لطالما كان حزب الله يقف خلف الدولة اللبنانية، في كل ما يتعلق بدورها وواجباتها وسياساتها، بعكس ما يروج له العديد من الشخصيات السياسية والأحزاب والوسائل الإعلامية، التي تدور في فلك الولايات المتحدة الأمريكية، إلا فيما يتعلق بمواجهة أعداء لبنان، كالكيان المؤقت والمجموعات التكفيرية.
وهذا ما التزم به الحزب منذ تاريخ تأسيسه عام 1982، وطوال السنوات اللاحقة، حيث لم يسجل أي حادثة داخلية تظهر تخطي الحزب لقرارات الدولة، أو ما قد يؤدي الى كسر هيبتها، بالرغم من أنه حصلت العديد من المظالم القاسية على الحزب، ما دفع بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الى أن يصف هذا الأمر في عدّة خطابات "بس علينا بتكون إيد (يد) الدولة مالحة"، نسبةً للشهداء الذين ارتقوا في أكثر من مجزرة: الـ 13 من أيلول عام 1993، حي السلم 2004 والرمل العالي 2006، مار مخايل 2008، الطيونة 2022.
كما أن هناك العديد من الشواهد التاريخية، التي أظهرت احترام عناصر الحزب للدولة في أداء "واجباتها"، بالرغم ما تعتريه هذه الواجبات من افتراءات أو تكون خدمةً لمشاريع خارجية مشبوهة. وهذا ما حصل خلال العام 1983، عندما اعتقلت الأجهزة الأمنية العديد من شباب وقادة المقاومة، ومن بينهم الشيخ نعيم قاسم (نائب الأمين العام لحزب الله الذي لم حينها يتولى هذه المسؤولية بل أستاذاً ثانوياً) والشيخ حسان عبدالله (رئيس الهيئة الإدارية لتجمع العلماء المسلمين). وكان سبب الاعتقال تحت تهمة ملفقة، بأنهم يعملون على قلب النظام، فيما الهدف الحقيقي من ذلك كان، وقف النشاط المقاوم لإسرائيل وللوجود العسكري الأمريكي ولما كان يحضر له من اتفاق استسلام "17 أيار". وقد أدّت الضغوط الشعبية والعلمائية حينها لإطلاق سراحهم بطريقة سلمية، وبقيادة المرجع السيد محمد حسين فضل الله.
ولذلك فإن الحزب وبالرغم من تنامي قدراته وهيكلياته، طوال سني المقاومة لاحقاً، حرص دائماً على منع حصول أي ما يمس بهيبة الدولة، من مظاهر مسلحة علنية أو إقامة مناطق معزولة وممنوعة عن أجهزتها الأمنية، إلا فيما يتعلق بالعمل المقاوم وأمنه، من مراكز ومجمعات. حتى في الأمور والشؤون العامة سواء كانت إجتماعية وإقتصادية، دائماً ما يحيل الحزب أمر معالجتها الى الدولة، رغم إمكانياته على حلها بشكل مستقلّ، وبالرغم من مطالبة مجتمعه له بذلك.
تكريس معادلة الجيش والشعب والمقاومة
لكن وأمام اعتداءات كيان الاحتلال الإسرائيلي، ولاحقاً اعتداءات المجموعات الإرهابية التكفيرية ضد لبنان. لم تكن المقاومة تلتزم مبدأ الحياد أو مبدأ أسبقية الدولة، بل كانت دائماً تسبق الدولة الى ميادين المواجهة، حتى استطاعت تكريس "المعادلة الدفاعية الماسية": الجيش والشعب والمقاومة. أما سبب أسبقية المقاومة في ذلك فيعود الى الكثير من الأسباب أبرزها:
_ الاختلافات السياسية التي تعرقل عملية اتخاذ الدولة لقرار موحد يواجه التحديات، ومنها ما يحصل اليوم في العديد من الملفات المهمة، كترسيم الحدود الاقتصادية البحرية الخاصة بلبنان، لاستخراج ثرواته النفطية والغازية. كما أن بعض القوى السياسية التي تمثل فئات شعبية، هي على ارتباط بجهات خارجية كالإدارة الأمريكية، تسيّرها وفق أجنداتها ومصالحها التي لا تصب في مصلحة لبنان.
_ قدرة المقاومة على تعبئة مختلف الطاقات والإمكانيات للدفاع عن مصالح لبنان، وبطريقة أسرع بكثير مما تستطيع عليه الدولة، التي تعاني من مشاكل جمّة تبدأ بالبيروقراطية ولا تنتهي بضعف الإمكانيات والضغوط الخارجية الدولية.
الكاتب: علي نور الدين