بعيد العمليات الأخيرة التي نفذها شباب فلسطينيون في الداخل المحتل، يقف كيان الاحتلال امام المعضلة نفسها وهي عدم القدرة على ضبط الشارع وبالتالي تذويب القتال ضد جنوده ومستوطنيه. خاصة، وان هذه العمليات تتواصل بشكل مستمر، والكيان في ذروة انقسامه السياسي، "ثمة حروب على الكراسي والميزانيات، أما الجبهة الحقيقية فتنهار"، وفق ما وصفته صحيفة معاريف العبرية، التي قالت في مقال لها انه " ليس للجيش الإسرائيلي ما يكفي من جنود ومجندات للقيام بكل المهام اللازمة حيال عدو وحشي يقف لإبادتنا".
النص المترجم:
الأمن هو الموضوع الأول الذي يفترض أن يطرح على طاولة الحكومة الجديدة. المكان الذي يقتل فيه الناس يجب أن يكون همّ الحكومة ومسؤوليتها الحصرية التي تعمل بحكم أيديولوجيتها. فقد تعهدت حكومة اليمين بمعالجة الموضوع الذي اختبأ في مكان ما خلف جبال الظلام وينز سائلاً أحمر. ثمة حروب على الكراسي والميزانيات، أما الجبهة الحقيقية فتنهار. سياسة احتكاك عنيف في عدة جبهات كشفت أن ليس للجيش الإسرائيلي ما يكفي من جنود ومجندات للقيام بكل المهام اللازمة حيال عدو وحشي يقف لإبادتنا.
مع كل الاحترام لمن يبحر أو يطير أو ينقر مفاتيح الحاسوب، فإن من يحسمون المعركة على الضفة في إسرائيل هي البساطير التي على الأرض: سلاح المشاة وحرس الحدود، وليسوا الـ 8200 ولا البحريين أو الطيارين أو تلاميذ المدارس الدينية، ولا حتى المدرعات، وآمل أن ليس "النار المضادة" على تجمعات سكانية من جانب سلاح الجو.
للجيش الإسرائيلي على الأرض احتياط فائق من العلمانيين والمستوطنين والتقليديين، لكنهم في الأقلية مقابل أعداد داعمي القتال. لا قتال من دونهم. لكن التواجد البشري على الأرض هو الضمانة للسيطرة. جنود المشاة وحرس الحدود هم الذين ينفذون سياسة الحكومة، بمن فيهم الجنود والضباط الذين لا يتفقون مع سياستها.
المشكلة: إسرائيل بحاجة إلى جيش قوي كي تتصدى لواقع راهن مهدد. وهذا الواقع مهدد لأنه لا جرأة لحكومة لحله بمسيرة سياسية. وهكذا، فإن الجيش القوي الذي نحتاجه نحن في حال تعرضنا للهجوم يستخدم لإدارة سياسة صيانة المستوطنات، التي تتسبب بتراكم تهديد الهجوم العربي العام الذي يحتاج إلى جيش كبير وقوي. هذه دائرة دموية تغذي نفسها وتتسبب بحروب زائدة.
ثمة درء للشك: باستثناء تخليد النزاع، فإن تخليد إسرائيل ينتصر في هذه الحرب كل يوم وليلة. السؤال: متى نمسك نحن الرأس ونسأل أنفسنا كيف كان يمكننا أن نتعاون مع خطوات سياسية وأيديولوجية أدت إلى حروب زائدة: مصيبة يوم الغفران، مصيبة الحروب في لبنان، مصيبة الانتفاضة التي لا تنتهي في الضفة، ومصيبة الحملات في غزة؟ كل أنواع الحروب الصغيرة والكبيرة التي تجري بلا مفر أو بلا شريك، وتنتهي بالعودة إلى الخانة التي انطلقنا منها إلى تلك الحرب، هذا فضلاً عن عودة الشيطان الإيراني بمساعدة رئيس الوزراء الجديد مع الشعار القديم "إيران – إيران".
كل الأحزاب اليهودية التي تنافست في الانتخابات فشلت في اختبار طرح موضوع الحرب في الضفة. السؤال كان "بيبي – نعم أم لا"، وقد جعل الانتخابات خطة بقاء لشخص واحد وخطة توزيع الميزانية للشراء. وهكذا وصلنا اليوم إلى وضع فقد فيه الجيش الإسرائيلي السيطرة ليس فقط على الميدان داخل المدن والقرى وبخاصة مخيمات اللاجئين، بل وأيضاً على جنوده وضباطه. ألف اتفاق تطبيع مشروط (يجب التوقف عن خدعة اتفاقات سلام لم توقع قط) لن تخفي حقيقة أن التعليمات الحكومية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي هي مناورة تهكمية تستهدف تجاوز الحاجة إلى تسوية مع الفلسطينيين.
