44 عامًا على انتصار الثورة الاسلامية في ايران، انتقلت فيها طهران من مرحلة الى أخرى أكثر تقدمًا على المستوى الداخلي كما على المستوى الخارجي. وفي هذا الاطار، يفنّد المستشار الثقافي الايراني السيد كميل باقر زادة في الحلقة الأخيرة (المحاضرة 8) من سلسلة محاضراته بعنوان "الثورة الاسلامية في فكر الامام الخامنئي، والتي خصّ بها موقع "الخنادق"، انجازات الثورة الاسلامية مؤكّداً على عناوين رئيسية.
المحاضرة الكاملة:
بسم الله الرحمن الرحیم
والحمد لله ربّ العالمين، وصلّی الله علی سیّدنا محمّد وعلی آله الطیّبین الطاهرین.
أصدقائي الأعزاء، شبابنا المؤمن الثوري، السلام علیكم ورحمة الله وبرکاته.
في الحلقات السابقة من سلسلة الدروس هذه تحدّثنا عن أبعاد مهمّة حول مفهوم الثورة الإسلامیة من منظار سماحة الإمام الخامنئي. أشرنا إلی المبادئ الفکریة للثورة وأسسها العقائدية، وذکرنا أهداف الثورة وقیمها الأساسیة، وبیّنّا مراحل الثورة وخطواتها نحو أهدافها السامیة، وشرحنا جذور الثورة وبیئتها الاجتماعیة، وتعرّفنا علی صنّاع الثورة وقائدها، وتطرّقنا إلی جبهة أعداء الثورة ومخطّطاتها العدائية وكيفية التصدي للأعداء في الثورة الإسلامية. وفي هذه الحلقة سنقدّم إن شاء الله قراءة سریعة لإنجازات الثورة وبرکاتها علی الصعید الداخلي وعلى الصعيد الخارجي.
طبعاً لا یمكن أن نذکر جمیع إنجازات الثورة بتفاصیلها الکثیرة وبأرقام وإحصاءات دقیقة في حلقة واحدة. لكن لمن یرید أن یعرف معلومات تفصیلیة أکثر حول إنجازات الثورة یمکنه أن یراجع الخطاب المهم لسماحة السید حسن نصر الله -حفظه الله- الذي ألقاه في احتفال الذكرى الأربعين لانتصار الثورة الإسلامية، والذي تحدّث فیه سماحة السید بشکل مفصّل وبالأرقام والإحصاءات حول تقدّم الثورة في المجالات العلمیة والاقتصادیة والتجاریة والصناعیة والزراعیة والثقافیة وغیرها من المجالات.
لكن ما نقصده نحن في هذه الحلقة عبارة عن مرور سریع علی أهمّ إنجازات الثورة الإسلامیة بعناوینها العامة وخطوطها العریضة بناءً علی دراسة خطابات الإمام الخامنئي وخصوصاً من خلال الترکیز علی بیان الخطوة الثانية الذي أصدره سماحة القائد بمناسبة الذکری الأربعین لانتصار الثورة الإسلامیة وذکر فیه أهم هذه العناوین.
أمّا علی الصعید الداخلي، یجب أن نشیر إلی العناوین التالیة:
أوّلاً "الاستقلال". الیوم تُعرف إیران في العالم بمواقفها المستقلّة وهذا ممّا لا شكّ فیه، وحتی أعداء الثورة یعترفون بوجود هذه الخصوصية لدی النظام الإسلامي، بینما کانت قبل الثورة إحدی الدول التابعة للقوی الكبرى ولم تکن تملك الحرّية اللازمة في اتخاذ القرارات بناءً علی مصالحها الداخلية والوطنية. إیران الیوم وببرکة الثورة الإسلامیة دولة مستقلة وغیر تابعة في جمیع الأبعاد السیاسیة والاقتصادیة والثقافیة، واستطاعت أن تطبّق الشعار المعروف: "لا شرقیة ولا غربية".
