تسعى مصر من خلال اتفاق "منتدى الغاز في الشرق الأوسط" ومن خلال اتفاقيات مع كيان الاحتلال أن تكون شريكة في تصدير غاز البحر الأبيض المتوسط الى القارة الاوربية التي تقف على بُعد شهر من خريف جليدي ومن ارتفاع فاتورة الطاقة بنسبة 80% بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا بعد عمليتها في أوكرانيا. الا أن القاهرة ستتبع سياسة تقشفيّة على مؤسساتها وشعبها لأجل تصدير غازها وهي التي تعاني أيضاً من العديد من الأزمات على الأصعدة كافة.
ففي مقالها، تشير صحيفة "لوريان لوجور" الفرنسية الى أن مصر وافقت على خطة لتقنين الكهرباء للحفاظ على الغاز الطبيعي، ووفقاً لهذا المشروع على السلطات أن تخفض بنسبة 15% كمية الغاز المخصص لمحطات الكهرباء على مدى عام لتصديرها بالدولار".
المقال المترجم:
هل القاهرة لديها الوسائل لتلائم طموحاتها؟ فمن ناحية؛ تدعي أنها تستطيع المساعدة في تخفيف أزمة الغاز التي ابتليت بها القارة الأوروبية منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. ومن جهة أخرى؛ وافقت في 11 آب/أغسطس الجاري على خطة تقنين للكهرباء للحفاظ على الغاز الطبيعي، ويتمثل الهدف من ذلك في تحويله إلى سوق التصدير لتوليد العملات الأجنبية.
وفقًا لهذا المشروع، يجب على المتاجر ومراكز التسوق الحد من استخدامها للضوء القوي والحفاظ على تكييف الهواء عند درجة حرارة أعلى من 25 درجة. علاوة على ذلك، تم الآن تقليل الإضاءة العامة إلى حد كبير. وعلى السلطات أن تخفض بنسبة 15% كمية الغاز الطبيعي المخصص لمحطات الكهرباء على مدى عام لتصديرها بالدولار. موقف قد يبدو متناقضًا من بعيد. لأنه مع اكتشاف حقل الظهر في عام 2015 من قبل شركة إيني الإيطالية، تفخر مصر منذ عام 2018 بأنها أصبحت مكتفية ذاتيًا.
لكن؛ وفقا لرئيس الوزراء مصطفى كمال مدبولي، في الظروف الحالية سيكون من المستحسن إيلاء الاهتمام لصادرات الطاقة بدلًا من الاستهلاك المحلي لأنه من الممكن أن تبيع القاهرة غازها في الخارج أكثر بعشر مرات، في سياق الأزمة، مقارنة بالسوق المحلي؛ حيث تجمد الإعانات الحالية الأسعار.
أن هذا القرار الجديد من قبل الحكومة المصرية يفسر تداعيات الحرب في أوكرانيا، والتي لا تزال تؤثر على اقتصاد البلاد: فقد ارتفعت الأسعار العالمية للمواد الأولية، وانهارت السياحة، وارتفعت تكلفة الاقتراض. وتسبب ذلك في تراجع النمو القومي بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، من 7 بالمئة قبل سنة إلى 3.2 بالمئة في الربع الأخير من السنة؛ وجعل مصر مهددة بأزمة غذائية غير مسبوقة، لأن حوالي 80 بالمئة من وارداتها من القمح تأتي من روسيا وأوكرانيا، كما تراجعت احتياطياتها من 40.980 مليار دولار في كانون الثاني/ يناير إلى 33.132 مليارا في تموز/يوليو الماضي.
في ظل هذه الظروف، تلجأ القاهرة بطبيعة الحال إلى حلفائها النفطيّين في الخليج. وبحسب مقال نشرته وكالة فرانس برس الأحد، فإن الرياض "أودعت حتى 5 مليارات دولار في البنك المركزي المصري في نهاية آذار". ومع ذلك، لا يكفي "منع ذوبان الاحتياطيات، أو الحد من التضخم عند 14.6% أو حتى خفض الدين العام بنسبة 90% من الناتج المحلي الإجمالي".
في 23 آذار/ مارس 2022؛ طلبت الحكومة المصرية رسميًّا دعم صندوق النقد الدولي للمساعدة في تخفيف التداعيات الاقتصادية الكارثية المرتبطة بغزو أوكرانيا، ومنذ سنة 2016؛ قدمت المؤسسة المالية بالفعل ثلاثة قروض لمصر بقيمة إجمالية تبلغ 20 مليار دولار أمريكي. ومع ذلك، فإن المناقشات هذه المرة تتأرجح، حتى لو كانت، وفقًا للصحافة المحلية، على وشك الانتهاء.