ثمة ميزان رعب بل وأمل حيال سوريا ولبنان: اتفاق الغاز في واقع الأمر هو اتفاق مع حزب الله وإيران. نتنياهو وشركاؤه رفضوه ولاحقاً سيتبنونه – ليس كفرصة لتسوية شاملة، بل كسبب آخر لتوتر دائم، جزء من الحروب الصغيرة التي تخلق التهديد الكبير، الذي يستوجب تعزيز جيش كبير يدير حروباً صغيرة، وهكذا دواليك وهلمجرا (لا سمح الله). هذا لا يعني رفع الأيدي والهروب، بل يعني ما قاله رابين بالضبط: مكافحة الإرهاب وكأنه لا توجد مسيرة سياسية. والسير بمسيرة سياسية وكأنه لا يوجد إرهاب.
كانت لنتنياهو صيغته لقول رابين: نكذب على الفلسطينيين والعالم وكأننا نسير إلى مسيرة سياسية، وندعم استمرار الاحتلال وسلب الأراضي من جانب المستوطنين الذي يغذي حرب عصابات شعبية (قلة تطلق النار، والأغلبية تساند). الفريسة السهلة والمتوفرة هم جنود الجيش الإسرائيلي. عمليات الصيد الدائمة تستوجب حجوم كتيبة تفوق المطلوب، وروتين التهديدات يستوجب وجود خمسة في كل زاوية شارع أو ضاحية قرية. وليس للجيش الإسرائيلي ما يكفي من الجنود الجيدين لينفذوا كل هذه المهام بمستوى مناسب. حتى لدى الجيدين ثمة تآكل عندما يرابطون بصفة حراس انتظاراً للعدو الذي "اذهب لتعرف من سيهاجم، متى وأين بالضبط". ما يؤدي إلى أحداث نار خفيفة على القتل التي تقع في أحيان متواترة أكثر فأكثر.
هذا الأسبوع رفضت إسرائيل أن تكون شريكة في تحقيق الولايات المتحدة (!) في موضوع قتل الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة. واضح لماذا: فالجيش سبق أن اعترف بمسؤوليته عن موتها، غير أن المشاركة في التحقيق كفيل بأن يؤدي إلى اتهامات شخصية ستتدحرج إلى المحكمة الدولية في لاهاي. الحرب في الضفة هي بين سكان مكتظين ومنظومة جيش إسرائيلي هزيلة، لا تختلف عن المنظومة التي رابطت يوم الغفران في الهضبة والقناة: مئة دبابة من لواء 188 مقابل ألف دبابة سورية، ولواء احتياط مقدسي متثائب أمام آلاف الجنود المسنودين بالمدرعات وسلاح الجو والمدفعية المناسبة. مثلما في الضفة، انتصرنا هناك أيضاً. الجيش الإسرائيلي وصل إلى مئة كيلومتر عن القاهرة وأربعين كيلومتراً عن دمشق، ثم انتهى هذا بالبكاء والانسحاب.
ليس هذا هو الجيش الإسرائيلي الكبير والرهيب، بل هم مجندة حرس الحدود وحارس مدني في أطراف شعفاط. المجندة قتلت، والحارس أصيب، وكلاهما قاتلا سكاناً مكتظين يبعثون بانتحاريين بشكل غير قابل للتوقع من الاستخبارات. نصيد ونقتل حملة سكاكين ومسلحين منذ سنين، ومثلما في الأفلام الكرتونية الأمريكية يعودون وكأنهم من اللامكان… وهذه القصة ستتواصل عشرات السنين. من ناحيتنا، هذه حرب ضد الإرهاب ومعظمنا يرفض أن يفهم بأن قسماً كبيراً من دول العالم وغير قليل من الإسرائيليين يعتقدون أنها حرب الاستقلال الفلسطينية.
اتخذت الجمعية العمومية للأمم المتحدة هذا الأسبوع قراراً بأن إسرائيل اليوم هي دولة احتلال بشكل غير قانوني. وعندنا يشجبون ويتثاءبون. في اللحظة التي نعرف فيها كيف نقيس جاهزية موت الفلسطيني الذي يتجند لقضيته أمام المحتل الإسرائيلي حينئذ نفهم أين نقف: حتى آخر مقاتل لنا في المناطق -الضفة الغربية- لا يخوض حرباً شخصية على الحياة وعلى الموت بفضل قدراته العسكرية والاستخبارية.
إن التحقق المطلق لهوامش الأمن الواسع التي يوفرها الجيش لمقاتليه في الميدان يثبت نفسه بأعداد المصابين. ليس للانتحاريين الفلسطينيين مشكلة في أن يهاجموا، المشكلة عندهم كيف يهربون. فهم يطلقون النار، يطعنون، يهربون، يُقتلون أو يصادون لاحقاً. بدلاً من التوقف وأخذ نفس ومحاولة رؤية الصورة الكبرى، نجدنا أسرى في النص الدائم بعد كل عملية: هذا إرهاب منكر، وقلوبنا مع العائلات، وسنقتل الإرهاب.
المصدر: معاريف
الكاتب: ران أدليست