من يخلف الرئيس عباس في رئاسة السلطة الفلسطينية...؟ قد يكون التساؤل الأكثر تداولاً على أجندة صانعي القرار الفلسطينيين والإسرائيليين والإقليميين والدوليين، فالعالم يدرس ويراقب المشهد لو حصل مكروه للرئيس محمود عباس الذي يبلغ من العمر 85 عاماً، وبات واضحاً عليه المرض والأرق في زيارته الأخيرة للأردن، وتتوارد الأخبار من مصادر مختلفة عربية وإسرائيلية أنه توفى.
فلسطين ليست كباقي المناطق، فهي منطقة محتلة أقيمت على أراضيها دولة الاحتلال الاسرائيلي التي صنعها الغرب وخاصة بريطانيا ام الشرور لتفصل بين الشرق والغرب، وتكون قاعدة عسكرية متقدمة في المنطقة لحماية مصالح الغرب. من هنا تنبع الأهمية لدى العالم بهوية الرئيس القادم، وتعكس حجم التدخلات الخارجية في صناعة هذا القرار من كل الأطراف الإقليمية والدولية، وبذلك تختلف زوايا الرؤية من دولة لأخرى، فكل دولة تبحث عن مصالحها، وللأسف الشديد أصبحت بعض القيادات الفلسطينية محسوبة على محاور وعلى دول بل وحتى على بعض الأجهزة الأمنية الصهيونية.
أعتقد أن هناك خمسة سيناريوهات مطروحة وهي:
_ سيناريو احترام القانون الأساسي المعدل لعام 2005م.
_ تعيين أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية وهو أحد أعضاء اللجنة المركزية مدعوم من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة وأطراف إقليمية عربية.
_ سيناريو تعيين نائب رئيس من حركة فتح قبل رحيل الرئيس عباس.
_ سيناريو القبول بتولي رئيس الحكومة القادم بتوافق دولي إقليمي مقاليد السلطة.
_ سيناريو الصراع الداخلي والفراغ الأمني.
أولاً: سيناريو احترام القانون الأساسي المعدل لعام 2005م.
تنص المادة (36- فقرة 2) من القانون الأساسي المعدّل على ما يلي: " إذا شغر مركز رئيس السلطة الوطنية في أي من الحالات السابقة يتولى رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتاً لمدة لا تزيد عن ستين يوماً تجرى خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقاً لقانون الانتخابات الفلسطيني". وهو ما حصل بالضبط بعد وفاة ياسر عرفات حيث تم تعيين رئيس التشريعي روحي فتوح رئيساً للسلطة لمدة شهرين، واستلم الرئيس عباس السلطة من فتوح بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية عام 2005م.
وفقاً لهذا السيناريو فإن عزيز دويك رئيس المجلس التشريعي سيكون هو رئيس السلطة الفلسطينية بعد رحيل الرئيس محمود عباس.
يبقى التساؤل وفق هذا السيناريو: هل ستوافق حركة فتح على ذلك؟ هل سيوافق الاحتلال والمجتمع الدولي؟ هل تمتلك حماس الأدوات اللازمة والفاعلة لتنفيذ هذا القرار الدستوري؟
أعتقد أن الإجابة لا، لا أحد من الأطراف السابقة سيقبل بأن تقود حماس السلطة، وبذلك سيمارسون الانتقائية في احترام القانون والدستور، هذا إن وافق أصلاً د. عزيز دويك الذي أنهكه المرض نتيجة الاعتقالات المتكررة من الاحتلال والمضايقات المختلفة من الأجهزة الأمنية لأسرته طوال المرحلة الماضية..
ووفقاً لهذا السيناريو تبقى الكرة في ملعب حماس وحلفائها عبر العمل الجاد لعقد جلسة للمجلس التشريعي بكل الطرق والوسائل لانتخاب هيئة برلمانية جديدة تقدم حماس من خلالها على التوافق على هيئة مكتب مقبولة دولياً تقود المرحلة وتؤسس لانتخابات عامة في كل المؤسسات السياسية لتوحيد النظام السياسي الفلسطيني وإنهاء الانقسام.