وفي قلب المحادثات هناك حاجة إلى سعر صرف أكثر مرونة للجنيه، لأن العملة المصرية تتعرض لضغوط رغم تخفيض قيمتها بنحو 15 بالمئة في آذار/ مارس الماضي، وبالنسبة للعديد من المحللين، يجب أن تنخفض قيمته أكثر لتقليص فجوة التمويل.
أزمة الديون
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قدر بنك غولدمان ساكس أن مصر ستحتاج إلى تأمين حزمة بقيمة 15 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، على الرغم من أن وزير المالية المصري محمد معيط صرح في ظهور متلفز أنه يتفاوض على مبلغ أقل بكثير. ووفقًا لمصدر في مقابلة له مع وسيلة الإعلام المستقلة "مدى مصر"، فإن القاهرة قدمت في البداية طلبا بقيمة 10 مليارات دولار في آذار/مارس.
في الأثناء؛ تم تعديل الأرقام إلى حد كبير ووقع خفضها في نيسان/ أبريل، ورد صندوق النقد الدولي بأنه لا يمكنه التفاوض على أكثر من مبلغ يتراوح بين 3 و5 مليارات دولار. وللموافقة على مبلغ أكبر؛ يطالب في المقابل بإجراءات تقشفية شديدة مثل خفض الدعم وانخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار. ومع ذلك؛ فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار للسكان الذين تضرروا بشدة بالفعل من التضخم وخطر الاحتجاج الاجتماعي لمن هم في السلطة.
وفي بيان صدر في 19 آب/أغسطس، أشارت منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية لحقوق الإنسان إلى أن "قروض صندوق النقد الدولي الأخيرة لمصر، والتي تبلغ قيمتها الإجمالية 20 مليار دولار، قد أدخلت عددًا من التغييرات في السياسة الاقتصادية التي أدت إلى زيادة تكلفة المعيشة لذوي الدخل المنخفض مع بذل القليل من الجهد لمعالجة القضايا الهيكلية، بما في ذلك الافتقار إلى الشفافية، وتآكل استقلال مؤسسات الدولة الرئيسية، بما في ذلك نظام العدالة، والتدخل الوحشي للجيش في الاقتصاد، الذي يعتبر محصنًا من الرقابة المدنية.
في نهاية تموز/ يوليو؛ أعلن مجلس إدارة المؤسسة الدولية التي تتخذ من واشنطن مقرا لها أن مصر بحاجة إلى "تقدم حاسم في إصلاحات هيكلية وميزانية أعمق" لتعزيز القدرة التنافسية وجعلها أكثر مرونة في مواجهة الصدمات، وردا على سؤال لوكالة فرانس برس، يثير الخبير الاقتصادي المصري هاني جنينة من جهته مشكلة أساسية والمتمثلة في أن "قيمة الجنيه المصري مرتفعة بشكل مصطنع، وهذا يجبر الدولة على الاقتراض من الخارج ويخاطر بأن يجدوا أنفسهم في مأزق في وقت السداد"، وأضاف أنه "خلال الأسبوع الماضي، لم تعد البنوك قادرة على إمداد المستوردين بالدولار".
وقدم محافظ البنك المركزي المصري السابق، طارق عامر، استقالته في 17 آب/ أغسطس، وحل محله حسن عبد الله، وهو صديق مقرب سابق للرئيس المخلوع حسني مبارك ومصرفي معروف بعلاقاته الوثيقة مع المؤسسات الدولية والإقليمية. وبحسب ما نقله موقع "المونيتور"، ستكون هذه خطوة من جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لكسب ود صندوق النقد الدولي الذي يطالب بتغيير السياسة النقدية.
وفقًا لموقع بلومبرغ؛ فإن احتمال فشل مصر في سداد ديونها في غضون عام وصل مؤخرا إلى أعلى مستوى له منذ سنة 2013، وهو الأسوأ في المنطقة، وأضاف الموقع أن "المستثمرين، الذين ما زالوا يعانون من التخلف عن السداد مؤخرًا من جانب روسيا وسريلانكا، يتطلعون إلى مصر كدراسة حالة لتقييم ما إذا كان من الممكن للبلدان ذات الاقتصادات الهشة أن تتجنب أزمة ديون واسعة النطاق وتتنقل في العصر المقبل من شروط ائتمانية أكثر صرامة".
المصدر: لوريان لوجور