ثانیاً "الحرّیة".عندما یقارن المراقبون المستقلون مؤشّر الحرّية في إیران ما قبل الثورة وما بعدها لا یسعهم إلا أن يقرّوا بالفارق الکبیر الذي حصل في هذا المجال. الثورة الإسلامیة أهدت الحریة لآحاد الشعب، والناس الیوم أحرارٌ في تفكيرهم ومعتقداتهم وقراراتهم وتصرّفاتهم وحتی في نقد الدولة والنظام. والنظام الإسلامي یری نفسه مسؤولاً وملتزماً بالحفاظ علی هذه الحرّیات، طبعاً ضمن نطاق الشرع الإلهي والأخلاق والقيم الإنسانية.
ثالثاً "سیادة الشعب". بتعبیر سماحة القائد في بیان الخطوة الثانية: "لقد بدّلت الثورة النظام الملکي الاستبدادي المخزيّ إلی حكم شعبيّ وسیادة شعبیة، وأدخلت عنصر الإرادة الوطنیة الذي یمثل روح التقدّم الشامل والحقیقيّ، في صلب إدارة البلاد، ثم جعلت الشباب اللاعبین الأصلیین في الأحداث وأدخلتهم إلى ميدان الإدارة، ونقلت روحيّة "نحن قادرون" إلی الجمیع". عندما ننظر إلی عدد الانتخابات التي أجریت في إیران بعد الثورة ونسبة المشارکة الشعبیة في هذه الانتخابات نجد أنّ هذا المؤشّر في إیران أفضل بكثير من الوضع في بعض البلدان التي تدّعي أنّها مهدٌ للدیمقراطیة، وهذا یعني أن السیادة الشعبیة تكرّست وترسّخت في البلاد ببرکة الثورة.
رابعاً "الأمن والاستقرار". فقد ضمنت الثورة الإسلامیة استقرار البلاد وأمنها ووحدة أراضیها وصیانة حدودها التي تعرّضت لتهدیدات جدّية من قبل الأعداء. یکفي أن ننظر إلی معجزة الانتصار في الحرب المفروضة وهزیمة النظام البعثي وحماته الأمریكيين والأوروبیّین والشرقیّین، وأیضاً یجب أن نلقي نظرةً علی نجاح الثورة الإسلامیة في الحفاظ علی أمن البلاد خلال السنوات الماضية عندما کانت الحروب تُشعل المنطقة وجاءت القوی العسكریة الخارجیة إلی منطقتنا وأنشأت قواعد عسکریة وتجسسیة متعددة حول إیران بهدف الضغط علی إیران الثورة.
خامساً "التقدّم العلمي والتقني". بدّلت الثورة الإسلامیة هذا البلد المتأخّر والمتخلّف علمیاً إلی بلد متقدّم في العلم والتقنیات. لقد کانت إیران قبل الثورة في درجة الصفر من حیث إنتاج العلم والتقنية، ولم یكن لها في الصناعة میزة سوی المونتاج والصناعات التجمیعیّة وفي العلوم سوی الترجمة. لکنّ الیوم وببرکة الثورة نلاحظ طفرة حقیقیة في کلّ المجالات العلمیة والتقنیة. یشیر سماحة القائد إلی هذه الطفرة في بیان الخطوة الثانیة التي حدثت وحصلت في الثورة وخلال سنوات ما بعد الثورة الإسلامية في إيران، ویقول: "آلاف الشرکات علمیّة المحور، وآلاف المشاریع المتعلقة بالبنی التحتیة والضروریة في مجالات العمران والنقل والمواصلات والصناعة والطاقة والمعادن والصحة والزراعة والمیاه وغیر ذلك، وملایین الطلاب والخرّيجين الجامعیین، وآلاف الوحدات الجامعیة في شتّی أرجاء البلاد، وعشرات المشاریع الکبرى من قبیل دورة الوقود النووي، والخلایا الجِذعیة، وتقنیّات النانو، وتقنیات الأحیاء وغیرها، وبرتب أولی علی مستوی العالم کلّه، وازدیاد الصادرات غیر النفطیة إلی ستین ضعفاً، وزیادة الوحدات الصناعیة إلی ما یقارب العشرة أضعاف، وتحسّن جودة الصناعات عشرات الأضعاف، وتبدیل الصناعات التجمیعیة إلی تقنیات محلیة، والتمیّز الملحوظ في الحقول الهندسیة المتنوعة بما في ذلك الصناعات الدفاعیة، والتألّق في الفروع الطبیّة المهمّة والحسّاسة واکتساب موقع مرجعيّ فیها، وعشرات النماذج الأخری من التقدم، کانت کلّها حصیلة تلك الروح وذلك الشّعور العامّ الذي حقّقته الثورة الإسلامیة للبلاد".
