مر وقتٌ طويل على جريمة اغتيال الصحفي المعارض جمال خاشقجي. أكثر من 3 سنوات و8 أشهر، كان فيها التوقع بزيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان -المتهم الأول بقتله- إلى تركيا أمراً صعباً. غير ان وضع هذه الجريمة ضمن نطاق الدائرة الضيقة للمصالح والمقاربة السياسية، يجعل من مشهد تناول الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عشاءه برفقة بن سلمان في القصر الرئاسي على وقع أغنية "هذا السعودي فوق فوق" أمراً مألوفاً.
وصل بن سلمان إلى تركيا بعد جولة مر فيها على مصر والأردن، يعبّد فيها الطريق لزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن المقررة بين 13 و16 تموز/ يوليو المقبل، والتي ينتظرها بن سلمان بشوق حذِر خوفاً من ان يطبّق بايدن ما وعد به بالفعل، وهو "عدم الاختلاء بابن سلمان"، وإبقاء التعامل مع الرياض على أنها "منبوذة".
شبكة من المصالح تلُف الزيارات التي التقى فيها بن سلمان رؤساء الدول الثلاث. بالنسبة لمصر، فرئيسها، عبد الفتاح السيسي، الذي نعت الأول بـ "العيل" في كانون الأول/ ديسمبر عام 2018، أثناء زيارة "فك العزلة" عن نفسه بعيد جريمة الاغتيال، عرض على ولي العهد خلال اللقاء "بعض أصول الدولة، من أجل شراء حصص فيها، كاستثمارات مقابل الودائع السعودية الموجودة لدى المصرف المركزي المصري"، كما نقلت وسائل إعلام محلية عن مصادر مطلعة، والتي أشارت أيضاً إلى ان "كلّا من السعودية والإمارات قدمتا إلى مصر، خلال شهر أيار/ مايو الماضي، ما مجموعه 4 مليارات دولار في صورة مساعدات عاجلة"، بعد ما وصفته المصادر بـ"استغاثات مصرية نتيجة الوضع الاقتصادي المتأزم".
لجهة الأردن، لم تكن الزيارة أكثر وديّة -بعيداً عن الهيئة التي بدت عليها أمام عدسة الكاميرات- وهي التي تناولت ما أطلقا عليه اسم "مواجهة التهديد الإيراني وضرورة دعم الجهود الدولية لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، وضمان سلمية برنامجها النووي"، إضافة لضرورة إطلاق "جهد دولي جدي وفاعل لإيجاد أفق سياسي حقيقي لحل القضية على أساس حل الدولتين" والحديث عن بعض "القضايا العربية"، في بيان أردني- سعودي مشترك، فيما لم يتم التطرق إلى القضايا التي تخص مستوى العلاقات بين الجانبين بشكل مباشر، خاصة فيما يتعلق بموقف الأردن من توطين الفلسطينيين ورفضها لبعض بنود ما يسمى "صفقة القرن" التي تولّى بن سلمان قيادتها والترويج لها في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
تُفهم دوافع اردوغان جيداً في إتمام هذه الخطوة والسعي لإنجاحها، بعد زيارته الأخيرة إلى جدة التي أجراها في 29 نيسان/ ابريل الماضي، وهو الذي يواجه أزمة اقتصادية وانهياراً مستمراً في سعر الليرة التركية، وينتظر ما لا يقل عن مليار دولار من الاستثمارات السعودية المتوقعة في البلاد.
هذه الجولة التي اختُتمت في أنقرة، هي بمثابة الجولة الأخيرة لإعادة "تركيب" صورة بن سلمان، وإخراجها من الإطار الذي يريده بايدن، فهو قد عاد إلى المكان الذي قتل فيه خاشقجي وسط حشد من المرحبين وجمع من الخيول، محتضنَاً من اردوغان وكأنه الملك عينه لا ولياً للعهد.
الكاتب: مريم السبلاني