أما على صعيد حركة فتح والقيادة الفلسطينية فقد تذهب لعقد جلسة للمجلس الوطني وتمرير اجراء تعديلات في القانون الأساسي، تضمن اغلاق الباب أمام وصول أي شخصية لا تقبلها حركة فتح.
ثانياً: سيناريو تعيين نائب للرئيس قبل رحيل محمود عباس
وهذا لم ولن يحدث لان هذا الأخير يرفض ورفض ذلك بشدة فكيف الان وهو في أنفاسه الأخيرة
ثالثا: تعيين أمين سر لمنظمة التحرير الفلسطينية من أعضاء اللجنة المركزية مدعوم صهيونيا وأمريكيا ومقبول عربياً، وهذا السيناريو هو الأرجح
قد يكون هذا السيناريو هو الأقوى والأرجح لمنع صراع محتمل بين أقطاب حركة فتح من الطامحين لهذا المنصب، ولكن في المقابل يحتاج هذا المنصب لتعديل في القانون الأساسي الذي لا يمكن تعديله دون عقد جلسة للمجلس التشريعي وبأغلبية ثلثي النواب وهذا مستحيل نظراً لهيمنة حماس على البرلمان بأغلبية 70 مقعداً مع العلم ان محمود عباس أصدر قرارا بحل المجلس التشريعي منذ سنوات خلت، هذا ما ستتذرع به حركة فتح.
إلا أن المرحلة الراهنة والتي يغيب فيها القانون لصالح السياسة والمصالح والفاعلين الخارجيين الدوليين، فإنه من المحتمل العمل على هذا السيناريو والتوافق على شخصية مقبولة داخلياً وخارجياً.
رابعاً: سيناريو القبول بتولي رئيس للحكومة مقبول دوليا وإقليميا مع إعطائه صلاحيات واسعة كما حدث مع الرئيس الراحل ياسر عرفات وسلام فياض والذي كان مدعوما من الإدارة الامريكية وخاصة الرئيس جورج بوش الابن وهذا السيناريو مرشح جدا أو تولي نائب رئيس حركة فتح مقاليد السلطة.
قد يكون أحد المداخل المهمة لحل معضلة ما بعد الرئيس عباس هو التوافق على شخصية رئيس الحكومة أو نائب رئيس فتح تولي مهمة رئاسة السلطة، وبذلك احداث تقاسم وظيفي بين أقطاب الحركة في الضفة الغربية بحيث يتولى رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية ورئاسة السلطة والحكومة وحركة فتح، شخصيات وازنة تمثل كل مناطق الضفة الغربية من شمالها حتى جنوبها، ووفقاً لهذا السيناريو قد تغيب غزة عن المشهد القيادي ما لم يعاد توحيد حركة فتح واعادة الاعتبار لمؤسساتها.
وهذا السيناريو لن يحدث مستقبلا للصراعات القوية الموجودة بين اجنحة حركة فتح المختلفة وهذا لم يحدث حتى الان.
خامسا: سيناريو الصراع الداخلي والفراغ الأمني.
لا شك ان محمود عباس أوشك على مغادرة المشهد السياسي الفلسطيني غير مأسوفا عليه، وبعد رحيله قد لا تستطيع حركة فتح حسم المشهد وبالتالي الدخول في صراعات جانبية - لتقاسم الكعكة التي خلفها محمود عباس - تضعف من بنية السلطة الفلسطينية وتصبح الضفة الغربية على موعد مع فراغ أمني وسياسي، يربك حسابات الجميع خاصة ان حركتي حماس والجهاد وتيار الإصلاح الديمقراطي التابع لمحمد دحلان يعوا ذلك ولن يقبلوا أو يوافقوا ان يغيبوا عن المشهد السياسي الفلسطيني بعد كل هذه التضحيات.
الخلاصة: إن الحل الأمثل هو في إحياء المؤسساتية السياسية الفلسطينية على أسس ديمقراطية تعددية، وأن يعمل الجميع على انهاء الانقسام والعودة للشعب لتجديد شرعياته السياسية من خلال الانتخابات بما يضمن احترام القانون والنظام العام.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع