على الرغم من أنّ تعقّد الأزمة السياسية، وتعمّق الانقسام، والوصول نحو صدام داخلي، كان متوقعًا منذ بدأ المظاهرات ضد حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرّفة، ومخططها بشأن التعديلات القضائية. الا أن إقالة نتنياهو لوزير جيش الاحتلال يوآف غالانت، الذي هدّد بالتصويت ضد إقرار هذه التعديلات في "الكنيست"، كان الحدث المفصلي الذي سرّع من انفجار الشارع في "تل أبيب".
لم تمر ساعات على إقالة غالانت منصبه، بما أظهر تعنّت نتنياهو بالمضي بـ "القانون" الذي يقوّض دور المحكمة العليا للاحتلال لصالح الائتلاف الحكومي الحالي، حتّى عمّت مظاهرات المُعَارضَة الحاشدة في العديد من شوارع الداخل الفلسطيني المحتل. وهي تأتي في إطار استمرار الاحتجاجات ضد حكومة نتنياهو للاسبوع الـ 13 على التوالي، والتي شهدت أرقام مرتفعة من المحتجين وصلت الى الـ 600 ألف مستوطن.
تمكن المستوطنون المحتجون من تجاوز حواجز شرطة الاحتلال، وإغلاق طرق حيوية، وسط وقوع اشتباكات مع عناصر الشرطة، التي استقدمت وحدات الخيّالة لتفريق المظاهرات. وفي وقت يصر فيه المحتجون على الوصول الى أقرب النقاط من بيوت ومكاتب شخصيات اليمين والمباني الحكومية و"الكنيست"، وضعت الشرطة سياجًا حديديًا في محيط مكتب نتنياهو لمنع اقتحامه من قبل المتظاهرين، وعزّزت من أمن تلك المقرات.
توسّعت الاحتجاجات في صفوف المعارضة، لتشمل "المؤسسات" كافة، فقد طالت الإضرابات المرافق الاقتصادية للكيان، مع إعلان نقابة العمال العامة "الهستدروت" الإضراب العام، والمصارف، وكذلك البورصة (ابتداءًا من يوم غد)، كما مجموعة من فنادق. بالإضافة الى موظفي الخارجية، والمطار، الموانئ. الى جانب "المؤسسات" الصحية والتربوية والجامعات و"شركة الكهرباء الاسرائيلية". بما يخرج الكيان المؤقت عن الخدمة ويصيب الحياة الروتينية فيه بالشلل التام.
أمام، هذه الفوضى في الشارع كما في "المؤسسات"، ووحدات الجيش التي انضمت بالتوالي الى الاحتجاجات ممتنعة عن الخدمة العسكرية، يكون لدى نتنياهو خيارين بديهيين، إمّا التراجع، وإمّا التعنّت. لكنّ الخياران يقودان الى النتائج نفسها عاجلًا أم آجلًا.
الصدام الدموي يقترب؟
إنّ تراجع نتنياهو عن التعديلات القضائية، لن يخمد النار التي أوقدت في الشوارع. اذ تحدّثت "القناة 12" العبرية أن نشطاء اليمين المتطرف يستعدون لمظاهرة مساء اليوم زاعمين "تدمير اليساريين". وقد أبدا كلّ من وزير أمن الاحتلال ايتمار بن غفير وويز المالية بتسلائيل سموتريتش، دعمهما للمظاهرات اليمينية في القدس المحتلّة، فيما أعلن الأخير أنه سيتواجد شخصيًا في المظاهرات.
كما ذكرت القناة أنّ رابطة مشجعي "بيتار القدس لا فاميليا" (توصف بأكثر نادي متطرف وعنصري في العالم) في الكيان، تخطط للحضور إلى التظاهرات في القدس المحتلّة. في المقابل، أعلنت الشرطة، على الرغم من استقدامها للتعزيزات، أنها فقدت السيطرة على الأمن في الشوارع محذّرة من وقوع مواجهات عنيفة بين اليمين واليسار.
تفكك الحكومة
هدّد بن غفير، الذي يصر، ووزير القضاء ياريف لفين، على تمرير "قانون الاصلاحات القضائية"، بالانسحاب من الائتلاف الحكومي في حال تراجع نتنياهو عن تلك التعديلات. في المقابل أيّد زعيم حزب "ساش" المتطرّف أرييه درعي عزوف نتنياهو عنها. هذا الانقسام والسجال الذي تسرّب الى داخل معسكر اليمين المتطرّف، بات يهدّد بتفكك الحكومة الحالية، بعد 3 أشهر فقط على توليها الحكم. في هذا السياق، حرّض رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان (يساري) حزب "الليكود" للإطاحة بتنياهو، مقابل ائتلاف حكومي جديد.
استمرار الاحتجاجات والشلل
في حال اختار نتنياهو، البقاء عند "قانون الاصلاحات القضائية"، فإنّ ذلك يعني على الصعيد الشخصي مخاطرته بنفسه في المثول أمام المحاكم والقضاء على خلفية اتهامات عديدة. وعلى الصعيد العام، ستستمر مظاهرات المعارضة، وقد تتوسّع مع الأيام، وسيستمر معها خطر الصدام الداخلي في أي لحظة. الى جانب تفاقم أزمة شلل "المؤسسات" وتداعيات ذلك على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الكيان.
من ناحية ثانية، يزيد تعنّت نتنياهو على التعديلات الفجوة وتصدّع العلاقة مع الولايات المتحدّة الأمريكية. وقد تقدّم القنصل الاسرائيلي في نيويورك باستقالته بعد إقالة وزير الجيش يوآف غالانت.
احتمالٌ آخر وارد في الساحة الداخلية للاحتلال، وهو الانقلاب العسكري، بعد امتناع جنود الاحتياط في العديد من وحدات الجيش المهمة: الجوية، البحرية، البرية، الاستخباراتية، والسايبيرية، وسط مخاوف من أن يتخذ نتنياهو قرارًا بإقالتهم أيضًا.
اذًا، الكيان المؤقت الذي يمرّ بأعمق أزماته الداخلية، مفتوح على كلّ السيناريوهات في الفترة القريبة المقبلة.
الكاتب: مروة ناصر