على بعد أشهر قليلة على الانتخابات النصفية للكونغرس، يواجه الرئيس الأميركي جو بايدن سلسلة من التحديات التي -على ما يبدو- ستترجم في صناديق الاقتراع على عكس ما يريد. وما يزيد الوضع سوءاً بالنسبة لبايدن، انا الرأي العام الأميركي يرى بإدارته شريكاً في جعل الأمور تتدهور، خاصة على مستوى الديموقراطية. صحيفة هآرتس اعتبرت في مقال لها ان "ما اتضح هو فشل زعامة إدارة بايدن، من الداخل والخارج، والنتيجة: ليس ترسيخ الشرعية، بل فقدانها".
النص المترجم:
لقد شاءت الأقدار أن تتقاطع زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للقدس والضفة الغربية مع ما كشف عنه في واشنطن عن أحداث 6 كانون الثاني 2021. مشاهد موازية ومرتبطة لضعف أمريكي في الداخل والخارج؛ رغم أن علاقة مكونات ذلك واضحة بإدارة بايدن منذ بداية عهده إلا أنه غير قادر على التعامل معها، وفعلياً هو يفعل العكس
بعد بضعة أسابيع على محاولة الانقلاب في الولايات المتحدة، وفي خطابه الافتتاحي، ربط وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن حصانة الديمقراطية في الداخل وفي أرجاء العالم: "تعزيز الديمقراطية في الداخل أمر حيوي لسياستنا الخارجية… لا سؤال فيما يتعلق بهشاشة في ديمقراطيتنا. كثيرون حول العالم يعترفون بأن التحديات التي نواجهها هي التحديات التي يواجهونها. وهم الآن ينظرون إلينا لأنهم يريدون رؤية إذا كانت الديمقراطية لدينا منيعة، وإذا كنا نستطيع أن نتحدى من الداخل. سيكون هذا أساس شرعيتنا في الدفاع عن الديمقراطيات في أرجاء العالم في السنوات القادمة".
ولكن ما اتضح منذ ذلك الحين هو فشل زعامة إدارة بايدن، من الداخل والخارج، والنتيجة: ليس ترسيخ الشرعية، بل فقدانها.
نفكر بالهشاشة عندما نتخيل رجال حماية نائب الرئيس مايكل بينس وهم يفصلون عن أحبائهم، ومذعورين من الجمهور الذي حرضه رئيسهم دونالد ترامب كما كشف عن ذلك في الجلسات عن أحداث 6 كانون الثاني، وهم يختبئون في موقف السيارات تحت مبنى الكابيتول، الذي هو رمز الديمقراطية الأمريكية.
نفكر بالهشاشة إزاء صور بايدن في جدة وهو يحج للاستظلال بظل بن سلمان، وفي القدس وهو يحج خاضعاً للنظام الإسرائيلي حيث صعب عليه التلفظ بضريبة كلامية فيما يتعلق بالفلسطينيين وحقوقهم.
حتى أقواله الجوفاء في "إعلان القدس" فيما يتعلق بـ "دعمه طويل السنين والدائم لحل الدولتين"، صيغت بصورة أحادية الجانب، كمصلحة أمريكية فقط، خلافاً لأجزاء الإعلان الأخرى التي وقع عليها يئير لبيد وبايدن.
نفكر بأن هذا الأمر أُفرغ من مضمونه، التصريحي والفعلي؛ بعدم عمل الإدارة الأمريكية من أجل الحرية والمساواة للفلسطينيين، وعدم عمل الإدارة على وقف الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين. ما الذي تبقى؟ الفتات المالي، بادرات حسن نية تعطيها إسرائيل إذا أرادت وتسحبها متى تريد، كل ذلك كبديل بائس للخطاب السامي فيما يتعلق بـ "درجة متساوية من الأمن والحرية والازدهار" التي يستحقها الجميع. نعم، درجة متساوية.
ثمة مزيد. خذوا الجملة الوحيدة في هذا الإعلان التي تتناول محكمة لاهاي والأمم المتحدة: الولايات المتحدة وإسرائيل تؤكدان بأنهما ستعملان معاً من أجل مكافحة كل محاولات مقاطعة إسرائيل أو خلق عدم شرعية لإسرائيل، بما في ذلك ضد الأمم المتحدة أو محكمة الجنايات الدولية. ما المكتوب هنا في الحقيقة؟ مثال آخر على التهكم الأمريكي فيما يتعلق بأجهزة دولية: لا يهم الجوهر، الأساس هو ما الذي سنستخدمه وضد من.
فكروا أيضاً بقمة الزعماء "12 يو.تو" التي جمعت زعماء الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات والهند أثناء زيارة بايدن. ماذا تمثل هذه الدول الأربع في الوقت الحالي؟ الهند التي كانت الديمقراطية الكبرى في العالم تتشكل تحت سلطة رئيس الحكومة نراندرا مودي وحزب "بي.جي.بي" كقومية متعصبة هندية من خلال استخدام العنف الصادم ضد الأقلية المسلمة الكبيرة. الولايات المتحدة التي يعدّ تصنيفها الذاتي كـ "زعيمة العالم الحر"، تنهار أمام قوات ضخمة من الداخل، تريد تشكيلها – وهناك من يقولون الحفاظ عليها – كمشروع تحت سيطرة أقلية مسيحية بيضاء وليس ديمقراطية متعددة الأعراق. إسرائيل معروفة بأنها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، لكنها عملياً تتبع نظام أبرتهايد يخلد فيه نصف السكان فيها بين النهر والبحر (اليهود) التفوق بواسطة السياسة والجغرافيا والديمغرافيا على حساب النصف الآخر من السكان، وهم الفلسطينيون. الإمارات التي تحاول تطوير علاقات عامة جيدة مع الخارج في الوقت الذي تكون فيه الأغلبية الساحقة من سكانها عمالاً أجانب، ومحظور عليهم الاحتجاج أو التظاهر أو انتقاد النظام الحاكم غير المنتخب.
في هذا الوضع يمكن التساؤل لماذا لم تتم دعوة رئيس حكومة هنغاريا، فيكتور أوربان، لهذه القمة الافتراضية، مفكر الديمقراطية غير الليبرالية. في الحقيقة، تبين أن ما كان افتراضياً هنا ليس الحضور الجسدي، بل التصنيف الديمقراطي. إذا كان أوربان مناسباً لنا مثل تناسب القفازات مع اليد، إذاً لماذا لا يكون ترامب هو الشخص عن الطرف الأمريكي الذي جعل رجال حماية بينس يهربون إلى موقف السيارات.
أهلا وسهلاً بالقادمين إلى النظام العالمي الجديد. لم يبق لكم سوى أن تقرروا أين تريدون أن تتموضعوا فيه.
المصدر: هآرتس
الكاتب: حجاي العاد