دائماً ما تكون خطابات قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي، هي فرصةً أمام المتابعين لفكره ونظرياته، معرفة قراءته وآرائه في مختلف الأحداث التي تجري في الجمهورية الإسلامية أو في المنطقة والعالم.
فكيف سيكون الحال، والعالم بأسره اليوم يعيش إرهاصات تشكّل نظام دولي جديد، بالإضافة إلى ما تعيشه إيران اليوم، من جولةٍ أخرى للحرب التركيبية التي تواجهها منذ ما يزيد على الـ 44 عاماً.
لذلك كان خطاب الإمام الخامنئي الأربعاء الماضي، قبيل إحياء اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار (الذي يصادف اليوم الجمعة)، وخلال الاحتفاء يوم التلميذ، والذي ألقاه أمام تلاميذ المدارس من أنحاء البلاد، من الخطابات المهمة والاستراتيجية في سياق ما ذكرناه أعلاه.
بحيث أكدّ الإمام الخامنئي على أنّ 13 آبان (الموافق للـ 4 من تشرين الثاني / نوفمبر)، هو يومٌ يُجسّد شرّ أمريكا وتلقيها الهزيمة، مبيناً بأنّه بالرغم من أنها باتت تملك أساليب عداء أكثر تعقيداً، إلا أنّها باتت في حالة ذوبان تدريجي.
وأشار الإمام الى علامات التغيير في النظام العالمي ونشوء نظام جديد مكانه، الذي يمتلك أبعاداً وطبيعةً ليسا واضحين تماماً، لكن خطوطه العريضة قابلة للتصور وهي:
_الخط العريض الأول: انزواء أمريكا.
_الخط الثاني: انتقال مراكز القوة السياسية والاقتصادية والثقافية وحتى العلمية من الغرب إلى آسيا.
_الخط الثالث: توسّع فكر المقاومة ضد الغطرسة، الذي ابتكرته الجمهورية الإسلامية.
13 آبان ومحطات المواجهة مع الاستكبار الأمريكي
واستعرض الإمام الخامنئي الأحداث التاريخية ليوم "13 آبان"، مثل حادثة نفي الإمام الخميني (رض) لـ 13 عاماً في 13 آبان الموافق لـ 4 تشرين الثاني / نوفمبر من العام 1964، وذلك لاعتراضه على قانون حصانة 45 ألف من الأمريكيين المتواجدين في إيران (في المؤسسات العسكرية والأمنية والاقتصادية)، من التبعات القانونية لأي جرائم يرتكبونها هناك، والذي أقرّه الشاه محمد رضا بهلوي في البرلمان.
ثم أشار الى حادثة استشهاد عدد من التلاميذ أمام جامعة طهران في 13 آبان الموافق لـ 4 تشرين الثاني / نوفمبر من العام 1978، وهجوم طلاب الجامعة في العام الثاني بعده على السفارة الأمريكية، الذي عثروا فيه على الكثير من الوثائق التي تكشف الخيانات والتدخلات ونهب موارد إيران من الحكومة الأمريكية خلال عهد الشاه، بالإضافة الى مؤامراتهم المختلفة ضد الثورة الإسلامية أيضاً. معتبراً بأن التحدي بين الشعب الإيراني وأمريكا لم يبدأ بالهجوم على السفارة التي وصفها بوكر التجسس، بل بدأ في 28 مرداد من العام 1332 الموافق للـ 19 من آب / أغسطس للعام 1953، عندما أطاحت أمريكا بمساعدة المملكة المتحدة، بحكومة مصدّق الوطنية بالانقلاب، لأنه قال بأن نفط إيران يجب أن يكون بيد شعبها وليس بيد البريطانيين، ولأن الأمريكيين لم يطيقوا مصدّق بسبب المصالح، لذلك وعلى عكس توقعات الأخير من مساعدة الأمريكيين له، طعنوه في ظهره وأطاحوا به عبر إنفاق المال وبالاستعانة ببعض من وصفهم الإمام الخامنئي بالخونة والبلطجية.
