الاتحاد الأوروبي اليوم هو عبارة عن دول فاسدة وفاشلة تعجّ بالانقسامات العرقية والسياسية والأزمات الاقتصادية الكبيرة، وفي ظلّ هذه الفوضى الناتجة عن الحرب الأوكرانية بالدرجة الأولى، تكشّفت المعايير المزدوجة بالدلائل القاطعة، لدى الاتحاد الأوروبي الذي يلقي المحاضرات ويحب إعطاء الدروس للعالم بأسره في كيفية إدارة الدول، لكنه يفشل في تنظيف عتبة منزله من الفساد والرشوة، آخرها فضيحة التأثير القطري وشراء النفوذ في أوروبا. الواقع أن الاتحاد الأوروبي اليوم ليس فقط مفكك وفي طريقه الى الانهيار، بل أيضًا مرتشٍ، ومن دولة من دول العالم الثالث!
أخطر فضائح الفساد في البرلمان الأوروبي
إنها قد تكون فضيحة الفساد "الأكثر خطورة" و "الأكثر إثارة للصدمة" و "الأكثر فظاعة" التي تضرب بروكسل منذ سنوات. يقول المراقبون.
قال رئيس منظمة الشفافية الدولية، ميشيل فان هولتن، إن فضيحة قطر قد تكون "أفظع قضية" لفساد مزعوم شهده البرلمان منذ سنوات. ووصف ألبيرتو أليمانو، أستاذ القانون في HEC Paris الأمر بأنه "أكثر فضيحة نزاهة مروعة في تاريخ الاتحاد الأوروبي". ووصف دانيال فرويند الألماني، عضو البرلمان الأوروبي، رئيس المجموعة المشتركة لمكافحة الفساد بالبرلمان، الأمر بأنه أحد "أخطر فضائح الفساد في بروكسل في العقود الأخيرة". فما الذي حصل؟
فضيحة الكسب غير المشروع التي تتكشف الآن في بروكسل، مع اعتقال أربعة أشخاص بمن فيهم عضو البرلمان الأوروبي اليوناني ونائبة رئيس البرلمان الأوروبي إيفا كايلي ، من المرجح أن تجذب المزيد من التدقيق في حملات الضغط الخارجية المستمرة في قطر وحملات التأثير المتشابكة، والتي استشهد بها المحللون على أنها أمثلة حول كيفية استثمار الأموال في القوة الناعمة.
أسفرت سلسلة من 16 مداهمة على الأقل من قبل الشرطة الفيدرالية البلجيكية يوم الجمعة في 9 كانون الأول/ديسمبر عن اعتقال خمسة أشخاص قالوا إنهم ارتكبوا "جرائم مزعومة تتعلق بالتنظيم الإجرامي والفساد وغسيل الأموال". انتهت عمليات المداهمة بالكشف عن رشوة 600 ألف يورو نقدًا، بالإضافة إلى الهواتف وأجهزة الكمبيوتر.
في البداية، لم يكن الجناة من الأسماء الرئيسية وفقًا لمعايير بروكسل: كالعضو سابق في البرلمان الأوروبي، وعدد قليل من المساعدين البرلمانيين، ورئيس نقابي، إذ كشفت الشرطة الفيدرالية البلجيكية عن اعتقال نائبة رئيس البرلمان الأوروبي والمدافعة الصريحة عن الدوحة إيفا كايلي، التي وصفت قطر بأنها " المرشح الأوفر حظًا في مجال حقوق العمال، في الوقت الذي تحولت فيه بطولة كأس العالم إلى أضواء مسلّطة على حقوق الإنسان وأهلية قطر في الاستضافة وخاصة من قبل فرنسا. إذ تناولت الكثير من الصحف الأوروبية الظروف الشبيهة بالعبودية للعمال الأجانب الذي عملوا في بناء البنية التحتية لكأس العالم من ملاعب وغيرها. واغتنم النقاد الليبراليون هذه اللحظة لمهاجمة موقف الدولة المسلمة المحافظة من حقوق المرأة وحقوق المثليين.
كيف أصبح الاتحاد الدولي لنقابات العمال أكبر معجب بقطر؟
في عام 2013، طالب الاتحاد الدولي للنقابات الذي يطلق على نفسه "الصوت العالمي للعمال" بتجريد قطر من استضافة كأس العالم بسبب معاملتها للعمال المهاجرين المكلفين ببناء الملاعب السبعة الجديدة في البلاد، والمطار والفنادق الجديدة والطرق الجديدة. في عام 2014، أصدر الاتحاد الدولي للنقابات تقريرًا يعلن أن "قطر دولة بلا ضمير"، وفي عام 2015 وصفت الدولة بأنها "دولة العبودية".
