ما بين (عادت الطائرة حسان من الأراضي المحتلة سالمة) و (قد أنجزت المهمة المطلوبة) يوصل حزب الله بنوعين من العمليات العسكرية رسائله. واذا ما كان كيان الاحتلال قد استطاع ان يرصد ويدمر الطائرات المسيرة الثلاث التي أرسلت إلى فوق المنطقة "المتنازع عليها" فلأن الحزب أراد ذلك. تاركاً القيادات العسكرية والسياسية الاسرائيلية في دوامة الاحتمالات عن طبيعة المفاجآت المدخرة للمرحلة المقبلة -ان اختارت تل أبيب التصعيد- حيث ستكون المرة الأولى بعد المواجهة الأخيرة قبل أكثر من 17 عاماً، أي حرب تموز 2006.
قامت يوم أمس السبت "مجموعة الشهيدين جميل سكاف ومهدي ياغي بإطلاق 3 مسيّرات غير مسلّحة ومن أحجام متعدّدة، في اتجاه المنطقة المتنازع عليها عند حقل كاريش، للقيام بمهمّات استطلاعية"، ووفق بيانها الصادر فقد أكدت المقاومة الاسلامية أن "المهمة المطلوبة أُنجزت، ووصلت الرسالة".
شيفرة البيان
استخدم حزب الله في بيانه عدداً من "كلمات السر" والمصطلحات المدروسة والتي أراد منها إيضاح موقفه ورؤيته وخطته التي ينتهجها في مقاربة ملف ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة:
-المنطقة المتنازع عليها:
بعد الزيارة الأخيرة التي حضر خلالها رئيس الوفد الأميركي المفاوض عاموس هوكشتاين إلى بيروت والتي لم ينتج عنها أي تقدم ملموس في ملف الترسيم، بالتوازي مع الخطوات العملانية التي يقوم بها كيان الاحتلال مقابل حقل كاريش وبلوغه مسافة أيام عن البدء بعملية الاستخراج، برزت "عاصفة من المصطلحات" اجتاحت عدداً من الأفرقاء السياسيين في الداخل اللبناني ومنهم من أراد من خلالها الترويج للأجندة الأميركية. ولأن الملف يبدأ من هنا، من تمسك لبنان بأحقيته "القانونية" في هذه المنطقة، ولما يترتب على ذلك من خطوات رسمية ودستورية تبدأ بالمرسوم 6433، أراد حزب الله التصويب مجدداً على ان المنطقة لا تزال قانونياً "منطقة متنازع عليها" بعيداً عن كل الهرطقات الأخرى.
يدرك الجانب الأميركي أهمية التمسك بهذا المصطلح، كما الاسرائيلي أيضاً، حيث ان هوكشتاين نفسه كان قد اعترف في مقابلة له على قناة الحرة، منتصف حزيران/ يونيو الماضي، بأن "الحل الناجح -للتوصل الى الترسيم- يقضي بالإقلاع عن التفكير هل أملك أفضل قضية قانونية، هل أريد أن أكون انا المحق...قد لا أحصل على كلّ ما أردته، لذا بدل التركيز على ما هو حق لي يجب أن يكون التركيز حول الأفكار الخلّاقة التي يمكن ان نتفق عليها".
الأمر نفسه بالنسبة للقيادة الاسرائيلية، والتي عبّرت عن غضبها بعد بيان الحزب، بالقول "المياه الاقتصادية جزء من "إسرائيل" وليست منطقة نزاع ولا نقاش بشأنها و حزب الله يحاول "تقويض السيادة الإسرائيلية" بشتى الطرق.
- طائرات بأحجام متعددة:
في 18 شباط/ فبراير الماضي"أطلقت المقاومة الإسلامية الطائرة المسيرة "حسّان" داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وجالت في المنطقة المستهدفة لمدة 40 دقيقة في مهمة إستطلاعيّة أمتدّت على طول 70 كيلومتراً شمال فلسطين، وبالرغم من كل محاولات العدو المتعددة والمتتالية لإسقاطها، عادت الطائرة "حسان" سالمة بعد أن نفذت المهمة المطلوبة بنجاح ودون أن تؤثر على حركتها كل إجراءات العدو الموجودة والمتبعة". وهو الأمر الذي يؤكد على ان رغبة الحزب بإظهار المسيرات لأجهزة الرصد الاسرائيلية هذه المرة كانت واضحة ومقصودة.