سادساً "العدالة". رجّحت الثورة الإسلامیة کفّة العدالة في توزیع خیرات البلاد والثروات العامة. إنّ حصيلة الكفاح ضد اللاعدالة خلال هذه العقود الأربعة لا یمکن مقارنتها بأيّ فترة زمنیة أخری. في نظام الطاغوت کانت أکثر الخدمات ومداخيل البلاد تختص بفئة صغیرة من سکان العاصمة أو أمثالهم. وأهالي معظم المدن وخصوصاً المناطق النّائیة والقری غالباً ما کانوا محرومین من احتیاجاتهم الأولیة والأساسیة. لکنّ الیوم تُعدّ الجمهوریة الإسلامیة من أنجح الحکومات في العالم في نقل الخدمات والثروة من المرکز إلی کلّ أنحاء البلاد. رغم ذلك یقول سماحة الإمام الخامنئي: "بالطبع، فإنّ العدالة المتوقعة في الجمهوریة الإسلامیة التي ترغب في أن تُعرف باتّباعها للحکومة العلویة، هي أکثر من هذا بکثیر، وأعین الأمل في تحقیقها مسمّرة علیکم أیها الشباب".
سابعاً "الوعي السیاسي والمشاركة الشعبية". بتعبیر سماحة القائد ارتقت الثورة بمستوی التفكير السیاسي لأبناء الشعب ونظرتهم للقضایا الدولیّة بنحو مذهل، وأخرجت عملیات التحلیل السیاسي وفهم القضایا الدولیة في موضوعات من قبیل جرائم الغرب، وقضیة فلسطین، وقضیة إشعال القوی المستكبرة للحروب وممارساتها الخبيثة وتدخّلاتها فی شؤون الشعوب وأمثالها، أخرجتها من كونها محصورة بشریحة محدودة ومعزولة تُعرف بالمستنیرين، فانتشرت مثل هذه الاستنارة وهذا الوعي بین عموم الشعب، وأضحت مثل هذه القضایا واضحة ممكنة الفهم حتّی للأحداث والیافعین. والنقطة المهمة أن هذا الوعي وهذه البصيرة جعلت شرائح الشعب مشارِكة وفاعلة حقيقية في أهم استحقاقات البلاد السياسية، وجعلت الشرائح المختلفة من الشعب متفاعلة مع قضايا المستضعفين في العالم.
ثامناً "المعنویة والأخلاق". لا تنحصر إنجازات الثورة الإسلامیة في الجانب المادي فقط، وإنّما تشمل البعد المعنوي للإنسان والمجتمع. رفعت الثورة الإسلامیة من مستوی المعنویة والأخلاق في الأجواء العامة بشکل ملحوظ جداً ووفّرت فرصاً کبیرة وأرضیة جاهزة للناس وخصوصاً للشباب لبناء الذات والترکیز علی علاقتهم مع الله سبحانه وتعالی. لذلك نلاحظ أنّ من برکات الثورة الإسلامیة کان ارتفاع جمیع المؤشرات المتعلقة بالأمور الدینیة والمعنویة، مثل المراسم والزیارات الدینیة وصلوات الجمعة والجماعات والصدقات الواجبة والمستحبة والأعمال العبادیة وروح الأخوّة والإیثار والتضحیة في المجتمع، وحركة المبادرات التطوعية الاجتماعية والعمل التطوعي الشبابي في المجتمع. والمهمّ بتعبیر القائد: "وقد حدث هذا کلّه في زمن تسبّب فیه الانحطاط الأخلاقي المتزایِد للغرب وأتباعه ودعایاتهم الهائلة لجرّ الرجال والنساء إلی مستنقعات الفساد، بانعزال الأخلاق والمعنویة في مناطق کثیرة من العالم".
