يبدو أن انهيار العملات هو الخبر الذي سنقرأه كثيرًا في عام 2023، الأزمة الكبيرة التي تحدد معظم اقتصاديات دول العالم ستكون مطرقتها أقوى على اقتصاديات الدول النامية وخاصة الدول العربية حتى الاقتصاديات المحمية بانتاجها من النفط مثل الكويت، والبحرين والعراق وسلطنة عمان، والأردن وغيرها مثل لبنان ومصر والسودان والمغرب واليمن.
العملة التي لا قيمة لها
منذ فترة تم عرض فيديو لسيارات تعمل على نقل كميات ضخمة من عملة البوليفار الفنزويلي، ولكي يشتري المواطن احتياجاته اليومية عليه أن يحمل الملايين من العملة الفنزويلية، حتى قيل أن قيمة الورق التي تطبع عليه أعلى من القيمة الشرائية، قيمة الدولار في فينزويلا اليوم تساوي 2.355.834.70 للبوليفار الفنزويلي. ورغم أن العملة ليس لها قيمة لأن معدلات الدخل في فينزويلا شهريا حوالي 4 دولار حسب تقرير البنك الدولي الأخير.
حالة فينزويلا غريبة وتستحق الدراسة، خاصة عندما نعلم أن فينزوبلا صاحبة أكبر احتياطي نفط في العالم وتمتلك حوالي 304 مليار برميل من احتياطيات النفط المؤكدة بحسب أحدث الاحصائيات الصادرة عن oil and gas ولم يصدر بعد إحصاء جديد. كما أن احتياطيات الغاز في فينزويلا أربعة أضعاف احتياطيات الغاز في أمريكا اللاتينية كلها، وهذا مسح مبدأي يجعلها الدولة الثامنة عالميًا، ولم نذكر بعد احتياطيات الذهب والحديد والمعادن النفسية، واحتياطيات الذهب لدى البنك الفنزويلي المركزي. وبرغم ذلك فإن العملة منهارة، ذلك أن هذه الثروات من المفترض أن تدعم البوليفار الفنزويلي، وبذلك يتضح أن ثروات الدول ليست مؤشرات على الاقتصاد المتعافي، بل مجردد سبب يحتاج إلى تفعيل بمسألة أخرى.
ربط العملات بالدولار
الليرة اللبنانية خسرت 95% من قيمتها مقابل الدولار، والعراق يسجّل انخفاضات قياسية ظهر مؤخرًا بعد تحكم الإدارة الأمريكية بتدفق الدولارات إلى العراق، واليمن والسودان ومصر والجزائر وسوريا. في التداول العام، يجري الحديث عن أن ربط هذه العملات بالدولار هو سبب الانهيار، بالإضافة إلى أن هذه الاقتصادات ريعية أكثر من الانتاج والتصنيع، وهذا صحيح، إلا أن معرفة أن هذه الأزمة ستمتدّ إلى المملكة السعودية ودول الخليج سيكون أمرًا محيرًا، خاصة أن ربط عملتها بالدولار لطالما عمل بشكل جيد منذ عام 1978، باعتباره المرساة الوحيدة للسيطرة على التضخم، حتى أن الصين كان لديها ربط فعلي بالدولار للسبب نفسه، ولكن مع الانخفاض المتكرر في قيمة الدولار عالميًا لعدة مرات منذ العام 2000، وبدأت العملات الخليجية بالانخفاض مقابل اليورو مما جعل الواردات غير الدولارية أكثر تكلفة بكثير. وبدأ الحديث بعد تلك الفترة عن تغيير في سياسات أسعار الصرف في دول مجلس التعاون الخليجي، عندما حولت الكويت في مايو أيار 2007، حولت ربط عملتها بالدولار إلى واحدة من سلة العملات مع احتفاظه بالنسبة الأعلى من القيمة، ولدى اجتماع رؤساء مجلس التعاون الخليجي في الدوحة في 3 كانون الأول ديسمبر 2007، تمت مناقشة ما إذا كانوا سيغيرون ربط عملاتهم الحالية بالدولار أم لا، إلا أن هذا لم يحصل لحد اليوم. والسبب واضح ومباشر، الولايات المتحدة هي واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لدول مجلس التعاون الخليجي. والمشيخات الخليجية هي بمثابة محميات أمريكية حتى لو خفّ زخم هذا الارتباط مؤخرًا بسبب خصومات محمد بن سلمان مع إدارة بايدن الديموقراطية. ثمة حديث جرى حول بيع النفط لبكين باليوان الصيني، إلا أن التقديرات تقول إن السعودية مهما بلغت من استفزاز الإدارة الأمريكية لن تصل إلى هذا المستوى من فك الارتباط.