واستعرض الإمام الخامنئي جرائم أمريكا ومؤامراتها بعد انتصار الثورة الإسلامية أيضاً أبرزها:
_دعم واشنطن للجماعات الانفصالية في كردستان بداية الثورة.
_انقلاب قاعدة الشهيد نوجِه في همدان.
_ دعم إرهاب من وصفهم بالمنافقين (كمنظمة خلق).
_ تقديم الدعم الشامل لصدّام حسين في الحرب المفروضة ضد إيران.
_ الهجوم الصاروخي الذي أستهدف طائرة ركاب إيرانية وأسقطها ما أدى الى استشهاد نحو 300 شخص، وقيام الإدارة الأمريكية بتكريم الجنرال الذي استهدفت سفينته طائرة الركاب هذه.
_فرض الحظر على الشعب الإيراني منذ العام الأول لانتصار الثورة، ودعم الفوضى والفتنة في إيران في كل المحطات.
لذلك وصف كلام السياسيين الأمريكيين حول مناصرتهم للشعب الإيراني خلال الأحداث الحالية، بأنه "ذروة الوقاحة والنفاق"، وخاطبهم متسائلاً: "هل هناك شيء كانت لديكم القدرة على فعله ضد الشعب الإيراني خلال هذه العقود الأربعة ولم تفعلوه؟ وإذا لم تفعلوا شيئاً مثل الحرب العسكرية مباشرة، فهذا إما لأنكم لم تستطيعوا وإما لأنكم خفتم من الشباب الإيرانيين".
التأكيد على الثأر لجريمة اغتيال الشهيد القائد قاسم سليماني
وأشار الإمام الخامنئي إلى جريمة اغتيال الشهداء القادة قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهما، مؤكداً بأنه "لن ننسى أبداً استشهاد سليماني. لقد قلنا كلاماً في هذا الصدد (في إشارة الى معاقبة كل من خطّط وتورط ونفذ عملية الاغتيال)، ونحن عند كلامنا. سيحدث ذلك في وقته ومكانه المناسبين، إن شاء الله".
إشارات أفول أمريكا
عدّد الإمام الخامنئي في الخطاب أيضاً علامات أفول أمريكا:
_ مشكلات أمريكا الداخلية غير المسبوقة بدءاً من المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، إلى الانقسامات الداخلية الدموية.
_ خطأ حسابات أمريكا بشأن القضايا العالمية علامة أخرى على أفولها، مثل هجومها على أفغانستان قبل 20 عاماً للقضاء على حركة طالبان، واضطرارها بعد ذلك الى الانسحاب وتسليم البلد الى الحركة مجدداً.
_ هجومها على العراق وإخفاقها في تحقيق أهدافها هناك، وأبرزها سعيها لتعيين أشخاص أمريكيين أو تابعين لها.
_ هزيمة أمريكا في سوريا ولبنان، ولا سيما في القضية الأخيرة التي تتعلق بتحديد حقول الغاز، بعكس ما كانت تخطط، بحيث أحبط حزب الله كل أهدافها.
_تصويت الناس لأشخاص مثل الرئيس الحالي جوزيف بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب هو من العلامات الأخرى على انحطاط أمريكا.
الأحداث الأخيرة: الحرب التركيبية
أشار الإمام الخامنئي إلى الدور الواضح لأعداء إيران في أعمال الشغب التي شهدها البلد في الأسابيع الماضية، بحيث لم تكن مجرد أعمال شغب في الشارع، بل برامج أعمق بكثير. كاشفاً بأن العدو بدأ حرباً تركيبية، أدخلت فيها أمريكا وإسرائيل وبعض القوى الأوروبية والمجموعات والفصائل، كل إمكاناتهم إلى الميدان.
وختم قائد الثورة الإسلامية بنصيحة الشباب الى الاهتمام والتركيز على جهاد التبيين، لما له من أثر مهم على صعيد المواجهة مع أمريكا ومعسكرها.
الكاتب: غرفة التحرير