هذه النقاط کانت من أهمّ عناوین إنجازات الثورة علی الصعید الداخلي، أمّا علی الصعید الخارجي نشیر إلی عنوان "المقاومة الإسلامیة" و "الصحوة الإسلامیة" فقط.
من برکات الثورة الإسلامیة هو إیجاد جبهة المقاومة من العراق إلی سوریا ولبنان وفلسطین والیمن. وقفت الثورة الإسلامیة خلف حرکات المقاومة في المنطقة بكلّ صدق وشفافیة، ودافعت عن قضایا الشعوب المحقّة، ودعمت الفصائل المؤمنة لکي تتمکّن من القیام بواجباتها الجهادية في مقابل تجاوزات الأعداء. والمهمّ أن الثورة الإسلامیة في دعمها لحرکات المقاومة الإسلامیة لم تنظر حتی یوماً واحداً إلی انتماءاتها المذهبیة والطائفیة، فکما دعمت حزب الله الشیعي في لبنان دعمت المجموعات الفلسطینیة السنیّة في مواجهتها للكیان الصهیوني الغاصب.
أمّا في موضوع الصحوة الإسلامیة نحن نعتقد أنّ الثورة الإسلامیة في إیران وصمودها وانتصاراتها خلال کلّ هذه السنوات أحدثت صحوة حقیقیة بین الشعوب خصوصاً في المنطقة العربیة والإسلامیة. لقد انتصرت الثورة الإسلامیة وانكسرت هیبة أمریكا والصهیونیة في المنطقة، وهذا دفع المسلمین إلی الیقظة والتفکیر، وأحدث هزّة لدى الشعوب الأخرى التي رأت أنّ الشعب الإيراني یصمد بهذه الصلابة، ویتقدّم بثبات وعزم. هذه الصحوة وهذه الیقظة ستغیّر وجه المنطقة عاجلاً أم آجلاً إن شاء الله.
إذاً أشرنا في هذه الحلقة إلی أهمّ إنجازات الثورة الإسلامیة وبرکاتها علی مستوی الداخل والخارج، وبهذا قد وصلنا إلی نهایة جلساتنا حول مفهوم الثورة الإسلامیة من منظار قائد الثورة الإسلامیة سماحة آیة الله العظمی الإمام السید علي الخامنئي دام ظلّه. طبعاً هذه الحلقات تعتبر مجرّد بدایة صغیرة للتعرّف علی هذا المفهوم المهمّ والأساسي في المنظومة الفکریة لسماحة القائد، ونحن نحتاج لاحتکاك وتواصل فکري أکبر وأعمق مع سماحة الإمام الخامنئي، ومواکبة خطاباته بدقة، ومتابعة نشاطاته ومواقفه بشکل مستمرّ، لتعمیق هذه المعرفة، حتی نفهم مشروعه الحضاري الكبیر بصورة صحیحة، ولکي نستطیع أن نكون جنوداً وضباطاً في هذه المعرکة ونؤدّي دوراً فاعلاً ریادیاً في الثورة الإسلامیة العالمیة التي تتطلّع إلی بناء حضارة إسلامیة حدیثة ممهّدة لظهور صاحب العصر والزمان الإمام الحجة أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.
أسأل الله تعالی لكم التوفیق في هذا الطریق، وأستودعكم الله وأسألكم الدعاء، والسلام علیكم ورحمة الله وبرکاته.
الكاتب: السيد كميل باقر