن أجداده وأن نزع ملكيته هو مسعى إسرائيلي شرعي وضروري.
يفسر هذا المنطق التمييزي سبب قيام دولة إسرائيل بوضع جهازها القمعي القوي تحت تصرف المتطرفين الدينيين وهم يطردون السكان الفلسطينيين من منازلهم من خلال ادعاء ملكية مسبقة في الشيخ جراح. وفي الوقت نفسه، يمنع النظر في مطالبات ملكية هؤلاء السكان أنفسهم لممتلكاتهم المصادرة بعد طردهم من منازلهم في حيفا ويافا والقدس الغربية عام 1948.
لقد أدت هذه الأزمة إلى تفريغ أسطورة مهمة، هي أن الفلسطينيين منقسمون ومحبطون، ويجب عليهم أن يستسلموا لأي شروط تعرضها إسرائيل عليهم. قد يكون الفلسطينيون منقسمين سياسياً، ولكن سواء في الضفة الغربية أو القدس أو غزة أو داخل إسرائيل أو يعيشون في الشتات، فإنهم يخضعون لنفس العمليات الحديدية المتمثلة في نزع الملكية والتمييز القانوني الذي كان دائمًا متأصلاً في مشروع إنشاء مجتمع يهودي. دولة الأغلبية فيما كان ، أو سيكون كذلك قريبًا، دولة ذات أغلبية عربية.- تجلت وحدة مقاومتهم للنهب والمحو من خلال الاحتجاجات في كل جزء من البلاد، سواء في القدس أو في المدن المختلطة مثل اللد أو الرملة أو عكا أو حيفا أو في قطاع غزة.
وطالما أن الولايات المتحدة تتجاهل المبدأ الأساسي للمساواة المطلقة في فلسطين/إسرائيل - والذي لم تناصره أبدًا - فستظل جزءًا من المشكلة وليس جزءًا من الحل. إذ يتحدث ممثلو الولايات المتحدة عن حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، لكن ماذا عن حق الفلسطينيين في مقاومة سبعين عاما من النهب؟
يجب أن يكرس الحل المستدام سواء على أساس دولتين أو دولة واحدة، المساواة المطلقة في الحقوق لكلا الشعبين، بما في ذلك الحقوق الجماعية والوطنية والسياسية، وكذلك الحقوق الدينية وحقوق الملكية والمدنية. وإلى أن تقبل الولايات المتحدة هذا المبدأ وتعمل على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة التي صوتت لها، سواء بشأن القدس أو الاستعمار الإسرائيلي؛ حتى تنفذ قوانينها بقوة بشأن الاستخدام الدفاعي الصارم للأسلحة الأمريكية وفيما يتعلق بالوضع "الخيري" للمجموعات الأمريكية 501 التي تمول أنشطة الاستيطان في انتهاك للقانون الدولي، فهي ستبقى طرف فاعل في نزع ملكية الشعب الفلسطيني، إلى جانب إسرائيل.
المصدر: واشنطن بوست
الكاتب: رشيد خالدي