ترافق عادةً مراسم ما قبل توقيع اتفاقيات التطبيع مع الكيان المؤقت وكذلك مرحلة التوقيع حملات إعلامية دعائية – مأجورة بطبيعة الحال – لتضخيم هذا الحدث والترويج لعائداته الاقتصادية تشجيعاً لدول أخرى تفتك بها الأزمات على القيام بخطوة مماثلة. لكن الواقع والأرقام، ليس فقد بعد سنوات إنما بعد عقود من "العلاقات"، تثبت مزيداً من تراجع اقتصاد الدول المطبّعة والاستغلال الاسرائيلي لثرواتها. ومن بين هذه الدول، الأردن التي وقّعت "اتفاقية وادي عربة" منذ العام 1994.وكان الملك عبد الله الثاني قد وصف العلاقات مع "تل أبيب"، في تشرين الثاني / نوفمبر 2019، بأنها "تمر بأسوأ ظروفها نتيجة استمرار الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة لبنود اتفاقية السلام".
أزمة المياه: ابتزاز اسرائيلي
على صعيد المياه، تعاني الأردن في هذه الفترة أزمة حادة جراء الشحّ في المياه وصلت حدّ الجفاف، وفي وقت زعمت اتفاقية التطبيع في أحد بنودها على "تحقيق تسوية شاملة ودائمة لكافة مشكلات المياه القائمة بين الطرفين، يتفق الطرفان على الاعتراف بتخصيصات عادلة لكل منهما وذلك من مياه نهري الأردن واليرموك ومن المياه الجوفية لوادي عربة، وذلك بموجب المبادئ المقبولة والمتفق عليها وحسب الكميات والنوعية المتفق عليها"، سيطر الاحتلال بعد هذه الاتفاقية على 25 مليون متر مكعب من مياه نهر الأردن. ليبدأ مسلسل الابتزاز والمقايضة الإسرائيلية حيث اشترط الاحتلال "المياه مقابل الكهرباء، فيتم تزويد عمان بـ 200 مليون متر مكعّب من المياه سنوياً مقابل تزويد "اسرائيل" بـ 600 ميغاواط من الكهرباء.
في تشرين الأول/أكتوبر عام 2020، وقعت الأردن مع الكيان "اتفاقاً" لشراء 50 مليون متر مكعب من المياه من "تل أبيب"، ولكن تبيّن فيما بعد أن المياه التي وصلت الى الأردن كانت مياه صرف صحي غير المركّزة، وليست من مياه نهر الأردن مباشرة وتقوم الأردن بتكرير تلك المياه قبل الاستفادة منها بتكلفة باهظة.
في المقابل شرح الخبير الاردني في مجال المياه سفيان التل أن الحل يمكن أن يكون بعيداً عن العلاقات مع الكيان وعبر استغلال الموارد الداخلية في البلد قائلاً " لو استفدنا من مليار مكعب فقط من مياه الأمطار، فإننا سنكفي حاجتنا كاملة من مياه الشرب والزراعة"، وأضاف " يفترض بنا إنشاء مئات السدود الصغيرة والحواجز المائية في مجاري هذه السيول؛ لتجميع مياه الأمطار، حيث يتم تخزينها بعد ذلك في المياه الجوفية، وتشكل أيضا واحات خضراء يمكننا تربية المواشي عليها، ليتوقف استيراد اللحوم بالطائرات".
الأزمات الاقتصادية
لا تعود الأزمات الاقتصادية في الأردن الى الأسباب الحالية التي تأثرت بها كل دول العالم بعد العقوبات المفروضة أمريكياً على روسيا ولا بسبب الانكماش الاقتصادي العالمي الذي تسبب بها انتشار وباء كورونا في السنتين الماضيتين، حيث أن الأردن يعاني من العديد من المشكلات منذ العقد الماضي.