ووفقاً لتقديرات الجيش الإسرائيلي فان "الطائرات المسيرة، لم تكن محاولة لتنفيذ هجوم... فبعد إسقاط المسيرات الثلاث، بصاروخ أطلقته طائرة مقاتلة من طراز "إف-16" وصاروخين من طراز "باراك-1" أطلقتهما بوارج حربية، لم تحدث انفجارات ثانوية، ما يعني أن المسيرات لم تكن مفخخة".
واعتبر المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أن إطلاق حزب الله لهذه المسيرات "يبدو كأنه تصريح نوايا"، بعد أسابيع معدودة من نصب منصة "كاريش"، وفي أعقاب تهديدات أطلقها أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، قال فيها إن إسرائيل تتوغل في المياه الاقتصادية اللبنانية".
وبعد ان بات معلوماً ان حجم الهوة بين كلفة تشغيل القبة الحديدية ووضعها في جهوزية تامة، إضافة لكلفة الصواريخ التي تطلق لاسقاط المسيرات وبين كلفة انتاج الطائرات المسيرة التي لا تتجاوز الـ 5000$. هناك ما يثير الاهتمام أيضاً، هو رغبة الحزب بالاشارة إلى أن الطائرات ليست من طراز واحد، فيما تعمّد أيضاً عدم ذكر طراز أي منها. وهو ما يجعل كل الاحتمالات في المواجهة القادمة مفتوحة، خاصة وان مركز ألما للبحوث كان قد أصدر تقريراً في كانون الأول/ ديسمبر عام 2021 توقع فيه أن لدى الحزب ما يقرب من 2000 طائرة بدون طيار (UAVs). وعلى مدى السنوات الخمس عشرة الماضية ، كانت هناك زيادة كبيرة في عدد الطائرات بدون طيار التابعة لحزب الله ".
فيما نقلت وسائل اعلام اسرائيلية عن محللين عسكريين قولهم بأن "نصر الله، الذي يظهر بمظهر الحامي و الدرع للغاز اللبناني، لديه قدرات اكبر بكثير من تلك التي أظهرها أمس". وهو ما أكده الضابط في الاحتياط أمير أفيفي "حزب الله قادر على مهاجمة أهداف استراتيجية في اسرائيل بواسطة مئات المسيرات بآن واحد".
-مجموعة الشهيدين سكاف وياغي
بعد ان كانت المقاومة الاسلامية قد أطلقت اسم "حسان" على الطائرة التي حلقت فوق فلسطين المحتلة في العملية الأخيرة -تيمناً بالشهيد القائد حسان اللقيس أول مؤسسي سلاح الجو-، كان لاطلاق اسم "مجموعة الشهيدين جميل سكاف ومهدي ياغي سبب أيضاً:
-الشهيد جميل سكاف: وهو ابن بلدة مشغرة البقاعية. خضع للعديد من الدورات التدريبية أبرزها على يد الشهيد القائد الحاج محمد بجيجي، ويذكر أنه كان يعمل إلى جانب الشهيد اللقيس في تأسيس وتطوير سلاح الجو واستشهد عام 1994. وعلى الرغم من أن وصيته قد فقدت بعد شهادته، إلا ان رفاق السلاح نقلوا عنه كلماته الأخيرة "سقطنا شهداء ولم نركع. انظروا دماءنا وتابعوا الطريق".
-الشهيد مهدي ياغي: وهو ابن مدينة بعلبك، التحق فور نجاحه في المرحلة الثانوية بالمعسكرات التدريبية، وكانت توكل إليه مهام حساسة، وانتسب إلى الجامعة باختصاص هندسة الكومبيوتر، استشهد عام 2013.
الكاتب: مريم السبلاني