كتب المحلل العسكري في هآرتس عاموس هرئيل مقالًا بعنوان "مجدداً إسرائيل على عتبة مواجهة عسكرية واسعة في القطاع"، يشرح فيه تصاعد الاحداث والتوتر في فلسطين، والتي بدأت من مواجهات بين الشباب الفلسطينيين وقوات الاحتلال في المسجد الأقصى ووصلت إلى رشقات صاروخية كبيرة من المقاومة الفلسطينية وتحديدًا كتائب القسام وسرايا القدس.
وأشار عاموس إلى أن هذه الأحداث يمكن أن تؤمن خدمة لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي يحاول قدر المستطاع التمسك برئاسة الحكومة وكسب تأييد شعبي وسياسي من خلال التصعيد العسكري، كما لفت الكاتب إلى أن هذا التصعيد من شأنه أن يعجل رحيل نتنياهو كما حدث مع سلفه ايهود أولمرت.
النص المترجم:
بعد أكثر من سنة من الهدوء النسبي والمستقر جداً في قطاع غزة، تقف "حماس" وإسرائيل على عتبة مواجهة عسكرية واسعة. لقد صعّدت "حماس" تدريجياً تصريحاتها وخطواتها إزاء إسرائيل في الأسابيع الأخيرة، وأطلقت أمس 7 صواريخ من القطاع في اتجاه القدس رداً على حوادث العنف التي شهدتها المدينة وأدت إلى وقوع أكثر من 300 جريح فلسطيني ونحو 3 عناصر من الشرطة الإسرائيلية بالقرب من الحرم القدسي.
وتسبب القصف الإسرائيلي للقطاع بمقتل 20 شخصاً، بينهم تسعة أطفال وثلاثة ناشطين من "حماس". الآن من المنتظر سباق مع الزمن من جانب وسطاء دوليين في محاولة لمنع التدهور نحو عملية واسعة للجيش الإسرائيلي في القطاع للمرة الأولى منذ عملية الجرف الصامد في سنة 2014. في الجيش الإسرائيلي يتحدثون عن جولة تبادل للضربات يمكن أن تستمر عدة أيام على الأقل. في الخلفية استمرت المواجهات في القدس، بينما المنظومة السياسية الإسرائيلية عالقة في أزمة لم تجد حلاً لها حتى الآن.
بدأ اليوم الرابع على التوالي للعنف في القدس بمواجهات عنيفة بين الشرطة وبين مصلّين ومتظاهرين فلسطينيين في الحرم القدسي. وبحسب الهلال الأحمر الفلسطيني، أُصيب 13 فلسطينياً بجراح بليغة. وفي ساعات الظهر اشتدت حدة التوتر داخل المؤسسة الأمنية وعلى المستوى السياسي. وعقد المجلس الأمني المصغر جلسة طارئة. رئيس الأركان أفيف كوخافي أمر بتعزيز القوات العسكرية (4 كتائب) بالقرب من قطاع غزة، وأوقف المناورة العامة لقيادة الأركان يوماً واحداً حتى يتضح الوضع. في الوقت عينه أغلقت الشرطة والجيش الطرقات المحاذية للقطاع وأقامت حواجز في المنطقة.
قرابة الساعة الرابعة والنصف من بعد الظهر اتضح سبب التوتر وخطوات الانتشار التي اتُّخذت. فقد وجهت "حماس" إنذاراً إلى إسرائيل إن لم تُخرِج الشرطة من المسجد الأقصى ومن حي الشيخ جرّاح عند الساعة السادسة مساء وتطلق سراح جميع المعتقلين، فإن الحركة ستتحرك ضدها. وعلى الرغم من أن إسرائيل غيّرت الخطة - منعت بعد تأخير "مسيرة الأعلام" لليمين في القدس القديمة - فإنها لم تستجب للإنذار. قرابة الساعة السادسة أُطلق صاروخ مضاد للدبابات من القطاع في اتجاه سيارة عسكرية إسرائيلية (وهو ما أدى إلى إصابة مواطن بجروح طفيفة) بعدها أُطلقت صلية صواريخ على القدس وبيت شيمش من دون وقوع إصابات. في هذه الأثناء أُطلِق أكثر من 140 قذيفة على سديروت وعلى مستوطنات غلاف غزة أيضاً. ويبدو هذه المرة أن ما يجري هو هجوم منسق بين "حماس" وحركة الجهاد الإسلامي.
على ما يبدو إسرائيل مصرة على مواصلة الرد بعنف على قصف القدس. مع ذلك، هناك مسوغات مهمة ضد الانجرار إلى عملية واسعة شبيهة بعملية الجرف الصامد. أولاً، العملية الأصلية التي حدثت قبل 4 سنوات لم تحقق الكثير كما يعلم الذين قادوها حينذاك، بنيامين نتنياهو وبني غانتس وأفيف كوخافي. ثانياً، إسرائيل التي تهدد اليوم بالانتقام من "حماس" هي التي عملت على رعايتها طوال أعوام في القطاع، وقاطعت خصمها في السلطة الفلسطينية. ثالثاً، مَن يتخذ القرارات اليوم حكومة متخاصمة، نصف الجمهور تقريباً فقد ثقته برئيسها.