ولكن في تموز/يونيو 2022، قبل أشهر من بدء البطولة، كان الاتحاد الدولي للنقابات يغني لحنًا مختلفًا. إذ أصدرت وزارة العمل القطرية مقطع فيديو للأمينة العامة شارون بورو، تقدّم مراجعة في إصلاحات قانون العمل في قطر. وقالت: "الأشخاص الذين يهاجمون قطر بسبب قوانين العمل الخاصة بها من خارج البلاد، نقول اذهبوا وألقوا نظرة لقد تحققت العدالة للعمال في قطر". ولكن بعد أشهر، وقبل ركل الكرة الأولى، طُرد العمال الذين كان عملهم أساسيًا في مشروع كأس العالم بقيمة 220 مليار دولار من مجمعاتهم السكنية لإفساح المجال أمام المشجعين الزائرين.
اتفاق الخطوط الجوية: إننا نتعرض لهجوم
فتحت تحقيقات شراء النفوذ القطري في الاتحاد الأوروبي ملف اتفاقية وَصل الخطوط الجوية القطرية مع الاتحاد الأوروبي، ويتم الآن التحقق مما إذا كانت قطر قد أثرت بشكل غير ملائم باتفاقية نقل جوي رئيسية تمنح الخطوط الجوية القطرية وصولاً غير محدود إلى سوق الاتحاد الأوروبي، بهدف استكشاف طرق لكبح جماح الصفقة المربحة. رئيسة لجنة النقل في البرلمان التي تفاوضت على الصفقة كريمة ديللي، صرّحت بأن قطر ربما تكون قد تدخلت في المداولات الداخلية للبرلمان بشأن الاتفاقية. وقالت إنها صُدمت عند الكشف عن المدفوعات التي قدمتها قطر. ورددت ما قالته رئيسة البرلمان روبرتا ميتسولا "إننا نتعرض لهجوم!". واتهمت ديللي قطر بأنها قد نظمت الفساد في الاتحاد الأوروبي.
قطر تشق طريقها فوق حجمها
بالنسبة لإمارة خليجية صغيرة تقع على بقعة صحراوية في الخليج الفارسي، لطالما شقّت قطر طريقها فوق حجمها في أروقة العالم الغربي، واستطاعت أن تحقق نفوذًا داخل الدول إما من خلال دعم اللوبيات وإما من خلال الرشاوى. حيث تستخدم قطر، من بروكسل إلى لندن وإلى برلين، "التبرعات" للأكاديميين ومراكز الفكر والاستثمارات في العلامات التجارية الإعلامية والشركات الكبرى، بالإضافة إلى دعوات كبار السياسيين لحضور مؤتمرات وقمم رفيعة المستوى حول التعليم والمناخ، للحصول على نفوذ واسع النطاق، وتشكيل سياسات مؤيدة لها في الاتحاد الأوروبي. الأوروبيون ليسوا وحدهم الذين يحققون فيما إذا كان القطريون يشترون النفوذ ويسعون سرًا للتأثير على السياسة بالهدايا والأموال، قال جوناثان شانزر، نائب الرئيس الأول للأبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مؤسسة فكرية مقرها واشنطن، إن عائلة آل ثاني الحاكمة في الإمارة استفادت من الثروة الهائلة القائمة على الغاز الطبيعي في النفوذ الإقليمي والدولي. ويرى أن قطر قد استخدمت ثروتها الهائلة بطرق تنتهك الأعراف، إن لم يكن القوانين، في جميع أنحاء العالم؛ لا يوجد عمليا أي عاصمة غربية، ناهيك عن رؤوس أموال أمريكية جنوبية أو آسيوية، لم تتأثر بطريقة ما".
قطر تنظّم الفساد في الاتحاد الأوروبي
فضيحة التأثير القطري التي تهزّ بروكسل الآن، يعمل الإعلام الغربي على تجميلها بمحاولة شيطنة قطر التي تشتري الذمم وتقدّم الرشاوى، ولكن من النادر أن تجد من يتحدث عن الفساد الذي ينخر أعمدة البرلمان الأوروبي والذي استطاعت قطر من خلاله النفوذ. تتهم وزيرة النقل في الاتحاد الأوروبي قطر "بتنظيم الفساد داخل الاتحاد الأوروبي"، لقد صدقت، فالفساد موجود، وقطر فقط تمكنت من لعبة استغلاله وتنظيمه.
الكاتب: زينب عقيل