يُحكى أن الرئيس الياباني السابق شينزو آبي، قد تمّ اغتياله في الوقت الذي كانت فيه المحادثات حول مراجعة المادة التاسعة من الدستور الذي وضعته الولايات المتحدة لطوكيو بعد احتلالها عام 1947، والتي تُمنع اليابان بموجبها من بناء أي قوة عسكرية. كان شينزو معارضًا لمراجعة المادة التاسعة ولا حتى الالتفاف حولها وتعديلها. وبعد اغتياله أعلنت طوكيو عن إطلاقها لاستراتيجية عسكرية جديدة من شأنها أن ترفع الإنفاق العسكري إلى ما يعادل 80 مليار دولار، مما يضع اليابان في المرتبة الثالثة في العالم بعد الولايات المتحدة والصين. وهو الأمر الذي يؤكد فرضية تورّط الولايات المتحدة في الاغتيال، فقد حان الوقت العالمي لتقوية هذا الموقع الجيوستراتيجي بعدما انبعث التنين الصيني، والدب الروسي ما فتئ مقاتلًا شرسًا. "لقد تغير العالم بطريقة دراماتيكية"، يقول السفير الأمريكي في طوكيو رام إيمانويل.
خلفية قوات الدفاع الذاتي اليابانية
تمّ إلغاء جيش اليابان الإمبراطوري، وصادق البرلمان على قانون عام 1954 يسمح بإنشاء قوات الدفاع الذاتي وهدفها الأساسي ألا تكون اليابان قوة عسكرية كبرى تهدد العالم. والأهم الحفاظ على اتفاقات الأمن مع الولايات المتحدة، تحتفظ الولايات المتحدة بقواتها في اليابان منذ ذلك الوقت. وقد عمدت اليابان طيلة الفترة الماضية إلى تعزيز دفاعها الذاتي خاصة في ظل التاريخ الدموي من الحرب اليابانية الصينية، لكنها كانت بقدَر، مع تعهّد الولايات المتحدة لحماية اليابان في حال هددتها الصين أو أي دول أخرى. وهو الأمر الذي يحصل في كل دول المحميات الأمريكية: جيش ضعيف وضمانة أمريكية أمنية.
التحركات الأمريكية: رسالة قوية إلى الصين
أعلن كبار المسؤولين الأمريكيين واليابانيين أن الولايات المتحدة ستنشر وحدة مشاة البحرية مطورة لديها القدرة على إطلاق صواريخ مضادة للسفن في أوكيناوا باليابان، في خطوة تهدف إلى ردع الصين. وزير الدفاع لويد أوستن صرّح بأن الوحدة التي تم تجديدها، والتي ستطلق عليها اسم الفوج البحري الساحلي الثاني عشر، سيتم تجهيزها أيضًا بقدرات استخباراتية واستطلاعية متقدمة. وأضاف أوستن: "ستعزز هذه الإجراءات الردع في المنطقة وتسمح لنا بالدفاع عن اليابان وشعبها بشكل أكثر فعالية في بيئة أمنية صعبة بشكل متزايد"، واصفًا الوحدة بأنها "أكثر تنوعًا وقوة وقدرة على الصمود". والكتيبة الساحلية البحرية هي وحدة يصعب اكتشافها مصممة للعمليات في المياه الساحلية. وهي مجهزة بصواريخ Naval Strike المركبة فوق بدائل غير مأهولة من المركبات التكتيكية الخفيفة المشتركة. تتألف الوحدات من 1800 إلى 2000 من أفراد الخدمة.
إلى ذلك، يعبّر مسؤولون في وزارة الدفاع أن هذه الخطوة ترسل إشارة قوية إلى الصين مفادها أن الولايات المتحدة يمكنها الدفاع عن اليابان بسرعة، وستكون الوحدة الجديدة قادرة على الاستجابة بسرعة للطوارئ.
أعلن أوستن النبأ خلال مؤتمر صحفي مشترك في وزارة الخارجية مع وزير الخارجية أنطوني بلينكين ونظرائهم اليابانيين، ويأتي قبل يومين من الموعد المقرر للقاء الرئيس جو بايدن مع رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا في البيت الأبيض. وفي حين أن عدد القوات الأمريكية في اليابان لن يتغير، قال أوستن إن الولايات المتحدة تعتقد أن الوحدة الجديدة، التي تحل محل فوج المدفعية الثاني عشر، ستكون "أكثر فتكًا، وأكثر مرونة، وأكثر قدرة". وقال إنه من المتوقع أن تكتمل هذه الخطوة بحلول عام 2025.
لتحالف شبيه بحلف الناتو
يقول كورت كامبل، الذي يشرف على السياسة الإقليمية لمجلس الأمن القومي التابع لبايدن، "هذه نقطة انعطاف" بالنسبة لآسيا. إنها تنقل اليابان من الاعتماد على قوتها الناعمة وأسلحتها الأمريكية إلى شراكة عسكرية حقيقية. ويعيد رسم الخريطة الأمنية، ويؤطر تحالف احتواء شبيه بحلف شمال الأطلسي في المحيطين الهندي والهادئ وكذلك المحيط الأطلسي. وعلى الرغم من كل الأحاديث عن حسن نوايا الولايات المتحدة من قرار عدم تسليح اليابان وسوق المبررات للأهداف الوطنية لهذا القرار، إلا أن القرار الأمريكي الجديد ليس إلا لتحويل اليابان إلى قوة قادرة على استنزاف الصين وكوريا الشمالية وربما روسيا.
الكاتب: زينب عقيل