لماذا تنهار العملات العربية التي تعتبر الأغلى في العالم؟
الكويت وسلطنة عمان والأردن والبحرين هي الدول التي تملك أغلى عملات في العالم، إلا أن أزمة كورونا، واضطراب سلاسل التوريد العالمية بسبب حرب أوكرانيا وارتفاع أسعار الغذاء العالمي، والتضخم العالمي مرة أخرى، وزيادة مديونات الدول، وهروب الأموال الساخنة، وضعف الاستثمارات الأجنبية، ونقص في احتياطاتها من الدولار واعتماد هذا الدول على الاستيراد وتراجع الصناعات المحلية والأزمات الاقتصادية، بالإضافة إلى الزيادة المستمرة في أسعار الذهب.
بحسب تقرير صندوق النقد الدولي، الذي يبني تقاريره بحسب علاقاته مع الدول، مع التنويه إلى أن ما يصدر في تقاريره إذا لم يكن واقعًا ستتهيأ الظروف لكي يصبح واقعًا، وهو يحتوي على فصل كامل لانهيار العملات في عام 2023، توقّع بكل وضوح مكاسب كبيرة للدولا على حساب كل العملات العالمية، فالإقتصاد العالمي كله مربوط بالدولار، والتضخم في الولايات المتحدة بلغ 7%، فقاموا بمعاقبة العالم كله من خلال رفع الفائدة منذ العام 2022، وهم مستمرون في ذلك.
تقرير صندوق النقد يتوقع المزيد من انهيار العملات العربية وخاصة الكويت
يقول التقرير إن العملات مثل الليرة اللبنانية والسورية، والجينيه السوداني، والدينار الجزائري والريال العماني، والشيلين الصومالي، ستنخفض أمام الدولار، دون أن يعني انهيار اقتصادياتها، للأسباب التي تمّ ذكرها وسبب آخر هو أن بعض الأماكن فيها عدم استقرار سياسي وأمني.
ثمة عملات أخرى مرشحة لمواجهة مصير صعب وستنخفض قيمتها تدريجيًا بين 10 و 15%، منهم الدرهم المغربي، والجينيه المصري، الذي خسر أكثر من 45% من قيمته في الفترة الماضية، ومنها الدينار التونسي. إلا أن ما ليس طبيعيًا هو العملات الخليجية الذي يتوقع أن تنهار والمفروض أنها محمية باحتياطات ضخمة من النفط والغاز، مثل الدينار الكويتي، التقرير ذكر أن الكويت يربط الدولار بسلة عملات ولكن هذا بشكل صوري، لأن هناك دعم من الحكومة الكويتية لقيمة الدينار خاصة أن قيمة الدينار الحالي هي ثلاث دولارات، وهذه ليست القيمة الحقيقية للدينار، وما يسند الدينار هو احتياط النفط الضخم بالإضافة إلى عدد سكان الكويت القليل نسبيًا (5 مليون نسمة)، كما أن الميزان التجاري هو لصالح الكويت لأن قيمة وأسعار النفط أعلى من أي منتج تقوم باستيراده. لكن حجة صندوق النقد الدولي أن اقتصاد الكويت الريعي، وبالتالي ليس هناك تصنيع، وحيث لا يوجد تصنيع يتأثر الاقتصاد بتغير أسعار النفط. فماذا سيحصل في ظل الاتجاه العالمي للطاقة النظيفة؟
سحب البساط من تحت الدول النفطية
الواقع أن بعض الدول العربية النفطية والتي يقوم اقتصادها على البترودولار، بدأت تسعى إلى تطوير اقتصاداتها من خلال التحول نحو الاستثمارات والمشاريع الكبيرة المنتجة، وهو الأمر الذي بدا واضحًا في المشاريع التي تم التداول بها لدى زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية، حيث من المتوقع أن تبدأ حقبة جديدة خاصة في ظل التحوّل العالمي نحو الطاقة النظيفة بوقت قريب. مؤخرًا أعلن الاتحاد الأوروبي الذي يعاني أسوأ أزمات الطاقة التقليدية، أنه بحلول العام 2035 لن يبيع سيارات البنزين والديزل.
الكاتب: زينب عقيل