نتنياهو سيواجه مصاعب أيضاً إزاء الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. فقد حرصت إدارة بايدن على التعبير عن قلقها واستيائها حيال الخطوات الإسرائيلية الأخيرة في القدس والحرم القدسي وحي الشيخ جرّاح. في السنوات الأربع الماضية كان نتنياهو يعلم بأن طريقة تصرّفه مع الفلسطينيين لن تُحدث شيئاً لأن دونالد ترامب سيكون وراءه. جو بايدن لن يقف موقف اللامبالي إزاء إطلاق قذائف على مدنيين إسرائيليين، لكنه أيضاً لن يؤيد بصورة عمياء أي خطوة عسكرية إسرائيلية.
الشخصية الأساسية التي تقف وراء أحداث الأسبوع الماضي محمد ضيف، قائد الذراع العسكرية لـ"حماس" في القطاع. ضيف كسر الصمت في مطلع الشهر ووجه تهديداً مباشراً إلى إسرائيل بأنها ستعاقَب على مسّها بفلسطينيي القدس الشرقية، وأن عليها أن تتوقف عن أفعالها. في الأيام التي تلت الإنذار هتف شباب فلسطينيون باسم محمد ضيف بحماسة في أثناء المواجهات التي جرت في الحرم القدسي. في الأعوام الأخيرة أوضح رؤساء الاستخبارات في إسرائيل أن "حماس" لها زعيم واحد في القطاع هو يحيى السنوار.
السنوار الذي كان في الماضي من قادة الذراع العسكرية للحركة، والذي حُكم عليه بالسجن المؤبد في إسرائيل وأُطلق سراحه في صفقة شاليط، وُصف بالشخص الذي مر بعملية اعتدال، وأنه يركز جهوده حالياً على تحصين الحكم وتحسين البنى التحتية في القطاع. لكن يبدو أن شيئاً ما قد تغير في العلاقات الداخلية في الحركة، وربما أيضاً بعد انتخابات القيادة التي انتهت مؤخراً بفوز السنوار بأغلبية ضئيلة. وبخلاف توقعات الجيش الإسرائيلي، قبل أول من أمس فقط تحركت "حماس" بصورة واسعة واستفزازية ضد إسرائيل.
مسؤولون رفيعو المستوى في الحركة، بينهم خالد مشعل، بدأوا يستخدمون في كلامهم أمس مصطلح انتفاضة ثالثة بدلاً من "هبّة". وأوضح الناطقون بلسان الحركة أن غزة تقدّم الدعم للشباب الذي يناضل دفاعاً عن القدس من خلال إطلاقها الصواريخ على إسرائيل.
بالإضافة إلى الخطوات العسكرية ستتشدد إسرائيل أيضاً في الحرم القدس. القائد العام للشرطة كوبي شبتاي قال أمس إن الشرطة كانت "متساهلة للغاية" في معالجة ما يجري في الحرم القدسي والآن ستشدد إجراءاتها. هذا التصريح غريب للغاية، وخصوصاً من طرف الشرطة التي ساهم سلوك قادتها غير الحكيم في القدس في مفاقمة الوضع طوال شهر رمضان.
في الأسابيع الأخيرة تساءل عدد من الأطراف السياسية والأمنية التي لا تؤيد نتنياهو: هل يصعّد نتنياهو المواجهات العسكرية قصداً بهدف الحصول على ربح سياسي. الكل قال لا. أكثر من ذلك، على الرغم من الخصومة الشخصية بينه وبين غانتس كان نتنياهو ينسق بصورة كبيرة مع وزير الدفاع طوال الأزمات الأخيرة في القدس والمناطق، وأيضاً في الساحة الإيرانية. مع ذلك، لا شك في أن التصعيد الحالي يخدمه. فهو يصعّب على نفتالي بينت ويائير لبيد تشكيل ائتلاف في الأيام المقبلة، وسيلقي بظله على محاولات الحصول على تأييد القائمة المشتركة وراعم في الداخل أو في الخارج. في هذه الأثناء أصدر لبيد وبينت وجدعون ساعر بيان تأييد للخطوات العسكرية الصارمة التي اتخذتها الحكومة.
المفارقة أنه ربما عن غير قصد تقدم "حماس" الآن خدمة أخيرة لنتنياهو. استمرار الحريق في المناطق يمكن أن يدفن حكومة التغيير قبل أن تولد. يبدو أنه بمرور كل يوم، وخصوصاً إذا جرى هذا تحت إطلاق النار تتقلص فرص نجاح الكتلة التي توحدت ضد نتنياهو. في المقابل، نتنياهو في وضع لا يُحسد عليه. كما تعلم إيهود أولمرت قبله، من الصعب أن تكون رئيساً للحكومة لا يتمتع بشعبية وفي الوقت عينه يقوم بخطوات أمنية خطرة بينما الكثير من المواطنين يشككون في رجاحة رأيه.
المصدر: صحيفة هآرتس
الكاتب: عاموس هرئيل