يعتبر الاقتصاد الأردني غير منتج، حيث يعتمد فقط على قطاع الخدمات والتجارة والسياحة. وإن واردات الأردن أعلى بكثير من صادراته، حيث بلغ متوسط نسبة الواردات إلى الناتج المحلي الإجمالي 52.2 % خلال الأعوام 2015-2020. كما شهد البلد ارتفاعاً كبيراً في عجز الموازنة العامة حيث ارتفعت الفجوة المالية بين الإيرادات العامة والنفقات العامة منذ العام 2004 من 222.000.000 الى 926.600.000 عام 2015.
كذلك ارتفع الدين العام الداخلي والخارجي، فوفقًا لإحصائيات البنك المركزي فقد تجاوز الدين الداخلي للدولة الـ 15 مليار دينار عام 2015، أما الرصيد العام للدين العام الخارجي فقد بلغ في العام نفسه حوالي الـ 10 مليارات دينار. واللافت أن ديون الأردن كانت تقدّر بحوالي 4 مليار دولار قبل التطبيع عام 1994، فيما تجاوزت الديون المتراكمة الـ 50 مليار دولار عام 2021. وأعلن البنك الدولي أن نسبة الدين وصلت في العام نفسه الى نسبة 113% من إجمالي الناتج المحلي الأردني، واضطرت عمان الى الخضوع لشروط البنك الدولي طلباً للقروض.
ما يزيد الضغط على السلطات الأردنية هو ارتفاع معدلات البطالة التي قفزت عام 2012 من نسبة 12.6% الى نسبة 13% عام 2015. ومن ناحية زيادة الأعباء المعيشية على الأردنيين فقط ارتفعت معدلات الضرائب التي شملت السلع الأساسية أيضاً منها الماء والكهرباء والمشتقات النفطية والأدوية.
التطبيع مسّ بالأمن القومي للأردن!
في التسعينيات تبنّت الأردن نتيجة الأزمة الاقتصادية التي عانت منها في فترة الثمانينيات سياسة خصخصة القطاع العام لجذب الاستثمارات الأجنبية بما فيها الإسرائيلية. وقد غيرت عمان من قوانين الاستثمار لصالح الإسرائيليين حسب بنود في ملحق أرفق باتفاقية التطبيع السياسية ووقع الأردن عليه كجزء من الاتفاقية الشاملة. وعام 2016، أصدرت السلطات الأردنية قراراً يسمح للشركات الإسرائيلية للمساهمة في المشاريع الحكومية الاستثمارية ضمن "صندوق الاستثمار الأردني لعام 2016". لكنّ كل هذه الإجراءات لم تساهم في تحسين الظروف الاقتصادية والمالية في البلد.
كذلك شرّعت السلطات الأردنية عام 2020 قانوناً يسمح بتملّك الأجانب بما فيهم الإسرائيليين الأراضي الأردنية وخاصة في منطقة البتراء وهي مدينة أثرية. وقد حذّر النائب سعود أبو محفوظ (عضو لجنة السياحة النيابية) من أن الكيان يريد يخطط لاستيطان ملايين يهودي جنوب الأردن.
الواقع في الأعوام الأخيرة
يواجه الاقتصاد الأردني ظروفا صعبة خلال العام الحالي لعدّة أسباب أهمها ارتفاع قيمة الفاتورة النفطية لأن عمان تستورد نسبة 93% من حاجتها للمشتقات النفطية. وقد ارتفع مؤشر أسعار الطاقة (الفحم والنفط الخام والغاز الطبيعي) من 62.92 نقطة من العام 2020 إلى 111.42 نقطة عام 2021 أي بنسبة 77 %، كما مؤشر أسعار الزيوت والدهون خلال تلك الفترة بنسبة بلغت حوالي 12.5%. بالإضافة الى ارتفاع أسعار الأغذية ومدخلات الإنتاج، وتستورد عمان أيضاً 85% من الأغذية والسلع الأخرى.
الكاتب: غرفة التحرير