تنهض الضفة الغربية بحالة مقاومة لم تشهدها منذ أيام الانتفاضتين، فـ 5147 عملاً مقاوماً منذ شهر كانون الأول / يناير حتى شهر أيار / مايو الماضي، يضاف إليهم حوالي الـ 100 عمل مماثل منذ بداية الشهر الجاري، هو ما يؤكد أن الضفة تأخد منعطفاً جديداً يقوده الجيل الفلسطيني الصاعد.
الشهيد العموري: نموذج الجيل الجديد المقاوم
يعد الشهيد الشاب جميل العموري، الذي يصادف تاريخ 10 / 6 / 2021 ذكرى استشهاده، "نموذجاً" عن هذا الجيل، فابن الـ25 عاماً جدّد الاشتباك في مخيّم جنين مع تنفيذه أول كمين لقوات الاحتلال في كانون الثاني / يناير عام 2020 ومن بعدها بات ملاحقاً من الاحتلال واستكمل تنفيذ العمليات العسكرية خلال تصديه لاقتحامات الجنود وعند الحواجز الى أن تحوّلت المجموعة التي بدأها العموري مع عدد من أصدقائه الى كتيبة جنين التي، يقدّر الكاتب والصحافي (من جنين) عصري فيّاض في حديثه مع موقع "الخنادق" أنها تضمّ اليوم "بين 70 الى 100 شاب يهبّون للدفاع عن جنين ومخيمها"، ويستنزفون الاحتلال بالاشتباك واطلاق النار والزجاجات الحارقة والمفرقعات النارية والحجارة، بالإضافة الى تدمير آليات وحرق منشآت للاحتلال وغيرها من الأعمال.
كما كوّن الشهيد العموري قدوة للشباب في مختلف مناطق الضفة "وأثمر عمله بعد شهادته أيضاً حيث لم تخمد المقاومة بعد اغتياله – كما أراد الاحتلال بقتله – بل تحوّلت مناطق الضفة الى مسرح للعمليات اليومية ونسخت تجربة كتيبة جنين".
وذكر فيّاض أن العموري بات رمزاً لهذه المقاومة في الضفة حيث "أن ووالد الشهيد الذي يعمل في سوق جنين حين يمر يُشار اليه على انه والد مفجّر هذه الظاهرة التي تزعج الاحتلال والى اليوم يأتي شباب من مختلف المناطق وخاصة نابلس لزيارة منطقة استشهاده وعائلته".
ما الذيّ يميّز هذا الجيل؟
شرح فيّاض أن "الاحداث الحالية في الضفة تشبه الى حد كبير الوضع العام الذي كان أيام الانتفاضة الثانية (أي بعد فشل المراهنة على "التسوية"، ثم انتصار المقاومة اللبنانية عام 2000)، واليوم بعد الإخفاق الطويل وانسداد أفق التسوية مرة ثانية، وتراكم هذه التجارب السياسية الفاشلة أمام أعين الجيل الفلسطيني الصاعد بالإضافة الى معايشته اليومية للانتهاكات الإسرائيلية، هذا الجيل قرّر التمرّد على هذه الخدع، وأخذ على عاتقه زمام المبادرة للثورة وخلق أرضية للمقاومة الى جانب وجود محفّز وهو المقاومة القوية في غزّة وفي لبنان. فالشباب الفلسطيني فهم المعادلة وتحمّل مسؤوليته في الضفة بالطرق التي يراها مناسبة لكسر الاحتلال على خطى جنوب لبنان وغزة حيث اضطر الاحتلال الى الانسحاب. ولا يعتمد هؤلاء الشباب في الضفة في الوقت الراهن على التوجيهات الفصائلية إنما ما يحدث لا يزال في إطار المبادرات الشعبية والفردية وخاصة من الشباب الذين قضوا فترات الاعتقال في سجون الاحتلال، هم يتحفّزون للمقاومة من داخلهم والأمور في تصاعد. المشروع الذي يعمل لأجله هؤلاء الشباب هو الخلاص من الاحتلال بشكله الاستيطاني والعسكري على المدى الطويل".
الضفة تسير نحو انتفاضة؟
حلّل فيّاض أنه "إذا ما اندلعت انتفاضة جديدة فستكون عسكرية ولن تنحصر في الضفة الغربية حيث سترتبط أولاً بالمحيط الفلسطيني ثم المنطقة، وهذا مسار تدريجي متوقع بحيث ان الانتفاضة الأولى كانت انتفاضة حجارة والثانية أتت في توازن بين العمل الشعبي والعمل العسكري، الآن الثالثة ستشمل كل فلسطين (والداخل أيضاً) الى جانب المحيط العربي والشتات. ما يدور حالياً في الضفة من أحداث يومية وتنامي المقاومة هي مؤشرات عملية لبداية انتفاضة لكن الأمور تأخذ وقتها، الاحتلال يدرك هذا الأمر لذلك هو حذر حيث نجده يبتعد عن اجتياح كامل لمخيم جنين، وينجز مهماته بسرعة ليخرج وعلى أطراف المخيم لا داخله، اولاً خوفاً من سقوط الخسائر بعد مقتل قنّاصه الشهر الفائت، وثانياً إذا استمر الاشتباك قد يسقط شهداء فلسطينيون قد تفجّر دمائهم الوضع".
اذاً، أمام هذا الجيل المصرّ على خيار المقاومة كسبيل وحيد لتحرير فلسطين تسقط مزاعم الاحتلال بأن ما يحدث حالياً هو "موجة" يجب التعامل معها وإخمادها (مع الاشارة الى أن أوساط الاحتلال تعترف بعدم وجود استراتجية واضحة للضفة) بل إنها حالة مطردة تزجّ بالاحتلال ومستوياته بمأزق جديد يُضاف الى إخفاقاته في التعامل مع المقاومة في غزّة، وتراكِم عليه انتقادات "جمهوره" المنزعج أساساً من الأزمات السياسية الداخلية وأداء حكومة الائتلاف.
الكاتب: مروة ناصر