البحث في درجة التناغم في السياسة الخارجية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي؛ خصوصاً تجاه قضايا الشرق الأوسط وتحديداً تجاه القضية الفلسطينية يكشف عن أزمة على قدرٍ من التعقيد الكبير، وبشكل يجعل القدرة الأوروبية على التأثير أكثر ضيقاً. في هذا الإطار، سنتناول في هذه الخلاصة للدراسة المرفقة أدناه، مؤشرات التباين في المواقف الأوروبية.
التباين في المواقف الأوروبية الرسمية: الاتحادية والقطرية
ذلك يعني أن القرار الأوروبي يحتاج لصدوره التوافق بين مصالح الدول الأعضاء، والتوافق بين المجلس الأوروبي والبرلمان مع مقترحات المفوضية، وهو أمر ليس من السهل تمريره خصوصاً أن الموافقة لا بدّ أن تكون بالإجماع وهو ما يزيد الأمور تعقيداً.
وفي ظلّ هذه الملابسات في آليات اتخاذ القرار الأوروبي يمكن عرض الاضطراب الأوروبي تجاه الموقف من عملية طوفان الأقصى على النحو التالي:
الموقف من عملية طوفان الاقصى
الموقف الأوروبي من الطوفان هو موقف منبت الصلة تماماً عن الأسباب التاريخية الدافعة له، وتمّ تقديمه كما لو أنه "مجرد هجوم للهجوم فقط"، بل إن التذكير المستمر بالطوفان- كعمل إرهابي- يرد في أغلب البيانات الأوروبية الجماعية والفردية الرسمية بل ونسبة غير هينة من وسائل الإعلام الأوروبية. فإذا استثنينا هذا الجانب من الموقف الأوروبي، يمكننا تقسيم مواقف الدول الأوروبية إلى ثلاثة:
- دول التأييد التام لـ"إسرائيل": والذي يتمثل في الانحياز التام للموقف الإسرائيلي، ويتم التعبير عن ذلك من خلال مؤشرات تبدأ برفع الأعلام الإسرائيلية على المباني الحكومية أو التأييد التام للعمليات الإسرائيلية داخل غزة، بل وتبرير القتل الواسع للمدنيين الفلسطينيين، وتجنب أيّ انتقادات لأيّ سياسات إسرائيلية، وتتصدر هذا الموقف كل من التشيك والنمسا وهنغاريا وإلى حدٍّ ما ألمانيا.
- دول المواقف المعتدلة: وهو الذي ينتقد عملية الطوفان ولكنه يؤيد تحقيق السلام ويطالب بوقف إطلاق النار، وتتضمن بيانات هذه الدول نقداً لانتهاكات "إسرائيل" للقانون الدولي الإنساني، ويتمثل هذا الفريق بكل من بلجيكيا وإسبانيا وإيرلندا ويمكن اعتبار فرنسا قريبة من هذه الدول بقدر ما خصوصاً في المراحل الأخيرة.
- دول التيار المتحفظ الذي يساند إسرائيل ولكن بقدر من الحذر، وهو الموقف الذي يغلب على توجهات بقية دول الاتحاد.
- أما الموقف البريطاني، بالرغم أنها ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي، فهو يتماهى بقدر كبير مع الموقف الأمريكي، وإن أصابه بعض التغيّر الطفيف في المراحل الأخيرة.
والملاحظ أن الموقف الأوروبي في اتجاهه العام هو أقرب للموقف الإسرائيلي، أما بعض التصريحات من بعض الشخصيات الأوروبية الرسمية التي تتضمن إدانة واضحة لـ"إسرائيل" واتهامها بالتمييز العنصري والدعوة لفرض عقوبات عليها بل ومقاطعتها، مثل بيان نائبة رئيس الوزراء الإسباني يولندا دياز Yolanda Díaz فهي تصريحات شخصية لا تمثل موقف الحكومة بشكل دقيق. ناهيك عن أن الموقف الفردي لدولة معينة لا يمثل الاتحاد الأوروبي.
- الموقف من البعد الإنساني خلال المعارك: تعددت زيارات المسؤولين الأوروبيين ومسؤولي الاتحاد الأوروبي إلى المنطقة، وكان التركيز في هذه الزيارات على مسألتين هما موضوع المساعدات من ناحية وموضوع الرهائن الإسرائيليين من ناحية أخرى.
التصور الأوروبي لتسوية الحرب في غزة والتسوية للصراع العربي الإسرائيلي: يشير تتبع المواقف الأوروبية إلى تحولات تدريجية وبطيئة إلى حدٍّ ما في المواقف الأوروبية خلال طوفان الأقصى وخلال الصراع التاريخي
الموقف الأوروبي من الهجوم الإيراني على "إسرائيل"
اتسم ردّ الفعل من الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، تجاه الهجوم الإيراني على أهداف عسكرية إسرائيلية في 13/4/2024 بأبعاد ثلاثة:
- مشاركة عسكرية فعلية خصوصاً من فرنسا وبريطانيا في التصدي للصواريخ والمسيرات الإيرانية لحماية "إسرائيل"، وخصوصاً في المجال الجوي الأردني.
- دعم التوجه نحو مزيد من العقوبات على إيران، خصوصاً في مجال التكنولوجيا العسكرية.
- التأكيد على منع تصاعد المواجهات على المستوى الإقليمي.
التحول في اتجاهات الرأي العام الأوروبي:
تشير استطلاعات الرأي الأوروبي، بما فيها بريطانيا، إلى أن استمرار الحملة العسكرية الإسرائيلية دفعت مستويات التعاطف مع إسرائيل لدى الجمهور الأوروبي إلى التراجع بمعدل 9% خلال الفترة من تشرين الأول/ أكتوبر إلى كانون الأول/ ديسمبر 2023، كما أن القطاع الشعبي المتعاطف مع أي من الطرفين، فلسطين أو إسرائيل، يكشف عن انشطار واضح في الموقف الشعبي الأوروبي، فمثلاً أبدى ما بين 24-31% تعاطفاً مع الطرفين، أي بمعدل 28% تقريباً، كما أن ما بين 27-37% من الأوروبيين "غير متأكد من تعاطفه"، وهو ما يعني أن 32% من الأوروبيين لا يُعرف أيهما أقرب لموقفه، وأن نحو 30% من الأوروبيين ليس مع أي طرف.
الخلاصة:
- اتساع القبول الأوروبي بوقف إطلاق النار حسب قرارات الأمم المتحدة، الجمعية العامة ومجلس الأمن.
- اتساع قاعدة النقد والرفض للموقف الإسرائيلي من المجتمع الأوروبي.
- التراجع السريع عن وقف مساعدة وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين.
- صعوبة اتخاذ القرار الموحد داخل الاتحاد الأوروبي بخصوص فلسطين.
- مسارعة الديبلوماسية الأوروبية لاتخاذ إجراءات عملية ضدّ الطرف العربي في حالة الخلاف حول موضوع معيّن، بينما يتسم الموقف الأوروبي بالتلكؤ والمماطلة والذرائعية أمام المخالفات الإسرائيلية حتى الواضحة منها، ويتضح ذلك في غلبة الامتناع عن التصويت أوروبياً في مثل هذه المواقف.
- إن التنافس القطبي على المنطقة، والتباينات الداخلية الأوروبية، والتشرذم الإقليمي عوامل تجعل وزن القرار الأوروبي أقل مركزية في الصراع العربي الإسرائيلي، بالرغم من القوة السكانية والاقتصادية والعسكرية والعلمية الأوروبية.
المصدر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات
الكاتب: أ. د. وليد عبد الحي