تستمر تداعيات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا على سوق الطاقة العالمي. لتنتج في المعسكر الغربي تحديات مزدوجة. منها على الصعيد الداخلي للدول، وآخر، على صعيد الامدادات العالمية وسلاسل التوريد التي تتحكم بها التقلبات العالمية على شاشة البورصات الضخمة في نيويورك.
الولايات المتحدة بدورها، في خضم هذه الموجة. وما يزيد من حدة التحدي أنها في أوج الانقسام السياسي على أبواب الانتخابات النصفية للكونغرس. وبالتالي، فإن ملف زيادة انتاج النفط والمساس بالاحتياطي، يخضع لشد الحبال بين اقطاب السياسة الأميركية، الحزبين الديموقراطي والجمهوري. وهو الأمر الذي بدأ يولّد نتائج خطرة.
في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أعلنت واشنطن عن "خطط للإفراج عما يصل إلى 50 مليون برميل من احتياطيات النفط الاستراتيجية لها بهدف خفض سعره في الأسواق".
وذكرت تقارير نيّة واشنطن باعتماد طريقتين لاستخدام مخزونها النفطي الاحتياطي: إذ ستقوم بطرح 32 مليون برميل من خلال نظام "تبادل"، على أن تتم إعادة هذا النفط إلى الحكومة الفيدرالية ليصب في المخزون الاستراتيجي خلال السنوات المقبلة، كما ستبيع 18 مليون برميل على مدى عدة أشهر.
لكن على ما يبدو، ان حسابات واشنطن لم تأت وفق ما حسابات البورصات النفط العالمية، بعد قرار روسيا وقف ضخ النفط واستيفائه سعره بالروبل الروسي من جهة، وعدم رغبة الدول الخليجية في تلبية نداء الرئيس الأميركي جو بايدن "الاستغاثي" كما يجب، من جهة أخرى. حيث سجل احتياطي النفطي الأميركي هبوطاً هو الأدنى منذ عام 1985.
أخيراً، أظهرت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، أن "مخزونات كل من النفط الخام والبنزين قد هبطت بأكثر من المتوقع خلال الأيام الماضية، في حين زادت مخزونات نواتج التقطير".
وقالت الوكالة الحكومية إن مخزونات الخام "تراجعت 4.5 مليون برميل على مدار الأسبوع المنتهي في 22 تموز/يوليو، بينما كان محللون شملهم استطلاع أجرته "رويترز"، قد توقعوا انخفاضاً قدره مليون برميل فقط".
وفي حين سجل مخزون الخام في مركز التسليم في كاشينج ارتفاعاً وصل إلى 751 ألف برميل الأسبوع الماضي، انخفض استهلاك مصافي التكرير الأميركية للخام بمقدار 292 ألف برميل يومياً مع تراجع معدلات التشغيل 1.5 نقطة مئوية.
وهبطت مخزونات البنزين 3.3 مليون برميل إلى 225.1 مليون برميل، بينما كانت توقعات المحللين تشير إلى انخفاض قدره 0.9 مليون برميل فقط.
وبالنسبة لنواتج التقطير التي تشمل الديزل وزيت التدفئة، فقد زادت إلى 784 ألف برميل على مدار الأسبوع إلى 111.7 مليون برميل بينما كان من المتوقع أن ترتفع 0.5 مليون برميل.
وقالت إدارة معلومات الطاقة إن صافي واردات الولايات المتحدة من النفط الخام الأسبوع الماضي انخفض بمقدار 1.14 مليون برميل يومياً إلى 1.62 مليون برميل يومياً.
وعلى الرغم من ان واشنطن كانت أعلنت نيتها "بيع 20 مليون برميل إضافية من النفط من احتياطي البترول الاستراتيجي ضمن خطة سابقة تهدف إلى "تهدئة" أسعار النفط، إلا ان
مركز معلومات الطاقة الأميركية أشار إلى معدلات تشغيل مصافي التكرير في ولايات الغرب الأوسط الأميركي هبطت إلى 85.2%، وهو أدنى مستوى منذ أيار/مايو 2021.
ما هو الاحتياطي الاستراتيجي؟
هو كميات من المخزون النفطي يتم الاحتفاظ به لتلبية الاحتياجات في أي دول مستهلكة او مستوردة للبترول ومشتقاته وذلك لفترات تتراوح بين 30 و90 يوماً لمواجهة الحالات التي قد تتعرض فيها الامدادات النفطية العالمية لأزمات طارئة.
كانت الولايات المتحدة أول دولة في العالم قررت ان تعتمد هذا النوع من الاحتياطي وذلك في بداية سبعينيات القرن الماضي. وجاءت هذه الخطوة بعد الحظر النفطي العربي الذي تسبب في قفزة هائلة بأسعار الوقود، على نحو ألحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد الأميركي وبغيره من الاقتصادات الكبرى المستهلكة للنفط.
وهذه الاحتياطات النفطية الأميركية مخزنة في عشرات الكهوف في 4 مواقع شديدة الحراسة على سواحل لويزيانا وتكساس. وتكفي هذه الاحتياطات متطلبات الاقتصاد الأميركي لمدة تبلغ أكثر من 30 يوماً.
وتعتقد الدول الصناعية الكبرى انه بالإمكان استغلال هذه الاحتياطات لتهدئة أسعار النفط العالمية عند صعودها بشدة. بل أكثر من ذلك، فإن الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية التي تأسست أيضاً بعيد أزمة النفط العالمية الأولى عام 1974، صار يتعيّن، عليها ان تحتفظ باحتياطات استراتيجية بما يكفي لمدة 90 يوماً.
الكاتب: مريم السبلاني